النموذج النسوي في المعسكر الحسيني
موقع شبكة كربلاء المقدسة
منذ 8 سنواتإن المعسكر الحسيني الذي مثل في كربلاء رغم صغره وقلة أفراده إحتوى على
أطياف ألأمة ففيه المولى والعبد، والشيخ والطفل، والرجل وألمرأة، وفيه الصحابي والتابعي، وألأبيض وألأسود، كما فيه الشريف والوضيع، والقوي والضعيف، والعلوي والعثماني، وفيه المسلم وغيره (1)والعربي وغيره، لقد تجمع فيه أصناف والوان ألإنسان الذين جبلوا على الكرامة والعدالة، وألإنسانية.
وإذا نظرنا إلى خلفية تلك الطاهرات اللاتي جئن إلى ارض المعركة نلاحظ أن فيهن ألأم والجدة ، وألأخت والشقيقة ، والعمة والخالة ، وألإبنة والحفيدة ، والزوجة والسرية، ويجب التمعن بأن لكل منهن مهمة ربما تختلف تماما عن مهمة ألأخرى ، ولكن يجمعهن ألإيمان بأرقى مفاهيمه ألإنسانية والتي جاء بها ألإسلام ولخصها في شخص ألإمام الحسين عليه السلام وأهدافه ، وفي هذا المقطع سنشير إلى بعض النماذج التي يشار إليها بالبنان من تلك الزمرة الطاهرة التي لم تأخذها لومة لائم سواء من اللاتي حضرن كربلاء أو كن على ضفاف نهضته المباركة ، سنذكرهن حسب الحروف الهجائية :
1 ـ أم وهب النصرانية: ألمرأة التي آمنت وضحت ، كانت أم وهب وإبنها وهب على الديانة النصرانية ، ولم يعرفا عن ألإسلام ما يجعلهما يفكران بجد في التحول عن معتقدهما ، ولكن كان للصدفة دور كبير ، حيث كانا قد نزلا الثعلبية (2)، وصادف أن ألإمام الحسين عليه السلام قد سبقهم إليها ، فأخذت هيبة ألإمام عليه السلام الولد والوالدة ، فدخل نور الهداية في قلبيهما حينما تحدثا إلى شخصه الكريم ، فلما علما بأن ألإمام قد نهض لدفع الظلم وإحقاق الحق ، أسرع إليه وهب وأخذ يسأله عن أشياء كان يضيق بها صدره وتدور في مخيلته ، فلما عرف الحقيقة من منهلها وإستوعب الفكرة ، أسلم على يدي ألإمام وأسلمت أمه أيضا ، وكانا متعطشين إلى تطبيق هذه الشريعة بكل بنودها ، وكان الذب عن إبن بجدتها سبط الرسول صلى ألله عليه وآله من أبرز معالم هذه الشريعة ، فإلتحقا بركب الحسين عليه السلام ووصلا كربلاء معه ، فما كان من ألأم إلا أن تحث ولدها في الدفاع عن شريعة سيد المرسلين وعن إبن إبنته وريحانته وحاميها ، فكانت يوم عاشوراء تدور حول إبنها وتشجعه للنضال والجهاد إلى أن إستشهد ، وما أن إلتحق بالرفيق ألأعلى إلا وخرجت بنفسها إلى المعركة وأخذت بيدها عمود الخيمة وأخذت تدافع عن إبن بنت رسول ألله صلى الله عليه وآله عندها أسرع ألإمام فأرجعها إلى الخيمة وأعلمها بأن ألإسلام أسقط عن ألمرأة فريضة الجهاد ولأنها كانت تواقة إلى الجنة فقد أوعدها الحسين بذلك ، إنها ضمنت الجنة بعد ثلاثة عشر يوما فقط من إسلامها ، فمن يا ترى اسلمت وضحت بفلذة كبدها ، وضمنت الجنة ! .
