تأثير الصلاة على الفرد والمجتمع
موقع الوارث
منذ 7 سنواتبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ
اصْطَفَى.
على رغم أنّ فلسفة الصلاة لا تخفى على أحد ، إلاّ أنّ التدقيق في نصوص الآيات والروايات الإسلامية يرشدنا إلى نكات أكثر في هذا المجال :
1ـ روح ، أساس ، هدف ، أصل ، مقدّمة ، نتيجة ، وأخيراً فلسفة الصلاة ذكر الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت : 45 ، وعرّف على أنّه أفضل نتيجة .
2ـ الصلاة وسيلة لغسل الذنوب والمغفرة والرحمة الإلهية ، لأنّها تدعو الإنسان شاء أم أبى نحو التوبة وإصلاح الماضي ، لذا جاء في حديث عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أنّه سأل أصحابه : ( إذا كَانَ فِي بابِ أَحَدُكُم نَهر مِنْ ماء صاف ، وَكَانَ يَغسِلُ نَفسَهُ فِيهِ خَمسَ مرَّات كُلَّ يَوم ، فَهَلْ يَبقى عَلى بَدَنِهِ أَوساخ وَقَذارَة ) ؟
فأجابُوا : كلاّ .
قَالَ : ( الصَّلاةُ كَالمَاءِ الجاري ، فَكَلَّما صَلّى الإنسانُ مُحِيتْ الذُّنُوبُ التي ارتَكَبَها بَينَ الصَّلاتَينِ ) .
وعلى هذا تلتئم الجروح الواردة على روح الإنسان من أثر الذنوب ببلسم الصلاة ويزول الصدأ الجاثم على القلب .
3ـ الصلاة سدّ أمام الذنوب المستقبلية ، لأنّها تقوّي روح الإيمان في الإنسان ، وتنصّي فرسة التقوى في القلب ، ونعلم أنّ الإيمان والتقوى أقوى شدّ أمام الذنوب ، وهذا هو الذي ذكر في القرآن الكريم بعنوان النهي عن الفحشاء والمنكر ، وكما نقرأ في أحاديث متعدّدة عندما يؤتى إلى الأئمّة للسؤال عن المذنبين فيقولون : ( لا تهتمّوا فإنّ الصلاة تصلحهم ) ، وفعلاً حصل ذلك .
4ـ الصلاة تحبط التكبّر لأنّ الإنسان يضع جبهته على التراب وينحني لله في سبع عشرة ركعة في اليوم والليلة وفي كل ركعة مرّتين ، فيرى نفسه صغيراً جدّاً أمام عظمة الله تعالى ، بل صفراً أمام عدم نهايته .
يضع حجب الغرور جانباً ويقمع التكبّر ، لهذا السبب قال الإمام علي ( عليه السلام ) في الحديث المعروف الذي أوضح فيه فلسفة العبادات الإسلامية ، وبيّن أنّ أولى العبادات بعد الإيمان الصلاة : ( أَوجَبَ اللهُ الإِيمانَ لِتَطهِيرِ النّاسَ مِنَ الشِّركِ والصّلاةَ لِتطهِيرهم مِنَ الكِبرِ ) .
5ـ الصلاة وسيلة لتهذيب الفضائل الأخلاقية والتكامل للإنسان ، لأنّها تخرج الإنسان من العالم المادّي المحدود والجدران الأربعة للطبيعة ، وتدعوه إلى الملكوت السماوي ، وتجعله متناغماً مع الملائكة وصاحب سرّهم ، ويرى نفسه أمام الله تعالى بلا حاجة إلى واسطة ويتكلّم معه .
تكرار هذا العمل في الليل والنهار وبالاعتماد على صفات الله الرحمانية والرحيمية وعظمته ، خصوصاً مع الاستعانة بسور القرآن بعد الحمد التي أفضل دعوة للخير والنقاء ، له الأثر الملحوظ في التهذيب الفضائل الأخلاقية في وجود الإنسان ، لذا نقرأ في حديث عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في فلسفة الصلاة : ( الصّلاةُ قُربان كلِّ تقي ) .
