زينب الكبرى أميرة البيان (١)
شيخ مهدي المجاهد
منذ 7 سنوات
بعد واقعة الطف الفجيعة واستشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يبدأ دور عقيلة الطالبين زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السلام لكي تواصل مسيرة الإمام الحسين عليه السلام وما قام لأجله في أرض كربلاء، ألا وهو طلب الإصلاح في أمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله، فمن هنا وقع دور هذه المهمة المحمدية على عاتق زينب الكبرى عليها السلام، فأدت ذلك الدور الرسالي الذي كان على عاتقها بأفضل وجه.
قد أوضحت بخطابِها عمّا خفى للناسِ من فضلِ لها فتعجّبوا
لِمَ لا تكون أميرةً بخطابِها وأميرُ كُلِّ المؤمنينَ لها أبُ (1)
رُوي أن العقيلة زينب عليها السّلام خَطَبت في الكوفة خُطبتَها الغرّاء، فتركت أهل الكوفة يَموجُ بعضُهم في بعض قد رَدُّوا أيديهم في أفواههم حيارى يبكون، وقد تمثّل لهم هولُ الجناية التي اقترفوها، وقد قال الإمام زين العابدين عليه السّلام بحق عمّته زينب عليها السّلام مخاطباً إياها: أنتِ بحمد الله عالِمةٌ غيرُ مُعلَّمة، فَهِمةٌ غيرُ مُفهَّمة.(2)
وكلام الإمام زين العابدين عليه السّلام يدلّ بما لا غبار عليه على المنزلة العلميّة الرفيعة التي ارتقت إليها عقيلة الهاشميّين عليها السّلام، فهي عالمة بالعلم اللدُنّيّ الإلهي المُفاض من قِبل ربّ العزّة تعالى، وليس بالعلم المتعارَف الذي يُكتسب بالدرس والبحث.
وقال الشيخ المامقانيّ في معرض حديثه عن السيّدة زينب عليها السّلام: زينب، وما زينب! وما أدراك ما زينب! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يَحُزْها بعد أمّها أحد، حتّى حقّ أن يُقال: هي الصدّيقة الصغرى، هي في الحجاب والعفاف فريدة، لم يَرَ شخصَها أحدٌ من الرجال في زمان أبيها وأخوَيها إلى يوم الطفّ، وهي في الصبر والثبات وقوّة الإيمان والتقوى وحيدة، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنّها تُفرِغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السّلام كما لا يَخفى على مَن أمعن النظر في خُطبتها. ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحد أن يُنكر ـ إن كان عارفاً بأحوالها في الطفّ وما بعده. كيف ولولا ذلك لما حمّلها الحسين عليه السّلام مقداراً من ثقل الإمامة أيّام مرض السجّاد عليه السّلام، وما أوصى إليها بجملة من وصاياه، ولَما أنابَها السجّادُ عليه السّلام نيابةً خاصّة في بيان الأحكام وجملة أخرى من آثار الولاية (3).
وللسيّدة زينب عليها السّلام مواقف عديدة في الذبّ عن إمام زمانها، فنراها تستمر في مواقفها في المنافحة عن الإمام زين العابدين عليه السّلام بعد استشهاد أبيه سيّد الشهداء الحسين عليه السّلام، تعزّيه تارةً وتصبّره، وتحافظ عليه من القتل، وتَفديه بنفسها تارة أخرى، وقد نقل لنا التاريخ، من ضمن مواقفها أنّها شاهدت حُزنَ الإمام زين العابدين عليه السّلام الشديد على أبيه الحسين عليه السّلام، فقالت له: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّةَ جدّي وأبي وإخوتي؟
فقال عليه السّلام: وكيف لا أجزَع، وأهلَع، وقد أرى سيّدي وأخوتي وعُمومتي ووُلد عمّي مُصرَّعين بدمائهم، مُرمَّلين بالعراء، مُسلَّبين لا يُكفَّنون، ولا يُوارَون، ولا يُعرّج عليهم أحد، ولا يَقرَبُهم بشرٌ، كأنّهم أهلُ بيتٍ من الدَّيلم والخَزَر ؟!
فقالت عليها السّلام: لا يُجزعَنّك ما تَرى، فواللهِ إنّه لَعهدٌ من رسولِ الله صلّى الله عليه وآله إلى جدّكَ وأبيكَ وعمّك، ولقد أخذ اللهُ ميثاقَ أُناسٍ من هذه الأمّةِ لا تَعرِفُهم فَراعنةُ هذه الأمّة، وهم معروفون في أهل السماوات، أنّهم يجمعون هذه الأعضاءَ المتفرّقةَ فيوارونها، وهذه الجسومَ المضرّجة، ويَنصِبون بهذا الطفّ عَلماً لقبرِ أبيك سيّد الشهداء لا يُدرَسُ أثرُه، ولا يَعفو رسمُه على كُرور الليالي والأعوام، ولَيجهَدَنّ أئمّةُ الكفر وأشياعُ الضلالةِ في مَحوه وتَطميسه، فلا يزدادُ إلاّ ظهوراً، وأمرُه إلاّ عُلوّاً.(4)
لما تقرأ كلامها عليها السلام، وتشاهد ما يحدث الآن في العالم الإسلامي وخاصة بأرض كربلاء المقدسة ترى أنها أخبرت عن المستقبل بواسطة الغيب، وهذا معنى قول الإمام السجاد عليه السلام في حقها: أنتِ بحمد الله عالِمةٌ غيرُ مُعلَّمة، فَهِمةٌ غيرُ مُفهَّمة.
وللكلام صلة يأتي أنشاء الله لاحقاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ للشاعر المرحوم الشيخ محمد سعيد المنصوري.
2ـ الاحتجاج ص305 فصل خطبة زينب بنت علي ابن ابي طالب (عليه السلام).
3ـ تنقيح المقال: المامقانی ج 3، ص 79 ، فصل النساء.
4ـ بحار الأنوار ج 57، ص28 ، و ج 45، ص179.
التعلیقات