زينب الكبرى زينة اللوح المحفوظ
موقع قادتنا
منذ 8 سنوات
زينب الكبرى زينة اللوح المحفوظ (1)
الحمد لله الذي زيّن الإنسان بالعلم، وعلّمه جوامع الكَلِم، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله
زين الكائنات وفخر الممكنات محمّد وآله الأطهار نور الأخيار وزينة الأبرار.
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (وَمِنْ كُلِّ شَيْء خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرونَ) (2).
البيّنة في مصطلح الفقهاء بمعنى الشاهدين العدلين على واقعة في مقام الشهادة تحمّلها وأداءها، وهذه تسمّى بيّنة شرعيّة وتشريعية، وفي الكائنات بيّنات تكوينية، ومن كلّ شيء خلق الله زوجين ليشهدا على وحدانية الله سبحانه وتعالى. ففي كلّ شيء له آية وبيّنة يدلّ على أ نّه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
وقصّة عاشوراء والطف الحزينة، إنّما هي وليدة الزوجين الزكيّين الطاهرين العلويّين الفاطميّين مولانا الإمام الحسين بن عليّ سيّد الشهداء (عليهما السلام)، وسيّدة بني هاشم، عقيلة الطالبيين سيّدتنا زينب الكبرى سلام الله عليها.
فعاشوراء الإسلام محلّ ولادتها كربلاء الصامدة، أبوها سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ومربّيتها المجاهدة الثائرة زينب الطاهرة. لولاها لكانت عاشوراء اليتيمة تموت في صغرها. إلاّ أنّ السيّدة زينب بنضالها وندائها الثوري (عليها السلام) ربّت عاشوراء تلك الوليدة التي يجري في عروقها دم الله وثاره. فتربّت عاشوراء الحسين في أحضان زينب (عليها السلام) وترعرعت في جوارها وحجرها المبارك وجهادها الدؤوب، لتكون عاشوراء اُمّ الثورات التحرّرية بين الأجيال في كلّ عصر ومصر، إلى يوم القيامة، فهي المنطلق الثوري للنهضات الإسلامية إلى اليوم الموعود.
ولا يمكن لأحد سوى الله سبحانه والأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) أن يعرفوا مقام اُمّ عاشوراء ومنزلتها في الدارين، فإنّ المعرفة والعلم بالشيء لازمه الإحاطة به، ولا يمكن للناس أن يحيطوا بعاشوراء وجوهريّتها وفلسفتها، ولا بأبيها واُمّها.
وزينب الكبرى في أدوار حياتها وسيرتها الذاتيّة (3) تخبرك عن أصالة سماويّة وشجرة نبويّة ودوحة هاشميّة وترجمة قرآنيّة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، فهي زينة أبيها أمير المؤمنين أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وإنّه لم يفتخر بكتابه العظيم (نهج البلاغة) الذي هو كتاب الحياة وكتاب السعادة ولا يمكن للبشر أن يعرفوا ما فيه من العظمة والشموخ، إلاّ أ نّه يفتخر ويتزيّن ببنته السيّدة زينب (عليها السلام).
ولولا الخوف على عقول الناس، لقيل في مدحها وثنائها ومعرفتها ما يبهر العقول، ويحيّر ذوي الألباب، وقليل من عبادي الشكور الفكور الصبور.
ولا زالت زينب النبوّة والإمامة، زينب الولاية العظمى أسيرة الهوى، بالأمس كانت أسيرة الظالمين من بني اُميّة الطغاة وأشياعهم، واليوم أسيرة العقول الضعيفة، حتّى قالوا عنها: إنّها امرأة عاديّة؟!
فما نطقت في معرفتها حرفاً، إلاّ وتجد نفسك مقيّداً بسلاسل الافتراء والتهمة وأنّ القائل من الغلاة، فزينب العظمة لا زالت أسيرة العقول والأفكار المتخلّفة.
ولا نقول في وصفها وثنائها أنّها الربّ ـ والعياذ بالله ـ ولكن نقول: هكذا خلقها الربّ جلّ جلاله.
إلاّ أنّ الناس بين قال وغال، بين إفراط وتفريط، فكما غالوا في أبيها حتّى قالوا باُلوهيّته ـ والعياذ بالله ـ وقالوا في حقّه حتّى جعلوه كافراً أو كأحد المسلمين، ولا زال عليّ أمير المؤمنين سيّد المظلومين، قد ظلمه التأريخ كولده الحسين، بل وأولاده وذرّيته.
وما زال صوته الحزين يدوّي في ضمير الإنسانية: «فيا عجباً للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع قدمي».
