مطلقة نادمة تتمنى العودة الى بيت الزوجية
مجلة الزهراء عليها السلام
منذ 8 سنوات
مثلما أن هناك أصواتاً تدافع عن المطلقات، وتشجعهن بكل الحجج الواهية، وتظهرهن في عالم من المثالية، وتصوّرهن الحلقة الأضعف في المعادلة الزوجية، فإن هناك أصوات نسائية تعترف أمام الملا وتتحدث بكل موضوعية، تحمّل المرأة مسؤولية قرار الطلاق، وأنها وحدها التي تختار مقعدها في عالم المطلقات وتقلّد نفسها هذا اللقب.
فصول منسية
الدكتورة اسراء تسرد قصتها الواقعية، التي تعكس الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في إرساء قواعد الحياة الزوجية، وحماية أركانها من التصدع والانهيار.. وتضع أمام شابات اليوم تجربة حية منتزعة من حياة المجتمع الواقعية، عاشت تفاصيلها بنفسها وترويها كما هي بالألوان الطبيعية، إذ تقول:
نشأت في أسرة محافظة ميسورة الحال، وأهلا ذوو حسب ونسب وعندما تقدم رجل لخطبتها وتم الاتفاق وتحدد موعد الزواج كان من بين طلباتها التي لم يتردد في الموافقة عليها أن تكمل دراستها إلى أن يشاء الله، وكانت وقتها طالبة في المرحلة الثانوية، ولا تخفي أن الزوج ايضاً كان من عائلة كريمة ومعروفة، ويتمتع بكل الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة التي تتمناها كل زوجة في زوجها، فغمرها بحبه وحنانه، ولم تشعر يوماً أنها افتقدت شيئاً بعد أن غادرت منزل أسرتها، ولم تحس يوماً بعد الزواج أنها محرومة مما يجب ألا تحرم منه.. وساعدها زوجها في دراستها بالتخفيف من أعباء المنزل .. خاصة أيام الدراسة.. فكان يقضي الكثير من جهده ووقته لإيصالها إلى المدرسة أو إحضارها منها، وكذلك فعل في المرحلة الجامعية ، ووفر لها كل وسائل الراحة، وجعلها تتفرع للدراسة .. حتى وقت الأطفال ووقت الزوج كانت لا تقبل ان ينتزعوها من بين براثن الكتب، والمجلدات والمراجع العلمية.
تواصل "اسراء" حديثها بألم شديد وهي تعود إلى الماضي، لاسترجاع هذه الفصول المرة، وتقول: للأسف كان اهتمامها بالتحصيل العلمي على حساب زوجها وأبنائها برغم أن زوجها ساعدها في إكمال الجامعة والحصول على الماجستير والدكتوراه باعتبار أن ذلك حق طبيعي، لكنها وللأسف الشديد وهنا تخنقها العبرة وكأنها تذكر عزيزاً لديها رحل إلى الدار الآخرة، قد أخطأت خطأ العمر كما يقولون.. بل أغرتها مكانتها العلمية أن تحس بشيء من الأنفة والكبرياء أمام زوجها وهذا كان يجعل عبء الأطفال يقع على عاتقه، بالإضافة إلى الأعباء الأخرى التي يقوم بها كربٌ أسرة، لكنه كان طيباً وصبوراً يقوم باحتواء كل ذالك حفاظاً على تثبيت أركان عش الزوجية الذي بدأ يتهاوى دون أن تشعر بذلك، أو تلقي له بالاً.
بصراحة صبر زوجها كثيراً أمام الضغوط التي كان يواجهها في سبيل أن يمخر مركبهم في عباب الحياة الزوجية دون التعرض للرياح الهوجاء والأمواج العاتية، وربما كان في أسلوبها تعالياً عليه، لم تكن تتعمده، ولا يتوقعه هو.. حصولها على درجة الدكتوراه جعلها تحس بأنها ذات وضع خاص.. وصارت تتعامل مع طبقة من المثقفات والمثقفين والأكاديميين، وربما يكون هذا قد أخذها بعيداً عن زوجها الذي لم يكن يحمل أكثر من الشهادة الجامعية حيث شغلته أعماله الخاصة عن مواصلة التعليم العالي..
