زوج بلا ضمير
مجلة الزهراء عليها السلام
منذ 8 سنوات
ذات يوم وبينما أنا اقرأ في احد الكتب، سمعت طرقاً على الباب فقلت من الطارق؟
اجابت: أنا.
فلما فتحت الباب، وجدتها امرأة ذات ثياب رثّة تستجدي النقود والطعام. فدعوتها للدخول وقدّمت لها طعاماً، فرأيت اثرما فعلت متجسماً في عينيها الناحلتين..
قلت لها: اجلسي ايتها المرأة البائسة وحدثيني عن ماضيك أو بالاحرى عن المأساة التي حلّت بك واوصلتك الى هذه الحال..
قالت بنبرة حزينة: قصتي تبدأ عندما تزوجت من رجل مؤمن بالمظهر لكن اتضح لي فيما بعد ان تصرفاته بعيدة كل البعد عن سلوكه الذي كان يظهر فيه في الايام الاولى من الزواج، فضلاً عن اوضاعه الغريبة الشاذة التي اضطررت لمجاراتها رغماً عني، اذ لا حيلة عندي بعد أن اصبح زوجي وانتهى كل شيء.
وبمرور الايام جزعت نفسي منه ومن تصرفاته غير اللائقة والمتقلّبة حسب ما تقتضيه مصالحه الشخصية..
انجبت منه طفلة، فكانت سلوتي الوحيدة في دنياي التعيسة، كنت احبها اكثر من اي شيء في الوجود، وكانت شاغلة حياتي وفكري وكياني..
شرعت تكبر وتحلو حتى بلغت الخامسة عشرة من عمرها، وفي تلك الفترة، كان والدها يهملها ولا يكترث بها ولم يهبها من حنانه ولو نزراً يسيرا.
وذات يوم وعندما كنت انجز اعمالي اليومية طرقت الباب بشدة، فهرولت مسرعة لارى من الطارق.. واذا بنبأ عن فاجعة لم تخطر ببالي ابدأ ويالهول ما رأيت.. ابنتي ملقاة على عتبة المنزل، جسداً بلا روح، ومجموعة من العابرين ورجل شرطة روى لي في ما حدث: لقد دهست ابنتك سيارة وهرب سائقها بسرعة البرق، ولما رأيناها في وسط الشارع كانت في نفسها الاخير فاخبرتنا بالعنوان وقررنا اصطحابك معنا للتحقيق.
لم أتمالك نفسي اثر الصدمة، فصحت صيحة عظيمة وسقطت مغشياً عليّ ثم استعدت وعيي وأنا اصرخ: لم تمت ابنتي..انها حية تبتسم لي.. وبقيت ابكي تارة واضحك اخرى واقول لهم: لا..لا اريد طفلتي مكثت على هذه الحال مدة شهر اخرج كل يوم الى الشارع واصيح واصرخ: هاتوا لي ابنتي.. لماذا اختطفتموها؟
اما زوجي، فاستقبل موت الطفة بلا مبالاة وكان يردد وبلا اكتراث: رحلت وما يجدي بكاؤك.. هل سيعيدها ثانية.. كم انت حمقاء..
نقلوني الى مستشفى الامراض العقلية ظناً منهم انني جننت.. وكنت واثقة ان لزوجي يدأ في ادخالي المستشفى ليخلو له الجو ويتصرف بما يحلو له بمنأىّ عن عينيّ الفضوليتين.
مكثت ثلاث سنوات في مستشفى الامراض العقلية الى ان تأكدوا من سلامة قواي العقلية، فأخرجوني لأتجه صوب البيت وكلّي امل في لقاء هذا الزوج الميت الضمير وأنا اردد في نفسي: عساه تغيّر في هذه السنوات لاجده رجلاً مليئاً بالاحساس واللهفة لاستقبال زوجته بعد هذا الفراق..
ولكن للاسف رأيت المنزل مغلقاً.. فاتجهت الى معارفي استفسر عنه لديهم..
فجاء جوابهم كالصاعقة على رأسي، اذ قالوا: انّه تزوج من امرأة اخرى بحجة انك لن تصلحي بعد الآن كزوجة له.. وهو اليوم لديه طفلاً ويقيم في منزل فاره ويحيا حياة سعيدة مع زوجته الجديدة، لم استطع البكاء ولكن خنقتني العبرة.. وعلا وجهي شحوب بارز، وقلت: لا يهم، فليفعل ما يشاء.. ما دمت فقدت طفلتي التي كانت تملأ حياتي بهجة وسروراً، انه ميت الضمير وسيبقى هكذا.. فتعساً له من زوج عديم الوفاء..
لم اذهب اليه.. وعلى الرغم من انه سمع بخروجي من المستشفى لكنه لم يزرني وانما بعث من يقول لي: لقد باع زوجك المنزل وعليك اخلاءه في ظرف اسبوع!!
لم اصبر هذه المرة، وصممت على مواجهته وجهاً لوجه لا طلب منه طلاقي ومنحي حقوقي الشرعية المترتبة على ذلك.. وصلت الى منزله الجديد قبل يوم واحد من انتهاء الانذار باخلاء المنزل القديم، طرقت الباب واذا بجارنا يقول: لقد سافر زوجك يوم أمس الى خارج البلاد برفقة زوجته وطفله وباع منزله وأثاثه لزميله في العمل..
قلت في نفسي: هل هناك حقاً رجال نزعت الرحمة من قلوبهم وباتوا كالحجارة أو اشد قسوة بحيث لم يتأثروا لفقدان ابنائهم وترك زوجاتهم بلا راع.. تعساً لهذا الزمن الردىء..
قررت العمل بأي ثمن، المهم عندي هو الحصول على لقمة العيش.. ولكن ولسوء الحظ اين ما كنت اذهب توصد الابواب في وجهي.. ويقولون انك لا تصلحين لشيء.. ولذا قررت احتراف مهنة الاستجداء والحمدلله الذي جمعتني الصدفة بك اخيراً.. فقد احسست براحة واطمئنان.. وأنا التقيك يا اختي العزيزة..
دهشت كثيراً لقصة هذه المرأة المسكينة وقلت في نفسي: تباً لهؤلاء الاوغاد الذين يتزوجون دون ان يتحمّلوا تبعات الزواج ونتائجه، وحالما تعكّر صفوهم مشكلة او مأساة، يفرّون ليدعوا ضحاياهم من زوجة واطفال، ان هؤلاء الرجال القساة لا يستحقون الحياة0
استقبلت هذه المرأة المعذبة وافردت لها غرفة في منزلي وقلت لها ودّعي حياة الغربة والتجول، وعيشي الى جانبي..
حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
التعلیقات