الصوم عبادة الاحرار وطريق المستضعفين للحرية
موقع فاطمة
منذ 8 سنواتبسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
المسلمون ينتظرون حلول شهر رمضان المبارك، ليمارسوا فيه واحدة من افضل العبادات التي ان اتبعوا آدابها والتزموا باحكامها تحقق لهم خير كبير في الروح والجسد. وصوم شهر رمضان نظام صحي كفيل بتحقيق التوازن بين الصحة الجسدية والسلامة الروحية. انه منهج حياة يوائم بين داخل الانسان وخارجه، ويحكم العلاقة بين "النسبي" و "المطلق"، بين "المخلوق" و "الخالق"، وبين "الدنيوي" و"الغيبي". من هنا تتسم حياة المسلمين خلال شهر رمضان بقدر كبير من الانضباط لا يتحقق في الشهور الاخرى برغم اداء العبادات الواجبة خصوصا الصلاة. وما تزال احكام الصوم ومستحباته غائبة عن حياة المسلمين الذين اصبحوا يتسابقون لتوفير افضل انواع الاطعمة، وليحولوا لياليه الى اوقات للغو واللعب بعيدا عن الذكر المنبعث من الايمان بالله وملائتكته وكتبه ورسله. انه انتظار مسؤول في بعض الاحيان ولكنه يصاب بالتسيب وغياب الانضباط في اكثر الاحيان.
ان تحقيق قدر من التعادل المعيشي بين مستلزمات الجسد ومتطلبات الروح امر شاق، ولكن جعله الله ممكنا للانسان، بشرط ان يتبع اوامر الله وينتهي عن نواهييه، ويقيم احكامه ويتصدى للانحراف عن السلوك القويم. فالصوم ليس "نظام حمية" كما هو سائد في عالم اليوم وان كان يحقق ذلك، وليس هو تمرينا خاصا باللياقة الجسدية وشكل التنفس والحركات المتسقة التي تهدف لاحداث تناغم بين الجسد وما فيه من عضلات خارجية، وما يتطلبه داخله من تنفس بايقاعات محددة. انه عبادة تنطوي على ذلك كله بتقدير الهي محكم. انها الارادة الالهية التي نسقت الكون لتتناغم اجزاؤه بوتيرة دقيقة لا يعتريها الخطأ ولا تتوقف عن الحركة ضمن المسارات المحددة لها من الخالق العظيم.
يصوم الانسان فيشعر بالجوع الجسدي والشبع الروحي، في انسياق معاكس لما اعتاده في حياته العادية حيث يتخم الجسد بانواع الاطعمة في اجواء كثيرا ما تخلو من مستلزمات الروح والنفس. فان كان هناك من يريد الاستفادة من هذه الهندسة التي لا يعتريها الخطأ فسيكون شهر الصوم فرصة لتلك الاستفادة، والا فاتته فرصة لن يعيشها الا بعد عام، ولن يستفيد منها الا اذا ازيحت الغشاوة عن قلبه وروحه. في شهر رمضان المبارك تسمو روح الصائم فاذا به يصعد في معراج العبادة والطاعة ليصل الى مستوى الملائكة، وتتصاغر امامه ملذات الدنيا حتى لكأنه يعيش الزهد والتصوف. الصوفيون يبذلون الجهد ليحققوا شيئا من ذلك بأساليبهم وعاداتهم التي طوروها عبر القرون. اما شهر الصوم فيوفر ما هو اكثر فاعلية من تلك الاساليب واقلها تكلفا او تصنعا. فاذا المؤمن الصائم العباد منسجما في حياته بين صوم ودعاء وقراءة قرآن ورياضة جسدية وحمية تقيه الامراض وتسعفه من آفات الافراط في الاستهلاك وما ينتج عنه من سمنة. انه شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فلنستقبله بما يستحق من الحفاوة والاستعداد وعقد النية على ترك الآثام والانقطاع بالعبادة الى الله وحده.
الصوم والمسؤولية
تتوقف عن الاكل طوال النهار فلا تشعر بالا بالسعادة. ولو كنت مجبرا على ذلك لما توفر ذلك الطعم المتميز. فللعبادة لذة دونها الاطعمة والاشربة. تجوع فتحس بالشبع، وتمتنع عن الشرب ولكن بدون ان يجد العطش الى نفسك سبيلا. تقرأ القرآن فاذا بحلاوته على لسانك، واذا بأياته ناموسا ينظم حياتك ان قرأتها بعناية واهتمام. في غسق الليل تتعبد متنسكا طائعا خاضعا لربك، فكيف تحولت بين ليلة وضحاها الى واحد من المتعبدين وةانت الذي لم تكن "الخلوة" مما اعتدته من اماكن العبادة. تسير الهوينى وعينك في السماء ترقب النجوم وتقرا في سماء الليل ما يشدك الى خالق السماوات والارض. تتساءل: لماذا توقف البشر عن النظر الى السماء، بحثا عن الهلال او استمتاعا بالنجوم، او تفكرا في هذا الكون الشاسع؟
مشاعر الايمان تتعمق لديك وانت تعاني الجوع خلال النهار، مرتلا القرآن او قائما في المحراب او ناشطا من اجل خير الانسان. وفي ليالي الشهر الفضيل تربأ بنفسك عن اضاعتها في متابعة المسلسلات التي تبعدك عن ذكر الله وتشغلك عن العبادة. في عالم المادة الذي تديره القوى الشيطانية كل شيء موجه لترسيخ ثقافة العبث والاستهلاك واللامبالاة. تعرف انك مسؤول عن حياتك فيم قضيتها، وعن شبابك فيم افنيته، وعن قوتك فيم صرفتها، فهل تفرط في ليالي شهر رمضان الاغر لتشاهد المسلسلات العابثة التي تقتل روح المسؤولية في الجيل الناشيء؟ كيف تستطيع ان تفعل ذلك وانت تعلم ان هناك جياعا ومظلومين وأسرى ومرتهنين لدى قوى الظلم والاستبداد. وهل تهنأ بالبرامج العبثية واخوتك يرزحون وراء القضبان، يصومون على الجوع ويفطرون على التعذيب؟
لطالما مررت، وانت ترتل القرآن، بالآية التي تحميك من السقوط في وحل اللامبالاة: "وقفوهم انهم مسؤولون". فما دام هناك عين لا تنام من الظلم الواقع عليها، او بطن جائع نتيجة الحرمان، او مؤمن معذب في طوامير السجون، فلن تستطيع ان تغمض عينيك وتتوجه ببصرك وبصيرتك بعيدا عن واقعك. شهر رمضان المبارك مناسبة للتدبر والتفكر والعطاء. فلا تكفي المشاعر والاحاسيس والنوايا الطيبة، ولا تصلح ان تكون بديلا عن العمل الحقيقي لرفع الظلامة عن المستضعفين. مسؤوليتك تفرض عليك ان تكون واعيا لها، قائما بها، لكي ترضي ربك وتريح ضميرك، وتصوم شهرك كما اراد الله سبحانه. فطب نفسا ان عقدت العزم على فعل ذلك.
التعلیقات