6ـ تهب الصلاة القيمة لسائر أعمال الإنسان ، لأنّها تحيي روح الأخلاق ، فهي عبارة عن مجموعة من النية الخالصة ، والقول الطاهر ، والأعمال النقية ، تكرار هذا المجموع في اليوم والليلة يغرس بذور سائر الأعمال الحسنة في روح الإنسان ، ويقوّي روح الإخلاص لديه ، لذا نقرأ في حديث معروف عن الإمام علي ( عليه السلام ) ضمن وصاياه ـ بعد ما شقّ ابن ملجم الكافر رأسه الشريف بالسيف ـ : ( اللهَ اللهَ فِي الصّلاةِ فإنّها عَمُودُ دِينِكُم ) .
نعلم أنّه عندما يتكسّر عمود الخيمة أو يسقط لا أثر للحبال والأوتاد مهما كانت متينة ، كذلك عندما يزول ارتباط الصلاة بين الله وعبده يفقد العبد أعماله الأُخرى .
وجاء في حديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : ( أَوّلُ ما يُسألُ العَبدُ يَومَ القِيامَةِ فِي الصّلاةُ ، إنْ قُبِلتْ قُبِلَ ما سِواها ، وإنْ رُدَّتْ رُدَّ ما سِواها ) .
يمكن أن يكون سبب هذا الحديث أنّ الصلاة رمز الارتباط بين الخلق والخالق ، فإذا أُنجزت بصورة صحيحة يُحيى فيه قصد القربة والإخلاص التي تعتبر وسيلة لقبول سائر الأعمال ، وإلاّ تصبح باقي أعماله ملوّثة ومشوبة ، وتسقط عن درجة الاعتبار .
7ـ الصلاة تدعو إلى تطهير الحياة بغضّ النظر عن محتواها ، وبالالتفات إلى شروط صحّتها ، لأنّنا نعلم أنّ مكان المصلي ولباسه والفراش الذي يصلّي عليه ، والماء الذي يتوضّأ أو يغتسل منه ، والمحل الذي يؤدّي الوضوء أو الغسل فيه ، يجب أن تكون طاهرة من كلّ ألوان الغصب والتعدّي على حقوق الآخرين ، كيف يمكن للشخص المتجاوز الظالم ، الربوي ، الغاصب ، المطفّف ، المرتشي والكاسب للأموال الحرام أن يهيأ مقدّمات الصلاة ؟
بناءً على ذلك يعتبر تكرار الصلاة خمس مرّات في اليوم والليلة دعوة لرعاية حقوق الآخرين .
8ـ للصلاة بالإضافة إلى شروط الصحّة شروط القبول ، وبتعبير آخر شروط الكمال ، وتعتبر رعاية تلك الشروط أيضاً عامل مؤثّر آخر لترك الكثير من الذنوب .
ذكرت في الكتب الفقهية ومصادر الحديث أُموراً كثيرة بعنوان موانع قبول الصلاة ، ومن جملة ذلك مسألة شرب الخمر ، فقد جاء في الروايات : ( لا تُقبَلُ صلاةَ شاربِ الخَمرِ إلى أَربَعِينَ يَوماً إلاّ أنْ يَتُوبَ ) .
وصُرّح في روايات أخرى بعدم قبول صلاة من لا يدفع الزكاة ، وتقول روايات أُخرى كذلك : أكل مال الحرام أو العجب والتكبّر من موانع قبول الصلاة ، وواضح أن توفير شروط القبول كم هو بنّاء ؟10ـ تقوّي الصلاة روح الانضباط في الإنسان ، فإنّها يجب أن تؤدّى في أوقات معيّنة ودقيقة ، والتقديم والتأخير يوجبان بطلانها ، كذلك هناك آداب وأحكام أخرى في مورد النية والقيام والقعود والركوع والسجود وأمثالها ، تؤدّي رعايتها إلى تسهيل قبول الانضباط الكامل في برامج الحياة .