2 ـ بحرية بنت مسعود الخزرجية : ألمرأة التي تجهز إبنها للشهادة ، كانت بحرية ممن حضرن كربلاء مع زوجها جنادة بن كعب الخزرجي فخرج الزوج وقاتل قتال ألأبطال بين يدي أبي عبدألله الحسين عليه السلام ، ولما لم تمتلك بحرية وسيلة أخرى للدفاع عن الحق المتمثل بالحسين عليه السلام جاءت إلى إبنها عمر ، والذي لم يتجاوز العقد ألأول من عمره ، فألبسته لامة الحرب وقلدته السيف ، وتحدثت معه بأمر القتال بين يدي أبي عبدألله ، والنواميس التي يدافع عنها ، محثة إياه على ذلك وقالت فيما قالته : أخرج يا بني وإنصر الحسين عليه السلام وقاتل بين يدي إبن رسول ألله فلما جهزته خرج ووقف أمام الحسين عليه السلام يستأذنه للقتال ، فلم يأذن له فأعاد عليه ألإستئذان ، فقال الحسين عليه السلام : «إن هذا غلام قتل أبوه في المعركة ، ولعل أمه تكره ذلك» فقال عمر : «يابن رسول ألله إن أمي هي التي أمرتني وقد قلدتني هذا السيف وألبستني لامة الحرب » وعندها سمح له الحسين عليه السلام فذهب إلى ميدان القتال وهو ينشد ما يختلج بقلبه قائلا من المتقارب :
أميري حسين ونعم ألأمير سرور فؤاد البشير النذير
علي وفاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير
له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر المنير(3)
فقاتل حتى قتل وقطع رأسه فرمي به إلى جهة الحسين عليه السلام ،فأخذته أمه وضربت به رجلا أو رجلين فقتلتهما ، وحف إليها الحسين عليه السلام فأرجعها إلى الخيمة . فمن يا ترى يمتلك قلبا مفعما بالإيمان والشجاعة ! .
3 ـ دلهم بنت عمرو الكوفية : ألمرأة التي وضعت زوجها على الطريق ، لم يكن زوجها زهير بن القين البجلي من الموالين لأهل البيت عليهم السلام بل كان على الخط العثماني الذي على النقيض مع خط أهل البيت عليهم السلام ولكن الطريق جمع بينه وبين ألإمام الحسين عليه السلام وهما في طريقهما إلى الكوفة ، وما كانت إلا ساعة فإذا برسول الحسين عليه السلام على باب خيمة زهير يقول : إن أبا عبدالله بعثني إليك لتأتيه فساد صمت رهيب في مجلس زهير ، حيث كان يكره زهير وقومه من مسايرة الحسين عليه السلام وهو في الطريق فكيف بهم ورسول الحسين يدعوهم للقياه ، وفي هذه اللحظة مزقت دلهم تلك ألمرأة الحكيمة والمؤمنة ، أجواء الصمت والذهول ، وإلتفتت إلى زوجها مفجرة بكلماتها بركانا من الدرن الذي تزمجر على القلوب وقالت : يا زهير أيبعث إليك إبن رسول ألله ثم لا تأتيه ، سبحان ألله ، لو تأتيه فسمعت كلامه ، ثم إنصرفت ، فما كان من زهير إلا أن قرر الذهاب إلى أبي عبدالله عليه السلام ويستمع إليه ، وفجأة وجد زهير نفسه في مجلس الحسين عليه السلام حيث حملته رجلاه إليه ، ولما حاوره الحسين عليه السلام وبين أهداف نهضته ، إنقلب زهير وإتخذ قرارا حاسما ، وصمم على ألإلتحاق بركب ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله ، فعاد إلى قومه مستبشرا قد أسفر وجهه وإلتفت إلى زوجته ليطلقها ويلحقها بأهلها ، لا كرها بها بل حبا لها ، موطنا نفسه للشهادة ، فبشرها بقراره الشجاع ، وإلتحاقه بركب الحق فقامت إليه زوجته تودعه باكية لتقول له بكل ثبات : خار ألله لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين . وهكذا ودع زهير كل متاع الدنيا ليقول للحسين عليه السلام : «وألله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا مخلدين إلا أن فراقها في نصرتك وموآساتك لآثرنا الخروج معك على ألإقامة فيها ... أما وألله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف قتلة وأن ألله يدفع بذاك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك ...» ، طلق زهير زوجته والدنيا ، وطلقت زوجته حلاوة الدنيا وبهجتها وأذعنت لقرار زوجها خوفا من أن يتردد عن الشهادة ، فمن يا ترى كان وراء تحول زهير ! .
