دور المرأة في كربلاء ـ ٢ ـ
مؤسسة تراث الشهيد الحكيم
منذ 13 سنةالدور الثاني: المحافظة على البقية الصالحة
إن المرأة في التأريخ الإنساني والإسلامي بشكل عام، وفي النهضة الحسينية بشكل خاص، كان لها دور عظيم في المحافظة على البقية الصالحة، التي يعبّر عنها الإمام علي (عليه السلام) بكلمته المعروفة: ((بقية السيف أنمى))(1)، فالمحافظة على البقية الباقية المتمثلة ببقية السيف من الأعمال المهمة في مواصلة الثورة والنهضة، ويكون لها دور مهم في الحركة السياسية والجهادية.
إن المرأة في التأريخ الإنساني والإسلامي بشكل عام، وفي النهضة الحسينية بشكل خاص، كان لها دور عظيم في المحافظة على البقية الصالحة، التي يعبّر عنها الإمام علي (عليه السلام) بكلمته المعروفة: ((بقية السيف أنمى))(1)، فالمحافظة على البقية الباقية المتمثلة ببقية السيف من الأعمال المهمة في مواصلة الثورة والنهضة، ويكون لها دور مهم في الحركة السياسية والجهادية.
وهنا نلاحظ - سواءً على مستوى التأريخ الإنساني والإسلامي بالمعنى العام، الذي يشمل كل الديانات الآلهية ، أم على مستوى التأريخ الخاص بالثورة الحسينية - أنَّ المرأة كان لها هذا الدور العظيم فيما يتعلق بهذا المجال، كما يشير التأريخ الإسلامي بالمعنى العام إلى هذه الأدوار:
فمثلاً: نجد أنَّ الدور الأساس في المحافظة على شخص نبي الله إبراهيم (عليه السلام) كان لأمه، كما تروي ذلك بعض النصوص الدينية، حيث أراد عمه قتله، وهو طفل، لرؤيا رآها نمرود، فتدخلت أمه - الذي كان على ما يبدو راعياً لحياتها وشؤونها - وتمكنت أن تحافظ عليه، فقد ورد في الحديث عن الصادق(عليه السلام): ((...فلمّا أدخلت أمُ إبراهيم، إبراهيم دارها نظر إليه آزر فقال: من هذا الذي قد بقي في سلطان الملك، والملك يقتل أولاد الناس؟ قالت: هذا ابنك ولدته وقت كذا وكذا حين اعتزلت، فقال: ويحك إن علم الملك هذا زالت منزلتنا عنده، وكان آزر صاحب نمرود ووزيره ... فقالت أم إبراهيم لآزر: لا عليك إن لم يشعر الملك به بقي لنا ولدنا، وإن شعر به كفيتك الاحتجاج عنه..))(2).
ويشير التأريخ إلى الدور الأساسي لهاجر (عليها السلام) في المحافظة على شخص إسماعيل (عليه السلام)، الذي هو امتداد إبراهيم (عليه السلام)، فإبراهيم امتداده في التأريخ الإسلامي والديني، من خلال خطَّي إسماعيل وإسحاق (عليه السلام)، وخط إسماعيل، هو خط نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله) (3).
ويؤكد القرآن الكريم على دور زوجة فرعون في المحافظة على موسى (عليه السلام) عندما أراد أن يقتله فرعون{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}(4).
كما حدثنا القرآن الكريم عن دور مريم (عليها السلام) في حضانة عيسى (عليه السلام) وضربها مثلاً، في حفظه من الناحية المعنوية، وتحملت ضغطا نفسيا عاليا بسبب الولادة الغيبية الغريبة التي تحققت بالنسبة إلى عيسى (عليه السلام) {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}(5).
وعندما ننتقل إلى تأريخ الإسلام الحديث المتمثل بالرسالة الإسلامية المحمدية، نجد - أيضاً - للمرأة هذا الدور المتمثل بخديجة (عليها السلام) في وقوفها إلى جانب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأموالها، ومساندتها له في إيمانها والدفاع عنه، حتى ذكرها النبي (صلّى الله عليه وآله) في حديثه عنها: ((..أن لها في الجنة بيتاً من قصب لا نصب فيها ولا صخب، لؤلؤاً مكلّلاً بالذهب))(6)، وحتى قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شأنها ودور أموالها في خدمة الدين: ((ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة))(7).
كما كان للزهراء البتول (عليها السلام) هذا الدور - أيضاً - بعد وفاة الرسول(صلّى الله عليه وآله)، حيث تمكنت أن تحافظ على الإمام علي(عليه السلام)عندما رفض البيعة، وتعرض للتهديد بالقتل.