9 - إن روح الصلاة وأساسها وهدفها ومقدمتها ونتيجتها ... وأخيراً حكمتها وفلسفتها، هي ذكر الله، كما بينت في الآية على أنها أكبر النتائج. وبالطبع فإن الذكر المراد هنا، هو الذكر الذي يكون مقدّمة للفكر، والفكر الذي يكون باعثاً على العمل، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير جملة (ولذكر الله أكبر) قال: "ذكر الله عندما أحلّ وحرّم" أي على أن يتذكر الله فيتّبع الحلال ويغضي أجفانه عن الحرام " [بحار الأنوار، ج 82، ص 200 ].
10 - إن الصلاة وسيلة لغسل الذنوب والتطهر منها، وذريعة إلى مغفرة الله، لأن الصلاة - كيف ما كانت - تدعو الإنسان إلى التوبة وإصلاح الماضي، ولذلك فإننا نقرأ في حديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إذ سأل بعض أصحابه: "لو كان على باب دار أحدكم نهر واغتسل في كل يوم منه خمس مرات أكان يبقي في جسده من الدرن شيء؟! قلت لا، قال: فإن مثل الصلاة كمثل النهر الجاري كلما صلى كفرت ما بينهما من الذنوب"[وسائل الشيعة، ج3، ص 7 (الباب الثاني من أبواب أعداد الفرائض الحديث 3].
وعلى هذا فإن الجراح التي تخلفها الذنوب في روح الإنسان، وتكون غشاوة على قلبه، تلتئم بضماد الصلاة وينجلي بها صدأ القلوب!
11 - إن الصلاة توقظ الإنسان من الغفلة، وأعظم مصيبة على السائرين في طريق الحق أن ينسوا الهدف من إيجادهم وخلقهم، ويغرقوا في الحياة المادية ولذائذها العابرة! إلاّ أنّ الصلاة بما أنها تؤدى في أوقات مختلفة، وفي كل يوم وليلة خمس مرات، فإنها تخطر الإنسان وتنذره، وتبين له الهدف من خلقه، وتنبهه إلى مكانته وموقعه في العالم بشكل رتيب، وهذه نعمة كبرى للإنسان بحيث أنها في كل يوم وليلة تحثه وتقول له: كن يقظاً.
12 - إن الصلاة تحطم الأنانية والكبر، لأن الإنسان في كل يوم وليلة يصلي سبع عشرة ركعة، وفي كل ركعة يضع جبهته على التراب تواضعا لله، ويرى نفسه ذرة صغيرة أمام عظمة الخالق، بل يرى نفسه صفراً بالنسبة إلى ما لا نهاية له!.
ولأمير المؤمنين علي (عليه السلام) كلام معروف تتجسّد فيه، فلسفة العبادات الإسلامية بعد الإيمان بالله، فبين أول العبادات وهي الصلاة مقرونة بهذا الهدف إذ قال: "فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر"[نهج البلاغة، الكلمات القصار 252].
13 - إن الصلاة تعطي القيمة والروح لسائر أعمال الإنسان، لأن الصلاة توقظ في الإنسان روح الإخلاص ... فهي مجموعة من النية الخالصة والكلام الطاهر "الطيب" والأعمال الخالصة ... وتكرار هذه المجموعة في اليوم والليلة ينثر في روح الإنسان بذور سائر الأعمال الصالحة ويقوي فيه روح الإخلاص. لذلك فإننا نقرأ في بعض ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضمن وصاياه المعروفة بعد أن ضربه ابن ملجم بالسيف ففلق هامته، أنه قال: " الله الله في صلاتكم فإنها عمود دينكم" [نهج البلاغة، ومن كتاب له "وصية له" 47].