4 ـ زينب بنت علي بن أبي طالب : ألمرأة التي أبت إلا المشاركة في النهضة ، تلك الزوجة الوفية ، وألأم الحنونة ، والعمة العطوفة ، والخالة الرؤوفة ، وألأخت المسؤولة التي كانت قدوة ليس للنساء فحسب بل وللرجال أيضا ، أخذت على عاتقها أدوارا مختلفة يصعب على المرء حصرها ، ولكن سنشير إلى جانبا منها ألا وهو تفعيل وتكريس ألأهداف التي من أجلها نهض ألإمام الحسين عليه السلام وذلك بعد شهادته عليه السلام ، وإن شئت فقل تكميل ذلك الدور وإستمراريته فقد وقع على عاتقها ، ولا يمكن نسيان هذا الدور الفاعل ، ولولا جهودها لما اثمرت تلك النهضة المباركة بهذا الشكل الذي أثمر ، وقد أبت السيدة زينب إلا أن تشارك شقيقها الحسين عليه السلام ، فقد ذكر المؤرخون أن إبن عباس جاء إلى الحسين عليه السلام ناصحا ومودعا وهو بأرض الحجاز ليثنيه عن السفر إلى العراق ، ولكنه وجد نفسه أمام إصرار ألإمام عليه السلام الذي لا محيص عنه فطلب منه عليه السلام أن لا يأخذ معه النساء قائلا : جعلت فداك يا حسين ، إن كان لابد من السير إلى الكوفة فلا تسر بأهلك ونسائك ، فسمعته السيدة زينب عليها السلام فإنبرت تخاطبه : يابن عباس تشير على سيدنا وشيخنا أن يخلفنا ههنا ويمضي وحده ؟ لا وألله بل نحيا معه ونموت معه وهل أبقى الزمان لنا غيره .
فقد أبت إلا المشاكرة في تلك النهضة ألإلهية ، وكانت بالفعل شريكة الحسين عليه السلام في نهضته ، عرفت دورها فأجادت تطبيقه ، ويحتار المرء في الحديث عن أدوارها ومواقفها ، حيث لها مواقف قبل الوصول إلى أرض المعركة ، كما أنيط لها بأدوار وهي على أرضها فكانت تحث ألأنصار وتساند الحسين وتلاطفه وتخفف عنه ، اما عن دورها يوم المعركة فكبير جدا ، ولم تترك جانبا إلا ولها يد فيها ، فلم تغفل عن تمريض ألإمام زين العابدين ، ولا نسيت ألأطفال حيث كانت تجمع ألأطفال والنسوة بل والذكور أيضا ، وتشرف عليهم ، وحتى في مراحل ألأسر ، ولما جاء دور مخاطبة الجماهير وإعلامهم بأهداف الثورة وإخبارهم بألأحداث الدامية لم تتقاعس ، بل قامت بتأليب ألأمة على الطاغية ونظام حكمه ، كما قامت بأعباء ألإمامة بالنيابة عن إبن أخيها السجاد عليه السلام ، إن السيرة الحسينية مليئة بمواقفها الجليلة التي لا يمكن حتى ألإشارة إليها في هذه المقدمة التمهيدية ، فإلى هناك وإلى قولها مخاطبة ربها حين وقفت على جثمان أخيها الحسين عليه السلام « أللهم تقبل منا هذا القربان» فمن يا ترى أوصل صوت الحسين عليه السلام إلى بلاط الطغاة وإلى ألأمة ! .
