زينب الكبرى أميرة البيان (٣)
شيخ مهدي المجاهد
منذ 7 سنواتبعد ما جرى في سوق الكوفة، وانتقال الأسارى والسبايا في أزقة الكوفة بتلك الحالة القاسية والمأساوية الذي أمر بها عبيد الله بن زياد -وبظنه أنه المنتصر لبني أمية- حيث أراد أن لا يبقى لأهل البيت عليهم السلام من أثر، لكنه فشل في تلك المحاولات؛ لأنه يعلم أن الحرب ليس في الميدان القتال وفي ساحة الحرب وحسب، بل هناك ميادين أخرى للمواجهة.
وعندما اصطحب الإمام الحسين عليه السلام أخته العقيلة زينب الكبرى عليها السلام كان يعلم أنها تكون المكملة لمسيرته ونهضته المناهظة للظلم والجور والتزوير ، وقد بين هدفه من نهضته في بادئ الأمر وهو الإصلاح، فقال: «إِنّى لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلا بَطَرًا ، وَلا مُفْسِدًا وَلا ظالِمًا ، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي ، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأَبي عَلِيّ بْنِ أَبيطالِب»(1) ولم تتم هذه المهمته إلا على يد أخته العقيلة من بعده، فأدت دورها المؤثر للثورة، وذلل من خلال خطبتها التي ألقتها بالكوفة وجعلت الناس يندمون على خذلانهم للإمام الحسين (ع)، ونفقضهم العهود، وأنهم لم يفوا بوعودهم لنصرتهم ابن بنت نبيهم صلى الله عليه وآله.
ثم أنها خطبت تلك الخطبة التي أخرست عدوها الطاغية عبيد الله بن زياد، وذلك عندما دخلت عليه مع ما تبقى لها من أهلها من النساء الأرامل والأطفال الأيتام وإمام زمانها علي بن الحسين عليهما السلام بتلك الحالة الفجعية التي كان يتحملها من شدة المرض من جهة ومن ألم فقد أبيه سيد الشهداء صلوات الله عليه وأخوته وبنو عمومته وأصحابه الأوفياء صلوات الله عليهم أجمعين وما كان يدمي قلبه الطاهر أن ينظر إلى فخر المخدرات وعقيلة الهاشميين وسائر نساء أهل بيته بهذا الحال، وهم يساقون من بلدٍ إلى بلد وهم سادة الورى، فكان أهم دور للسيدة زينب عليها السلام هو أن تحمي أمامها وأن تدافع عنه بجميع ما تملك كما فعلت أمها فاطمة الزهراء صلوات الله عليها حين دافعت عن إمام زمانها الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
ومن بلاغتها وشجاعتها الأدبية هي ما ظهر منها عليها السلام في مجلس الطاغية ابن زياد، وقد نقل السيد ابن طاووس وغيره: إن ابن زياد جلس في القصر وأذن أذاناً عاماً، وجيء برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه، وأدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه، وجاءت زينب ابنة علي عليهما السلام، وجلست متنكرة فسأل ابن زياد من هذه المتنكرة؟
فقيل له: هذه زينب ابنة علي، فأقبل عليها، فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم.
فقالت عليها السلام: انما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق، هو غيرنا.
فقال: كيف رأيت صنع الله بأخيك، وأهل بيتك؟
فقالت: ما رأيت الا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج، وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يا بن مرجانة.
فغضب اللعين، وهمَّ أن يضربها، فقال له عمرو بن حريث: إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.
فقال لها ابن زياد (لعنه الله): لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك.
فقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فلقد اشتفيت.
فقال لعنه الله: هذه سجاعة، ولعمري لقد كان أبوها سجاعاً شاعراً.
فقالت: يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة، وإن لي عن السجاعة لشغلاً.
ثم التفت ابن زياد إلى علي بن الحسين عليهما السلام، فقال من هذا؟
فقيل: علي بن الحسين، فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين عليه السلام.
فقال علي عليه السلام: قد كان لي أخ يقال له علي بن الحسين قتله الناس، فقال: بل الله قتله.
فقال علي عليه السلام: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها،
فقال ابن زياد: ألك جرأة على جوابي اذهبوا به، فاضربوا عنقه، فسمعت به عمته زينب،
فقالت: يا بن زياد إنك لم تبق منا أحدا، فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه،
فقال علي عليه السلام لعمته أسكتي يا عمة، حتى أكلمه، ثم أقبل، فقال: أبالقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة. (1)
فهذه زينب الكبرى أميرة البيان لقد أقحمت عدوها في قصره أمام أعين أعوانه وجلاوزته، وكيف لا تكون هكذا، وهي بنت أمير المؤمنين وأخت السبطين الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ها هي عقيلة الهاشميين وفخر المخدرات زينب، هي التي وقع في عاتقها إتمام ما قام لأجله سيد الشهداء صلوات الله عليه.
ــــــــــــــــــــــــــ
1ـ بحار الأنور: للعلامة المجلسي، ج44، ص 329.
2ـ اللهوف في قتلى الطفوف، للسيد بن طاووس، ص93ـ94.
التعلیقات