ونعرف أن عمود الخيمة إذا انكسر أو هوى، فلا أثر للأوتاد والطنب مهما كانت محكمة ... فكذلك ارتباط عباد الله به عن طريق الصلاة، فلو ذهبت لم يبق لأي عمل آخر أثر. ونقرأ عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل سائر عمله، وإن ردت رد سائر عمله". ولعل الدليل على هذا الحديث هو أن الصلاة رمز للعلاقة وارتباط بين الخالق والمخلوق ! فإذا ما أديت بشكل صحيح، وكان فيها قصد القربة والإخلاص "حياً" كان وسيلة القبول لسائر الأعمال، وإلا فإن بقية أعماله تكون مشوبة وملوثة وساقطة من درجة الاعتبار.
14 - إن الصلاة - بقطع النظر - عن محتواها، ومع الالتفات إلى شرائط صحتها، فإنها تدعوا إلى تطهير الحياة ! لأننا نعلم أن مكان المصلي، ولباس المصلي، وبساطه الذي يصلي عليه، والماء الذي يتوضأ به أو يغتسل منه، والمكان الذي يتطهر فيه " وضوء أو غسلاً " ينبغي أن يكون طاهراً من كل أنواع الغصب والتجاوز على حقوق الآخرين. فإن من كان ملوثا بالظلم والغصب والبخس في الميزان والبيع وآكلا للرشوة ويكتسب أمواله من الحرام ... كيف يمكن له أن يهئ مقدمات الصلاة!؟ فعلى هذا فإن تكرار الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة - هو نفسه - دعوة إلى رعاية حقوق الآخرين!
15 - إن للصلاة - بالإضافة إلى شرائط صحتها - شرائط لقبولها، أو بتعبير آخر: شرائط لكمالها، ورعايتها - أيضا - عامل مؤثر ومهم لترك كثير من الذنوب!. وقد ورد في كتب الفقه ومصادر الحديث روايات كثيرة تحت عنوان موانع قبول الصلاة، ومنها "شرب الخمر" إذ جاء في بعض الروايات: لا تقبل صلاة شارب الخمر أربعين يوما إلا أن يتوب [بحار الأنوار، ج 84، ص 317 و 320].
كما صرح في بعض الروايات بأن الصلاة لا تقبل من " مانع الزكاة " . كما أن هناك بعض الروايات تقول :" إن الصلاة لا تقبل ممن يأكل السحت والحرام، ولا ممن يأخذه العجب والغرور " وهكذا تتضح الحكمة والفائدة الكبيرة من وجود هذه الشروط .
16 - إن الصلاة تقوي في الإنسان روح الانضباط والالتزام، لأنها ينبغي أن تؤدى في أوقات معينة، لأن تأخيرها عن وقتها أو تقديمها عليه موجب لبطلانها . وكذلك الآداب والأحكام الأخرى في موارد النية والقيام والركوع والسجود وما شابهها، إذ أن رعايتها تجعل الاستجابة للالتزام في مناهج الحياة ممكناً وسهلاً. كل هذه من فوائد الصلاة - بغض النظر عن صلاة الجماعة - وإذا أضفنا إليها خصوصية الجماعة، حيث أن روح الصلاة هي الجماعة، ففيها بركات لا تحصى ولا تعد، ولا مجال هنا لشرحها وبيانها، مضافاً إلى أن الجميع يدرك خيراتها وفوائدها على الإجمال .
ونختم كلامنا في مجال حكمة الصلاة وفلسفتها وأسرارها بحديث جامع منقول عن الإمام الرضا (عليه السلام) إذ سئل عنها فأجاب بما يلي:
"إن علة الصلاة أنها إقرار بالربوبية لله عز وجل، وخلع الأنداد، وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع والاعتراف، والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كل يوم إعظاماً لله عز وجل، وأن يكون ذاكرا غير ناس ولا بطر، ويكون خاشعا متذللا، راغبا طالبا للزيادة في الدين والدنيا مع ما فيه من الإيجاب والمداومة على ذكر الله عز وجل بالليل والنهار، لئلا ينسى العبد سيده ومديره وخالقه فيبطر ويطغى، ويكون في ذكره لربه وقيامه بين يديه زاجرا له عن المعاصي ومانعا له عن أنواع الفساد".[وسائل الشيعة، ج 3، ص 4].
التعلیقات