5 ـ طوعة الكوفية : ألمرأة التي إحتضنت الثائر ، لم تكن طوعة إستثناء في حبها لإبنها الوحيد ، فكانت تقف بالباب تنتظر قدومه خوفا من أن يصيبه مكروه وكانت قلقة عليه فترة غيابه عن البيت ، وكانت الكوفة آنذاك في إنتفاضة عارمة ضد الطاغية يزيد وأعوانه ، وجلاوزة الطاغية يمارسون القمع وألإضطهاد ، وطوعة على الباب وإذا بالثائر المنتفض ، والسفير القائد على بابها إنه مسلم بن عقيل سفير الحسين يبحث عن ملجأ آمن ، وعن مأوى ينجيه من الغدر ، تعرفت عليه طوعة من خلال حديث دار بينهما ، فلم تتردد ولو للحظة في القيام بالواجب الملقى على عاتقها من إيواء هذا الثائر المخلص فقامت بالترحيب به ، واسرعت بخفة معهودة عند النساء ، فجهزت له بيتا يأوي فيه مسلم ، وهيأت له كل مستلزمات الضيافة والتكريم ، وجاء إبنها المدلل بلال ذلك المتعاون مع السلطة الذي كان من مصاديق قوله تعالى «ويخرج الميت من الحي»(4) ولما عرف بألأمر أخذ يفكر في هذا الصيد السمين الذي كان يبحث عنه ، وكان من أمره أن أخبر السلطان بألأمر ، وكان من أمر مسلم خوض المعركة مع الظالمين حين جاؤوا للقبض عليه وما كان أمام طوعة إلا أن تتبرأ من إبنها بلال «إنه عمل غير صالح»(5)فتعتذر من مسلم بن عقيل« لا تؤاخذني بما نسيت»(6)، وطلبت من ألله الغفران «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا»(7)ومسلم ينهض ليستعد لمواجهة القوم ويلتفت إليها «لا تثريب عليكم اليوم يغفر ألله لكم»(8) فأخذ يودعها ويقول رحمك ألله وجزاك عني خيرا . فمن يا ترى إحتضن رجلا خطيرا كمسلم ! .
6 ـ عاتكة بنت مسلم بن عقيل : الطفلة التي لا تنسى القائد ، ربما كانت عاتكة هي التي قامت بهذا الدور حيث لم يوضح المؤرخون ذلك إلا أنها هي المرشحة لذلك ، إنها إبنة شهيد ، وأخت شهيد ، والشهادة تنتظرها ، ولا تملك من العمر إلا قليلا حيث كانت إبنة سبع سنين ولكنها كانت تملك قلبا كبيرا ملؤه المحبة والعطف نحو قائد لم يغفل عنها رغم إنشغاله بأمور تراكمت عليه كالجبال ، فهوى على أرض المعركة وهي لا تدري ، رق العدو عليها حين رآها تلهث من العطش وشفتاها ذابلتان ، أقدم احدهم على جلب الماء لها بعد أن تمكن من إستصدار ألإذن من قائده فلما قدم إليها أآنية أمسكت بها وإنحدرت نحو ساحة المعركة والمقاتل يتبعها ويناديها إلى أين ... إلى أين ؟ فترد عليه : إلى الحسين .. إلى الحسين .. إنه كان عطشانا ... إنه بحاجة إلى الماء .. إلا أن المقاتل لم يرحمها بلطيف الكلام وقال : إن الحسين ليس بحاجة إلى الماء ... أنه قتل . وما أن صك خبر الموت آذانها أراقت الماء وكسرت ألآنية قائلة : وا ذلاه ، فهل تعبير أبلغ من هذا ، فمن يا ترى ملك قلوب ألأطفال ، ومن يا ترى واسى القائد ! .
