الأم المثالية
مجلة الزهراء عليها السلام
منذ 8 سنواتاليوم نتحدث عن الأم المثالية.
والأمّ المثالية هي الوجه الآخر لهذه العملة التي هي الطفل.
ـ إن الطفل يرى الناس فيه مرة وجه والده، ومرة أخرى وجه والدته. هذان الوجهان يجب أن يتفقا مظهراً ومخبراً، لأنهما يمثلان عملة واحدة.
ـ فيا ترى من هذه الأمّ المثالية؟
هل هي التي تحمل وتلد كل عام مرة، ثمّ تسلم وليدها للشارع؟ أم لأب لايرعى حقه؟ أم أنها هي التي تحتضنه بعد ولادته مثل ما احتضنته في أحشائها؟
إن مثالية الأم ليست في الحمل ولا في الولادة، لأنها تحمله كرهاً، وتضعه كرهاً، شاءت أم أبت.
لكن مثاليتها تتجلى في تربيته، حيث تتطلب منها ان تعطيه من حنانها، وصبرها، ووقتها، وراحتها وصحتها؟
فيا ترى هذه الأم التي أرخص الله جنّته الغالية في سبيلها.
فجعلها تحت قدميها هل بقيت هي اما تستحق تلك الجنّة؟
أم أن أما دخيلة جاءت من أقصى بلاد الله. فانتزعت منها تلك الأحقية وانشغلت الام الحقيقية بسوق العطور، والموضات وصالون التجميل؟
ـ إن مثالية الأم تحوم حولها شكوك كثيرة، لأنها لم تعد تلك الأم التي كانت ترضع وليدها حولين كاملين، ولا هي الأم التي قال عنها نابليون: "تهز المهد باليمنى وتهز العالم باليسرى".
ـ إن مثاليتها بكل أسف انحصرت في شهر أو ثلاثة أشهر من الإرضاع، وقضاء ساعة من ليل أو ساعة من نهار مع طفلها، ليقضي الطفل بقية طفولته مع الخادمة الأجنبية التي لا تمت إلى بلد الطفل أو لغته أو دينه أو قيمه بصلة ـ أه من أمهات اليوم لقد فرغن من المثالية إلا من عصمها الله.
لذلك فإنني أناشد كل أم أن تربي طفلها بيدها، ألا إن الطفل تربية، والتربية حنان ينزل من ثدي الأم إلى فم الطفل، وليس حليباً معلباً تصدره مصانع الغرب إلينا.
والتربية هي تعويد الطفل على أخلاق أبويه لا همهمات البشاكير والخدم، فهل من مدكر؟
ـ يؤسفني أن أرى أطفالاً يتكلمون بلغة مكسرة، ويلبسون ثياباً غريبة، ويأكلون أكلات غريبة.
وعندما تسألهم تجدهم قد اعتادوا لغة الخادمة، وارتادوا ثباب الخادمة، واستحلوا أكلات الخادمة.
وكأني بالمتنبي وهو يقول:
ولكن الفتي العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان
ـ نعم يمر رمضان الكريم ولا يضع أولادنا الهريس في أفواهم، ويفضلون البيتزة، ويمضي الصيف بطوله، ولا يأكلون حبة رطب، ويفضلون الكتكات.
ويدخل العيد وهم يدورون في أسواق الملاهي بالبنطال والقميص، وكأنهم في لندن.
ـ العجيب أن الأم تأخذهم إلى الأسواق ليتناولوا تلك الأطعمة، وهي التي تنتقي لهم تلك الملابس، وعندما يأتي وقت النوم أو وقت لهوهم أو مذاكرتهم تتركهم للخادمات ليفرغن فيهم من سمومهن.
ـ إن الأم المثالية لا تفعل مثل هذه الأفعال لأنها تحب أن تلعب دور الأم البطلة، والبطولة ماهي إلا سهر ليل، وتعب نهار، وعذاب ضمير إذا انحرف الطفل قليلاً عما رسمت له أمه.
ـ إن الأم المثالية لا تعرف النوم إلا إذا تخرج ولدها بدرجة امتياز، وتقلد أعلى المناصب، وتزوج وأنجب، وصارت سمعته الطيبة تملأ الآفاق.
عندئذ آن للبطلة أن تتنفس الصعداء، وللفارسة أن تترجل، وتلقي عصا التسيار التي كانت تضرب بها يميناً ويساراً من أجل إسعاد ولدها
التعلیقات