«أنزلني الدهر حتّى قالوا عليّ ومعاوية».
وهذه الصرخة الأليمة تسري في كلّ الأزمنة وعلى مدى العصور والأحقاب، حتّى قال ابن أبي الحديد المعتزلي في بيان مقولة أمير المؤمنين (عليه السلام) أ نّه: (أطلق القول إطلاقاً عاماً مستغرقاً لكلّ الناس أجمعين).
ولا يزال عليّ المرتضى مجهولا، ولا يزال كلامه القيّم يهتف: «سلوني قبل أن تفقدوني»، وإنّه لا يختصّ بالمسلمين بل هو للبشرية كافة كأخيه النبيّ الأعظم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
(وَما أرْسَلْناكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ) (4).
وعليّ أمير المؤمنين نفس رسول الله بنصّ آية المباهلة، فظلموه وهو يقول: «اللهمّ إنّي أستعيذك على قريش ومن أعانهم، فإنّهم صغّروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي» (5).
وهكذا ظلموا علياً وظلموا أولاده، وظلموا زينب بجهلهم بمقامهم الشامخ ومنزلتهم العظيمة.
ولا بدّ من حياة جديدة لضمير المجتمع الإسلامي، حتّى يعرف عليّاً وأبناءه الكرام.
حتّى يعرف النبيّ محمّد وقرآنه، وعليّاً ونهجه، وفاطمة ومظلوميّتها، والحسن وسياسته، والحسين وثورته، وزينب وعاشوراءها، والسجّاد وصحيفته، وهكذا حتّى يعرف المهدي الموعود وفلسفة الانتظار ودولته العالمية.
كلّ هذه المعرفة إنّما تتمّ بالإيمان بالله سبحانه والعشق بعظمته، وجماله المتجلّي في الكائنات والتعبّد والتسليم لأمره.
وما نعرفه من زينب اليوم ليس إلاّ شبحاً من قدسيّتها وعظمتها، ومن الواضح أنّ الشبح لا يعطي معرفة تمام الشيء وحقيقته.
ثمّ أعداء الإسلام عرفوا أنّ الهجوم العسكري على البلاد الإسلامية لتهديم عقائد المسلمين لا ينفع أو لا يكفي، بل لا بدّ من الهجوم الثقافي من الغرب والشرق، بل لا بدّ باسم الدين ضرب الدين، وباسم المذهب هدم المذهب من أساسه، حتّى تفقد الاُمّة أصالتها ومجدها العريق ومعتقداتها الصحيحة، فتركن إلى الغرب أو الشرق، مستجدية متسوّلة متسكّعة.
وهذا ما يريده الاستكبار العالمي، فتسمع بين آونة واُخرى نغمات ضدّ المعتقدات الدينية والضرورات المذهبية، والعجب أ نّه من لسان رجال الدين والمتلبّسين بزيّ أهل العلم!
وأمّا زينب الإسلام فقدرتها تعني حكومة الأخلاق والفداء والتضحية، وتربيتها يعني الحبّ والعشق الإلهي والذوبان في الله جلّ جلاله، وثقافتها تعني سلامة الفطرة وحكومتها في كلّ مجالات الحياة على الصعيدين الفردي والاجتماعي.
والعشق الإلهي (6) المتجلّي في ثورة عاشوراء إنّما هي شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي اُكلها كلّ حين بإذن ربّها، ثمرتها العصمة، وورقها الإخلاص، وجذورها الطهارة، ودوحتها الجمال، وبهاؤها الجلال.
والعشق إنّما ينبع من سويداء القلب، والقلب حرم الله وعرش الرحمن، والفطرة إنّما تدعو القلب إلى أن يعرف صاحبه ومالكه وهو الله سبحانه، إلاّ أنّ هذا الشيطان الرجيم يسرق بيت الله، وهو قلب المؤمن فإنّه حرم الله وعرشه، فيسرقه ويعشعش فيه ويبيض ويفرّخ، فيكون عشّ الشيطان وأبنائه وأعوانه وحزبه، فيتنزّل القلب ويعصي الربّ، حتّى ينتكس، فلا يكون وعاء للرحمة الإلهية وعلم الله سبحانه، ثمّ يموت القلب، فيفقد الإنسان إنسانيّته، فيكون كالحجارة أو أشدّ قسوة، وكالأنعام بل أضلّ سبيلا.
وكربلاء الحسين وزينب (عليهما السلام) إنّما هي مصارع العشّاق، كما قالها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حينما جاوز كربلاء: «هاهنا مصارع العشّاق».