7 ـ مارية بنت منقذ العبدي : ألمرأة التي مولت الثائرين ، كانت مارية أرملة إستشهد زوجها في معركة الجمل نصرةً لأمير المؤمنين عليه السلام ومع هذا فقد كانت موالية للحق دون أي ملل وكلل ، وكانت تحوز على مكانة مرموقة في المجتمع البصري وتمتلك أموالا طائلة ، ولما بدأ الصراع العلوي ألأموي على أشده فتحت بيتها للزعماء الموالين للبيت العلوي ليكون ناديا فكريا يناقش فيه الزعماء قضايا ألأمة ، ومركز إتصال وتواصل لدعم المعارضة ، ولما عرفت بوصول رسائل من ألإمام أبي عبدألله عليه السلام إلى أشراف البصرة ، خرقت ببكائها الغاضب محفل ألأشراف الذين كانوا يجتمعون في بيتها لتقول كلمتها المدوية بعدما سألوها عن سبب غضبها وبكائها : « ويلكم ما أغضبني أحد ، ولكن انا إمرأة ما أصنع ؟ سمعت أن الحسين إبن بنت نبيكم إستنصركم وأنتم لا تنصرونه » ، فأخذوا يعتذرون بعدم إمتلاكهم السلاح والراحلة ، عندها أخذت كيسا مليئا بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية وأفرغته أمامهم وقالت : «فليأخذ كل منكم ما يحتاجه وينطلق إلى نصرة سيدي ومولاي الحسين ». فيا ترى من جاد بماله في نصرة الحق والعقيدة ! .
8 ـ نوار بنت مالك الحضرمية : ألمرأة التي رفضت بعلها ، إستندب الخولي بن يزيد ألأصبحي ليحمل رأس الحسين عليه السلام إلى الطاغية عبيد ألله بن زياد ، وكان عجلا من أمره للوصول إلى دار ألإمارة لينال الجائزة إلا أنه وصلها متأخرا حيث خيم الظلام وأغلقت الكوفة أبوابها فإضطر إلى المضي إلى داره ليستريح ليلته ويعود في الصباح الباكر ، ولما دخل بيته سألته زوجته نوار عما يخبؤه في التنور ، فقال لها بعد حوار طويل : جئتك بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين عليه السلام معك في الدار . فقالت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس إبن رسول ألله ، لا وألله لا يجمع رأسي ورأسك في بيت أبدا ، ثم اضافت قائلة : إرجع ، وأخذت عمودا وأوجعته ضربا ، وقالت : والله ما أنا لك بزوجة ، ولا أنت لي ببعل .
وهكذا فارقته لتعلم ألآخرين درسا في التعامل مع الظالمين وإن كان الظالم ولي نعمتهم ، وبالفعل أتبعتها ضرتها عيوف ألأسدية حيث هي ألأخرى رفضت الخولي فبات بلا مأوى ، فمن يا ترى إستنكر فعلة الظالمين ! .
9 ـ هانية بنت ... الكلبية : ألمرأة التي إستبدلت شهر العسل بالفوز بالشهادة ، كانت هانية قد تزوجت من وهب بن عبدالله الكلبي وكانا قد خرجا إلى أطراف الكوفة ومعهما أمه ، وربما كان خروجهما من قبيل ما يسمى اليوم بشهر العسل حيث تزوجا في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة عام 60 هـ ، وبينما هم كذللك إذ رأى وهب أن القوم بالنخيلة في عرض عسكري ليسرحوا إلى القتال ، فسأل عن مقصدهم فقيل له : يسرحون إلى قتال الحسين إبن فاطمة بنت رسول الله ، فقال في نفسه : وألله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا وإني لأرجو أن يكون جهاد الذين يغزون إبن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند ألله من ثوابه إياي في جهاد المشركين ، فدخل إلى إمراته فأخبرها بما سمع ، وأعلمها بما يريد ، فقالت له أصبت أصاب ألله بك ، وأرشدك أمورك ، إفعل وأخرجني معك ، وخرجوا جميعا ليلا حتى أتوا الحسين عليه السلام ولما كان يوم العاشر من محرم ، خرج إلى القتال وإستبسل وأمه تحرضه على الذب عن إبن بنت رسول ألله ، ولكن زوجته هانية قاله له : يا وهب إني أعلم أنك إذا قتلت في نصرة إبن رسول ألله دخلت الجنة وضاجعت الحور وتنساني فيجب أن آخذ عليك عهدا بمحضر الحسين في ذلك فأقبلا إلى الحسين وسألته حاجتان ألأولى أن تلتحق بركب أهل بيت الحسين بعد مقتل زوجها ، والثانية أن تكون من أهل الجنة بصحبة زوجها ، فطيب الحسين خاطرها . وبعد هنيئة ، لما كان وهب يقاتل ، سمع زوجته تحرضه على القتال ، وخرجت هي ألآن تقاتل إستغرب وهب من هذا التحول ، فقالت له : يا وهب لا تلمني إن واعية الحسين كسرت قلبي ، وتوجهت نحو المعركة لتقاتل إلى جنب زوجها ، فإستنجد وهب بأبي عبدالله عليه السلام ليرجعها فخف إليها الحسين وأرجعها . فمن يا ترى ضحت بالزوج لتؤجل إقترانها به إلى الجنة ! .