ونجد أيضا أن العقيلة زينب (عليها السلام) تمكنت من القيام بدور عظيم في الثورة الحسينية، وذلك من خلال المحافظة على حياة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الذي يمثل بقية النبوة وبيت الوحي والرسالة، ويمثل الامتداد للإمامة، وكان لها موقفان معروفان (8):
الأول: عندما قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، وتعرض مخيمه للهجوم الوحشي، من جيش عمر بن سعد، وانتهى القوم إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، وهو مريض على فراشه لا يستطيع النهوض ((فقائل يقول: لا تدعوا فيهم صغيراً ولا كبيراً، وآخر يقول: لا تعجلوا حتى نستشير الأمير عمر بن سعد، وجرَّد الشمر سيفه يريد قتله، فمنعه ابن سعد من قتله، خصوصاً لما سمع العقيلة زينب (عليها السلام) تقول: لا يقتل حتى أقتل دونه))(9).
الثاني: يروي التأريخ أن السبايا عندما أدخلوا على عبيد الله بن زياد في الكوفة، وجد مع النساء رجلاً واحداً، فاستغرب ذلك، والتفت إليه، ((فقال له: من أنت؟ فقال: أنا علي بن الحسين.
فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟
فقال له علي (عليه السلام): قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس.
فقال له ابن زياد: بل الله قتله.
فقال علي بن الحسين (عليه السلام): {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}(10).
فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه.
فتعلقت به عمته زينب وقالت: يا ابن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: والله لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه؟ فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة ثم قال: عجبا للرحم! والله إني لأظنها ودَّت أني قتلتها معه، دعوه فإني أراه لما به))(11).
كما نجد للعقيلة مواقف أخرى في حفظ البقية الباقية من عيالات رسول الله (صلّى الله عليه وآله)ومن عيالات أهل البيت (عليهم السلام)، إذ إن عاشوراء لم تُبقِ أحداً من أهل البيت - تقريباً - من الرجال إلا أولئك الذين لم يتمكنوا من المشاركة في المعركة، أو من بقي منهم في المدينة، أمثال: عبد الله بن جعفر، ومحمد بن الحنفية، اللذان كانا عاجزين عن المشاركة، ولم يبقَ إلا الأطفال، فلو لم تتمكن العقيلة من المحافظة على هؤلاء الأطفال، لما بقي لأهل البيت ذكر وأثر.
وهنا ينطبق كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن بقية السيف، فعندما ينظر الإنسان إلى مشهد أهل البيت (عليهم السلام) يوم عاشوراء بعد مقتل الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، يرى وكأنه لم يبقّ لهم أثر أو وجود، لأن الشعار الذي رفعه عمر بن سعد وجلاوزته، هو: أن لا تبقوا لأهل هذا البيت باقية، ولكن بالرغم من ذلك نجد أن بقية السيف أصبحت البقية النامية الزاكية المنتشرة، والتي رفعت راية الإسلام في كل عصر وزمان.
كما نلاحظ مواقف أخرى لبعض النساء المؤمنات في ملحمة كربلاء، حيث يذكر تأريخياً؛ أن امرأة من آل بكر بن وائل، حينما شاهدت حرق الخيام والعدوان الوحشي على أهل بيت النبوة، بادرت في الخروج من مخيم عمر بن سعد، وصاحت: يا آل بكر بن وائل، أتسلب بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لا حكم إلا لله، يا لثارات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (12).
فمثل هذه المواقف جعلت الجيش الأموي يواجه حالة خطيرة، وهي حالة التحولات العاطفية والمشاعر القوية الملتهبة والمتفجرة التي كانت من الممكن أن تحدث انفجاراً في الوضع النفسي والسياسي ذلك الوقت، لصالح أهل بيت النبوة، ومن ثم قد ينقلب الحال على عمر بن سعد؛ الأمر الذي أدى إلى تدخله بسرعة لمنع القتل، ثم بعد ذلك في منع النهب والسلب.
وبهذا يمكن أن نعرف أهمية هذا الدور الخاص، الذي يمكن أن تقوم به المرأة من متابعة هذه المواقف تأريخياً (13).
يتبع ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - عيون الحكم والمواعظ: 196.
أي: ما يبقى من السيف يكون أكثر نمواً وأثراً في نتائج المعركة، فالإنسان عندما يخوض معركة ما ويقاتل بسيفه، قد يتعرض سيفه إلى الكسر، ولا يبقى منه إلا الشيء القليل، فالسيف تارة يراد منه تلك الحديدة التي تستخدم في القتال، وأخرى يراد منه معنى مجازيا وهو الجانب المعنوي، المتمثل بتلك القوة التي تستخدم في قتال الأعداء، وفي تحقيق الغلبة من أجل النصر، وأولئك المقاتلين الذين يقومون بالعملية القتالية، فالإمام (عليه السلام) عبر عن هذا الجانب مجازا بأنَّ المتبقي من السيف ومن المعركة القتالية، يكون أنمى وأزكى وأكثر قدرة على تحقيق التكامل في مستقبل الحركة الإسلامية والجهادية. (منه (قدّس سرّه)).