وعاشوراء الحسين وزينب (عليهما السلام) إنّما هو كتاب العاشقين الوالهين في حبّ الله وجماله.
وزينب بطلة كربلاء، معلّمة العشق الإلهي جيلا بعد جيل، ترفع إلى السماء جسد أخيها المضرّج بالدماء، محزوز الرأس، مهشّم الأضلاع، وتقول بكلّ سكينة ووقار: «اللهمّ تقبّل هذا القربان من آل محمّد (صلى الله عليه وآله)».
ومن يعيش في رحاب زينب العشق يمتلئ قلبه شوقاً للقاء معبوده جلّ جلاله، فيكون لسانه ميزان الحكمة، ويده مائدة الكرم، ويحيى بعشق الله، ويرجع القلب إلى مالكه الأصلي التكويني والتشريعي، كلّ هذا ببركة رسالة زينب الرسالية، رسالة الدم والدموع، رسالة المقاومة والفداء.
زينب الكبرى عقيلة بني هاشم اُمّ المصائب وقرينة النوائب، العصمة الصغرى والناموس الأكبر، محبوبة المصطفى وزينة المرتضى وشقيقة المجتبى وشريكة الحسين سيّد الشهداء.
زينب الإنسية الحوراء بنت سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، نتيجة النبوّة المحمّدية وحصيلة الولاية العلوية، وآية العصمة الفاطمية، ومرآة المحاسن الحسنيّة، وانعكاس المصائب الحسينيّة، لقد بلغت في المجد غاية حدّها.
والعصفور بقدر همّته يصفق جناحيه ليحلّق في السماء، فما نقول في زينب الحرّة إلاّ ما نفهمه بعقولنا القاصرة.
فزينب الدين رضيعة ثدي الرسالة، ربيبة العلم والبسالة، من أنوار المحشر بنت ساقي الكوثر، سيّدة البطحاء خلاصة الخمسة النجباء، مليكة العرب.
فلو كان النساء بمثل هذي* لفضّلت النساء على الرجالِ
فما التأنيث عيب للشموس* ولا التذكير فخر للهلالِ
ومن ألقابها العلياء وخصائصها السمحاء (7):
الصدّيقة، العصمة الصغرى، وليّة الله العظمى، ناموس الكبرى، الراضية بالقدر والقضاء، أمينة الله، عالمة غير معلّمة، فهيمة غير مفهّمة، محبوبة المصطفى (صلى الله عليه وآله)، قرّة عين المرتضى (عليه السلام)، نائبة الزهراء (عليها السلام)، شقيقة الحسن المجتبى (عليه السلام)، شريكة الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام)، الزاهدة، الفاضلة، العاقلة، الكاملة، العاملة، العابدة،
المحدّثة، المخبرة، الموثّقة، كعبة الرزايا، المظلومة، الوحيدة، عقيلة قريش، الباكية، الفصيحة، البليغة، الشجاعة، عقيلة خدر الرسالة، رضيعة ثدي الولاية، روحي وأرواح العالمين لها الفداء.
يكفيها شرفاً وفخراً شهادة إمام زمانها سيّد الساجدين وزين العابدين الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام)، حيث قال: «بحمد الله إنّكِ عالمةٌ غير معلّمة، وفهِمة غير مفهّمة». وهذا ممّـا يدلّ على عصمتها، فإنّ العصمة عن الذنوب والمعاصي وكلّ ما يشين ويزري بالإنسان إنّما يكون بالعلم، بأن يعلم منشأ الذنوب،
وأنّها تصدر من الجهل والظلمة، كما يعلم نتائجها وآثارها، من الآثار الوضعيّة في الدنيا والعقاب الاُخروي، وهذا العلم يكون بلطف خاصّ من الله سبحانه في الأنبياء والأوصياء وفاطمة الزهراء (عليهم السلام)، فهم معصومون بعصمة ذاتيّة كلّية، تمنعهم عن المحارم اختياراً لا على نحو القهر والجبر، وفي غيرهم ممّن يحذو حذوهم وينهج منهجهم ويرثهم في علومهم ومعارفهم وأخلاقهم، يعصمون أنفسهم بعصمة أفعاليّة كسبية جزئيّة. فمثل الشهيد عليّ الأكبر (عليه السلام) والسيّدة زينب الكبرى وفاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر بقم المقدّسة يحملون هذه العصمة.
فسيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي العصمة الكبرى، والسيّدة زينب (عليها السلام) هي العصمة الصغرى، لأنّها عالمة غير معلّمة، فعلمها من الله سبحانه، يعصمها من الآثام والقبائح، فهي تنوب اُمّها الزهراء (عليها السلام) في فضائلها وفواضلها وخصالها وخصائصها وعصمتها وعفّتها ونورها وشرفها وبهائها، فكانت تنطق بالحكمة والعلم والأدب والمعرفة والعصمة من محاسن خلالها، فلم يُرَ أكرم منها أخلاقاً ولا أنبل فطرةً ولا أطيب عنصراً ولا أخلص جوهراً في النساء بعد اُمّها سيّدة نساء العالمين.
فهي مجمع الفضائل ومنبع المكارم، حازت من الصفات الكريمة والسجايا
الحميدة ما لم يحزها بعد اُمّها أحد حتّى حقّ أن يقال: هي الصدّيقة الصغرى، فهي من الصبر والثبات وقوّة الإيمان والتقوى يضرب بها المثل الأعلى. وخير شاهد حياتها الطيّبة وسيرتها الذاتيّة المباركة ورباطة جأشها في قصّة كربلاء ويوم عاشوراء.
إنّ المقامات العرفانيّة الخاصّة بزينب (عليها السلام) تقرب من مقامات الإمامة، فإنّها لمّـا رأت حالة زين العابدين (عليه السلام) حين رأى أجساد أبيه وإخوته وعشيرته وأهل بيته على الثرى صرعى مجزّرين كالأضاحي وقد اضطرب قلبه واصفرّ وجهه، أخذت (عليها السلام) في تسليته تصبّره قائلةً: «ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي، فوالله إنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق اُناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة، فيوارونها وينصبون بهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأتباع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ علوّاً» (8).
وقد ائتمنها الإمام على أسرار الإمامة، وهذا يدلّ على عصمتها، كما لم يذكر التأريخ رغم كثرة أعداء أهل البيت (عليهم السلام) ما يشين بها وينقص من شأنها ويبطل عصمتها، فهي بنت الوحي وربيبة الرسالة، تربّت في مدرسة الرسول الأعظم وأمير المؤمنين وسيّدة نساء العالمين وسيّدي شباب أهل الجنّة (عليهم السلام)، ومن تعلّمت في مثل هذه المدرسة الإلهيّة كيف لا تكون معصومة في أفعالها وحياتها؟ فسلام الله عليها أبد الآبدين، من بدو الخلق إلى يوم الدين.
ومن خصائصها: حملتها اُمّها كرهاً ووضعتها كرهاً، كإخوتها (عليهم السلام)، فالزهراء من حين حملها إلى يوم ولادتها كانت مهمومة، وقد اُخبرت من قبل بمصائبها، وما يجري عليها من الآلام والمحن.
روي أنّ زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لمّـا ولدت اُخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء إلى منزل فاطمة (عليها السلام) وقال: يا بنتاه، ايتيني ببنتك المولودة، فلمّـا أحضرتها أخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضمّها إلى صدره الشريف، ووضع خدّه المنيف على خدّها، فبكى بكاءً عالياً، وسال الدمع على محاسنه الشريف جارياً، فقالت فاطمة: لماذا بكاؤك، لا أبكى الله عينيك يا أبتاه؟ فقال (صلى الله عليه وآله): يا بنيّة فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت بعدك وبعدي تبتلي بالبلايا، وترد عليها المصائب شتّى ورزايا، فبكت فاطمة (عليها السلام) عند ذلك، ثمّ قالت: يا أبَ، فما ثواب من يبكي عليها وعلى مصائبها؟ فقال: يا بضعتي وقرّة عيني، إنّ من بكى عليها وعلى مصائبها كان ثواب بكائه كثواب من بكى على أخويها، ثمّ سمّـاها زينب (9).
وزينب اشتقّ من زَنِبَ ـ كفَرِح ـ بمعنى السمن، وسمن كلّ شيء بنسبته، فسمن الحيوان بمعنى كثرة لحمه، وسمن النبات بمعنى نظارتها وكثرة ثمراتها، وسمن الإنسان بمعنى حمله صفات الكمال والجمال.
أو زينب بمعنى الشجرة الطيّبة الحسنة الصورة، أو بمعنى زين أب، ولكثرة الاستعمال اُسقط الألف، وعند بعض أهل المعرفة إنّما اُسقط الألف لعدم الفصل بينها وبين أبيها. فزينب زينة أبيها أمير المؤمنين بكمالاتها وخصائصها وخصائلها.
وأبوها أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إنّما هو زينة الكون، وزينة الوجود وما خلقه المعبود، فزينب زينة الزينة لهذا العالم الرحب، وكانت كاُمّها الزهراء (اُمّ أبيها) فصارت (زينة أبيها) ورثت اُمّها في عصمتها وعلومها ومصائبها.