الأطفال هم بدورهم كانوا ضحايا هذه الشهادات المشؤومة التي أفقدتها حياة الاستقرار وجعلتها تقضي حياتها نادمة على كل دقيقة قضتها فيها، أفتقد الأبناء حنانها وهم بطبيعة الحال يفتقدون الأب معظم الأوقات ـ حسب طبيعة عمله ـ فعاشوا محرومين من حنان الأبوين رغم وجود أبويهم معهم ، ورغم الحياة المعيشية الميسورة التي أتيحت لهم.
ضحايا الإهمال
كان أبوهم يناقشها كثيراً بما آل إليه وضعهم كأسرة لها مكانتها وأصلها، ويلفت نظرها بالحالة النفسية للأطفال، ويحمّلها مسؤولية التصدع الذي باتت ملامحه تظهر على شكل أسرتهم الصغيرة ، وبدأت المشاكل تدب في حياتهم الزوجية ، فهو يتهمها بالتقصير والغفلة والانشغال بمسائل العلوم والبحوث والمشاركة في المؤتمرات والندوات وورش العمل والتضحية بالأطفال وراحة الزوج. وكان دفاعها عن نفسها لا يعدو أن يكون صياحاً في وجه زوجها بلهجة لاتخلو من التعالي والكبرياء والشعور بالمكانة الخاصة ، وفي ذات الوقت كانت تحتج لديه أن يراعي مشاغلها ووضعها ومسؤولياتها خارج المنزل، وكان يرصد كل حالات الخلافات والجدل ويسجل تاريخها والحجج التي كانت تسوقها، وذات مرة حدث بينهما خلاف عميق تعالت على أثره الصيحات وارتفعت الأصوات ، وتظن ذلك كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فقام بنقل تفاصيل ملف الخلافات منذ بدايتها إلى أهلها، وأخبرهم كيف أنها تعالت عليه، وأهملت بيتها وأطفالها وكيف أنه صبر على ذلك حفاظاً على كيان الأسرة، واحتراماً لأهلها وتقديراً لهم، وكذلك إنقاذاً لمستقبل الأطفال الصغار الذين تأثروا بشكل مباشر بما يجري في بيتهم .. ولم تكن تتوقع اسراء أن ذلك الإنسان الطيب القلب الحنون العطوف يتخذ تلك القرارات الصعبة والحاسمة.. حيث ظنت أنه سيكون رهن إشارتها على الدوام، وأن حبهما لبعضهما و وجود أطفال بينهما سيشفع لها معه مهما بدرت منها من أخطاء.. لكنه كان أقوى مما تصورت .. ويبدو أن الغضب قد بلغ به مبلغه، وأن الصبر قد نفد عنده، وأن الحلم بدأ يتضاءل، فبعد أن وضع أهلها في صورة الأمر الواقع، وجعلهم يطلعون على ملفها بالتفاصيل الدقيقة التي لا تستطيع إنكار أي جزء منها.. طلقها وتزوج من فتاة أخرى، فعادت إلى منزل أبيها تجر أذيال الخيبة وتتجرع الحسرة والندامة والألم، هذا البيت الذي ربانها صغيرة وعاشت فيه معززة مكرمة، وخرجت منه إلى منزل الزوجية بكل شرف ووسط فرحة الأهل والأحباب في ابتهاج عائلي.. عادت إليه حزينة ووجدته واجماً، حزيناً ليس بسبب عودتها إليه بدل لفداحة خطاها وعودتها إليه بعد عدة سنوات، وفي معيتها صغارها الذين لايدركون لماذا جاءت ومتى ستعود ، وما المستقبل الذي ينتظرهم، خرجت من بيت أبيها إلى فضاء الحياة الزوجية وسط هالة من الفرح، ووسط زغاريد الفرح وأهازيج البهجة والمسرة، لكنها عادت حزينة باكية تركت من ورائها بيتاً منهاراً كانت هي السبب في خرابه، وأمامها أطفال حائرون، فهي المسؤولة عن مصيرهم وعن ما يحدث لهم، وبالتأكيد سيتأثر هؤلاء الصغار الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أبنائها سيتأثرون بافرازات هذا الانفصال على المستوى النفسي والتربوي ، وحتى التنشئة لن تكون حياتهم كما كانت في بيت يضم الأب والأم وتتوفر فيه كل وسائل الحياة الكريمة، ومن الذي حرمهم من ذلك؟! وهنا تذرف دموع الندم وتجيب على نفسها: بالطبع أنا.. وأنا الآن أنادي "خذوا شهاداتي وأعيدوني لبيت الزوجية".
التعلیقات