10 ـ هند بنت عبدالله بن عامر : ملكة البلاط تهدد صاحب البلاط ، كانت هند زوجة الطاغية يزيد بن معاوية ألأموي عليه اللعنة ، وكانت على معرفة بأهل بيت النبوة حيث كانت تخدمهم تقربا إلى ألله حين كانت في المدينة ، ولكن بعد زواجها من طاغية الشام أبعدها جغرافيا عن أهل البيت عليهم السلام ، ولما أسر الركب الحسيني وفيهم بنات الرسالة أمثال زينب وأم كلثوم بنت علي عليه السلام وأضرابهما ، خرجت على العادة المتبعة للإستطلاع على ألأسرى الجدد الذين وصلوا إلى البلاط ، وكانت قد توشحت بوشاح الملكات ، وما أن إلتقت بهم خطفت زينب نظرها فأجرت معها حوارا علمت بعدها أنها إبنة فاطمة وعلي فأجهشت بالبكاء وخرت مغشيا عليها ، ولما أفاقت لم تتحمل صنع الطاغية زوجها فركضت نحو البلاط بحالة لم يعهد لها من قبل وإذا الطاغية مجتمعا بأركان دولته في جلسة رسمية ليستقبل بعض الوافدين ، وقفت وهي حاسرة تخاطب يزيد ، وكلما حاول يزيد أن يهدئ من روعها ويغطي رأسها ليمنع نظرات الحاضرين إليها أنها رفعت صوتها قائلة : أخذتك الحمية علي ، فلم لا أخذتك الحمية على بنات فاطمة الزهراء ، هتكت ستورهن وأبديت وجوههن ، وأنزلتهن في دار خربة وألله لا أدخل حرمك حتى أدخلهن معي ، فإنقلب السحر على الساحر في لحظة سريعة ... فمن يا ترى كان وراء إنتفاضة بلاط الطاغية!.
هذه كوكبة من النساء الطاهرات اللواتي حملن مشعل الكرامة والحرية ، وقمن بما لم يقم به الرجال ، وألأرض لا تخلو من مثل هذه المجاهدات على مر التاريخ وحتى في عصرنا الحاضر ، ولكن نهضة الحسين عليه السلام جمعت كل مقومات الحياة الكريمة فكانت نهضته مثلا رائعا لكل الشعوب ، ونعود لنؤكد أن كل واحدة من العناصر النسوية ممن كان لها إرتباط بالمعسكر الحسيني مثلت دورا رائعا بقيت ألأجيال تتحدث عنه ، وأصبحت المجاهدات من هذه ألأمة وغيرها يحتذين بهن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إشارة إلى من لم يكونوا مسلمين ثم أسلموا .
(2) الثعلبية : هي المرحلة التاسعة عشر من مراحل حركة ألإمام الحسين عليه السلام ، تقع بين سوقة وبطان ـ راجع باب السيرة ، ومعجم ألأماكن من الموسوعة .
(3) راجع ديوان القرن ألأول الهجري : 1 / 248 من هذه الموسوعة .
(4) سورة يونس ، ألآية : 31 .
(5) سورة هود ، ألآية : 46
(6) سورة الكهف ، ألآية : 73 .
(7) سورة البقرة ، ألآية 286 .
(8) سورة يوسف ، ألآية : 92 .
التعلیقات