2- بحار الانوار12: 31، ح6.
3- يشير القرآن الكريم إلى ذلك في دعاء إبراهيم وإسماعيل، عندما رفعوا القواعد من البيت، بالذرية المسلمة التي يكون فيها النبي (صلّى الله عليه وآله): {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}. البقرة: 127 - 129.
4- القصص: 9.
5- مريم: 27 - 28.
6بحار الانوار18: 243.
7- أمالي الطوسي: 468 .
8- ومن المحتمل تاريخياً أن تكون هناك مواقف أخرى - أيضاً - لم تدون وتسجل تاريخياً، لأن قضية الحسين (عليه السلام) لم تسجل بكل تفاصيلها وبكل أحداثها. (منه (قدّس سرّه)).
9- مقتل الحسين (عليه السلام) للمقرم: 301.
10- الزمر: 42.
11- الإرشاد2: 116.
12- اللهوف في قتلى الطفوف: 78.
13- وأنا أطلب من الأخوة الباحثين والخطباء الأعزاء، الذين يتناولون مثل هذه الموضوعات والأبعاد، أن يتابعوا مثل هذه المفردات في أحاديثهم، حتى تكون قدوة ودرس لنا في هذا العصر، وكذلك تكون درساً لأخواتنا ونسائنا الكريمات، للمساهمة في الثورة الحسينية في كل عصر وزمان، لأن ثورة الحسين (عليه السلام) ليست ثورة أيام معدودة ومحدودة في سنة 61هـ، وإنما هي ثورة باقية ومستمرة لنا، فكل يوم هو عاشوراء، وكل أرض هي كربلاء. (منه(قدّس سرّه)).
1 - عيون الحكم والمواعظ: 196.
أي: ما يبقى من السيف يكون أكثر نمواً وأثراً في نتائج المعركة، فالإنسان عندما يخوض معركة ما ويقاتل بسيفه، قد يتعرض سيفه إلى الكسر، ولا يبقى منه إلا الشيء القليل، فالسيف تارة يراد منه تلك الحديدة التي تستخدم في القتال، وأخرى يراد منه معنى مجازيا وهو الجانب المعنوي، المتمثل بتلك القوة التي تستخدم في قتال الأعداء، وفي تحقيق الغلبة من أجل النصر، وأولئك المقاتلين الذين يقومون بالعملية القتالية، فالإمام (عليه السلام) عبر عن هذا الجانب مجازا بأنَّ المتبقي من السيف ومن المعركة القتالية، يكون أنمى وأزكى وأكثر قدرة على تحقيق التكامل في مستقبل الحركة الإسلامية والجهادية. (منه (قدّس سرّه)).
2- بحار الانوار12: 31، ح6.
3- يشير القرآن الكريم إلى ذلك في دعاء إبراهيم وإسماعيل، عندما رفعوا القواعد من البيت، بالذرية المسلمة التي يكون فيها النبي (صلّى الله عليه وآله): {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}. البقرة: 127 - 129.
4- القصص: 9.
5- مريم: 27 - 28.
6بحار الانوار18: 243.
7- أمالي الطوسي: 468 .
8- ومن المحتمل تاريخياً أن تكون هناك مواقف أخرى - أيضاً - لم تدون وتسجل تاريخياً، لأن قضية الحسين (عليه السلام) لم تسجل بكل تفاصيلها وبكل أحداثها. (منه (قدّس سرّه)).
9- مقتل الحسين (عليه السلام) للمقرم: 301.
10- الزمر: 42.
11- الإرشاد2: 116.
12- اللهوف في قتلى الطفوف: 78.
13- وأنا أطلب من الأخوة الباحثين والخطباء الأعزاء، الذين يتناولون مثل هذه الموضوعات والأبعاد، أن يتابعوا مثل هذه المفردات في أحاديثهم، حتى تكون قدوة ودرس لنا في هذا العصر، وكذلك تكون درساً لأخواتنا ونسائنا الكريمات، للمساهمة في الثورة الحسينية في كل عصر وزمان، لأن ثورة الحسين (عليه السلام) ليست ثورة أيام معدودة ومحدودة في سنة 61هـ، وإنما هي ثورة باقية ومستمرة لنا، فكل يوم هو عاشوراء، وكل أرض هي كربلاء. (منه(قدّس سرّه)).
التعلیقات