والأسماء تنزل من السماء، إلاّ أنّ الله قد شرّف بعض أوليائه وأنبيائه أن سمّـاهم بنفسه، كآدم ويحيى (يا زَكَرِيَّا إنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلام اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيَّاً) (10)، وعيسى المسيح (إنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ المَسيحُ عيسى) (11)، والنبيّ الأكرم (وَمُبَشِّراً بِرَسول يَأتي مِنْ بَعْدي اسْمُهُ أحْمَد) (12) وعليّ اشتقّ من العليّ والحسن والحسين وزينب الكبرى.
كما ورد في الخبر الشريف عندما قدّمت فاطمة بنتها إلى زوجها أمير المؤمنين ليسمّيها فقال: لا أسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولمّـا كانت بين يدي الرسول لم يسمّها لكي لا يسبق الله سبحانه، فنزل جبرئيل الأمين وقال: إنّ الله يقرئك السلام ويقول: سمّها زينب، كما سمّيت في اللوح المحفوظ.
فزينب زينة اللوح المحفوظ، كما أنّ أباها أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) زينة عرش الله.
يا ربّ جوهر علم لو أبوح به* لقيل لي: أنت ممّن يعبد الوثنا
رضينا بقسمة الجبّار فينا* لنا علمٌ وللأعداء مال
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
ـــــــــــ
(1) محاضرة إسلامية ألقاها الكاتب في حسينية النجف الأشرف بقم المقدّسة ليلة ميلاد السيّدة زينب الكبرى (عليها السلام) في احتفال بهيج (5 جمادى الاُولى سنة 1419 هـ).
(2) الذاريات: 49.
(3) لقد ذكرت حياتها ولقطات من سيرتها المباركة في كتاب (عبقات الأنوار)، مطبوع، فراجع.
(4) الأنبياء: 107.
(5) منهاج البراعة; للخوئي 10: 128، الخطبة 171.
(6) عظمة الإنسان إنّما هو بنفسه الناطقة ـ القوّة العاقلة ـ القابلة للتحلّي بالصفات الكمالية والملكات الجمالية بالفطرة السليمة المباركة والعقل الدرّاك السليم.
ولما يحمل الإنسان من الصفات الحيوانية والسجايا الإنسانية التي تتجلّى فيها الخلافة الإلهيّة في أسماء الله وصفاته، فإنّه بين أن يكون في أعلى علّيين بعبادته وتقرّبه إلى صانعه، وبين أن يكون في أسفل السافلين قلبه كالحجارة أو أشدّ قسوة، وهو كالأنعام بل أضلّ سبيلا.
والمحاسن والكمالات إمّا أن تكون تكوينية أو تشريعية، وكلّ واحدة إمّا جسمانية أو روحانية، فما تعلّق بالهيئة الصورية أعني الخلقة البشرية جسمانية، وما تعلّق منها بالنفس الناطقة فهي روحانية، كالعلم والعشق والحلم وما شابه ذلك.
(7) جاء شرح وبيان هذه الخصائص في كتاب (الخصائص الزينبيّة) للآية العظمى السيّد نور الدين الجزائري الحائري المتوفّى سنة 1384 هـ ق، وقد ترجم إلى اللغة العربيّة، كما صحّحه أوّلا: م ق تاج الدين وطبع من قبل مكتبة الإمام المهدي (عليه السلام)، وصحّحه وعلّق عليه أيضاً الفاضل المعاصر الشيخ ناصر الباقري البيدهندي وطبع بطباعة جيّدة من قبل مسجد جمكران بقم المقدّسة.
(8) كامل الزيارات: 261.
(9) الخصائص الزينبيّة: 155، وعندنا روايات كثيرة في فضل البكاء على سيّد الشهداء (عليه السلام)، فقد ورد في الصحيح: من بكى أو تباكى على الحسين فقد وجبت له الجنّة. وقال أبوعبد الله (عليه السلام) في حديث طويل له: ومن ذكر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عزّ وجلّ، ولم يرضَ له بدون الجنّة. وورد أنّ الحسين (عليه السلام) على يمين العرش ينظر إلى زوّاره، وإنّه ينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأله أباه الاستغفار له ويقول: أ يّها الباكي لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر ممّـا حزنت، وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة. وقال أبو عبد الله (عليه السلام): من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر (كامل الزيارات: 201، الباب 32).
(10) مريم: 7.
(1 [1]) آل عمران: 45.
(2 [1]) الصفّ: 6.
التعلیقات