أين دفن رأس الامام الحسين عليه السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ سنتينإنّ لعلماء الإمامية في موضع دفن رأس الامام الحسين عليه السلام رأيين:
أحدهما: القول برجوع الرأس إلى كربلاء.
والآخر: هو القول بدفنه في النجف الأشرف.
قال يزيد بن معاوية لعنة الله عليه لعلي بن الحسين عليه السلام: وعدتك بقضاء ثلاث حاجات اذكرها.
فقال الأولى: تريني وجه سيدي الحسين عليه السلام لاتزود منه.
والثانية: ترد علينا ما أخذ منا؛ لأن فيه مغزل فاطمة وقميصها وقلادتها.
والثالثة: إن كنت عزمت على قتلي، فوجه مع النسوة من يوصلهن إلى حرم جدهن.
قال: أما وجه أبيك فلن تراه أبدا، وأما قتلك فقد عفوت عنك فما يوصلهم إلى المدينة غيرك.
رد الأثاث وإرسال أهل البيت إلى المدينة
وأمر برد المأخوذ، وزاد عليه مائتي دينار، ففرقها زين العابدين عليه السلام على الفقراء والمساكين.
ثم أمر يزيد بمضي الأسارى إلى أوطانهم مع نعمان بن بشير وجماعة معه إلى المدينة.(1)
كلام حول مقام الرأس الشريف
ثمّ إنّ لعلماء الإمامية في المقام رأيين:
أحدهما: القول برجوع الرأس إلى كربلاء.
والآخر: هو القول بدفنه في النجف الأشرف، وإليك تفصيل الكلام في هذين القولين ومستندهما:
القول الأول: رجوع الرأس إلى كربلاء المقدّسة
إنّ الرأي القائل بإلحاق الرأس بالجسد الشريف قد ذكره كل من: الشيخ الصدوق، والسيد المرتضى، والسيد ابن طاووس ـ قدس الله أسرارهم ـ وغيرهم، عن غير المعصوم، ويُفهم من كلام ابن نما الحلي ـ كما سيأتي ذكره ـ اشتهاره لدى الشيعة الإمامية، ونستعرض فيما يلي ما ورد في هذا المجال:
1ـ الشيخ الصدوق قدس سره ت381 هـ
قال الصدوق قدس سره: عن الحارث بن كعب، عن فاطمة بنت علي، قالت: «ثمّ إنّ يزيد ـ لعنه الله ـ أمر بنساء الحسين عليه السلام، فحُبسنَ مع علي بن الحسين عليهما السلام في محبسٍ لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ؛ حتى تقشّرت وجوههم، ولم يُرفع في بيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلاَّ وُجد تحته دم عبيط، وأبصرَ الناسُ الشمس على الحيطان حمراء، كأنها الملاحف المعصفرة، إلى أن خرج علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة، وردّ رأس الحسين إلى كربلاء».(2)
2ـ السيد المرتضى قدس سره ت 436 هـ
سُئل السيد المرتضى قدس سره: هل ما روي من حمل رأس مولانا الشهيد أبي عبد الله عليه السلام إلى الشام صحيح؟ وأما الوجه في ذلك؟ فأجاب قدس سره: «هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصنّفين في يوم الطف، وأطبقوا عليه، وقد رووا أيضاً أنّ الرأس أعيد بعد حمله إلى هناك، ودُفن مع الجسد بالطف».(3)
وهذا تصريح من السيد المرتضى، بأنّ إعادة الرأس الشريف إلى كربلاء مما رواه الرواة والمصنفون في كتبهم.
3ـ ابن نما الحلي قدس سره ت 645 هـ
ذكر ابن نما الحلي قدس سره: «والذي عليه المعوَّل من الأقوال أنه [أي الرأس الشريف] أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد، ودُفن معه».(4)
4ـ السيد ابن طاووس ت692 هـ
ذكر السيد ابن طاووس أنّ عمل الطائفة على هذا المعنى ـ وهو ردّ الرأس الشريف إلى الجسد الطاهر في كربلاء (5) ـ بل اعتبر التساؤل عن كيفية ضمّ الرأس الشريف إلى الجسد فيه نوع من الجهل وسوء الأدب، كالسؤال عن كيفية إحيائه بعد شهادته.
إنّ أهم ما ورد حول موضع أو مدفن الرأس الشريف عند أمير المؤمنين عليه السلام عبارة عن مجموعة من الروايات الواردة في الكتب المعتبرة، وهي كالتالي:
1ـ كتاب الكافي: وقد ذُكرت فيه روايتان، إحداهما تصرّح بدفن الرأس الشريف عند أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقلها ابن قولويه في كامل الزيارات أيضاً.
عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن «قال لي أبو عبد الله ـ وهو بالحيرة ـ: أما تريد ما وعدتك؟ قال: قلت بلى ـ يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين ـ قال: فركب وركب إسماعيل ابنه معه، وركبت معهما حتى إذا جاز الثوية ـ وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض ـ نزل ونزل إسماعيل، ونزلت معهم، فصلى وصلى إسماعيل وصليت، فقال لإسماعيل: قم فسلّم على جدك الحسين بن علي. فقلت: جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟ فقال: نعم، ولكن لما حُمِل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا، فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه السلام».(6)
2ـ كتاب كامل الزيارات: وقد ذُكرت فيه جملة من الروايات الدالة بصريحها على أنّ الرأس قد دُفن عند أمير المؤمنين عليه السلام.
عن علي بن أسباط، رفعه، قال أبو عبد الله عليه السلام: «إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين: قبراً كبيراً، وقبراً صغيراً. فأمّا الكبير فقبر أمير المؤمنين عليه السلام، وأما الصغير فرأس الحسين بن علي عليه السلام».(7)
3ـ كتاب تهذيب الأحكام: وقد ذُكرت فيه روايتان، إحداهما تصرّح بدفن الرأس عند أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً.
قال: حدثني عمر بن عبد الله النهدي، عن أبيه، قال: «دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، فذكر حديثاً فحدثناه، قال: فمضينا معه ـ يعني أبا عبد الله عليه السلام ـ حتى انتهينا إلى الغري، قال: فأتى موضعاً فصلّى، ثمّ قال لإسماعيل: قم فصلِّ عند رأس أبيك الحسين عليه السلام. قلت: أليس قد ذُهب برأسه إلى الشام؟ قال: بلى، ولكن فلان مولانا سرقه فجاء به، فدفنه هاهنا».(8)
العلامة المجلسي قدس سره ت1111 هـ
ذكر العلامة المجلسي في تحفة الزائر، وبحار الأنوار الحديث المتقدّم المروي عن يونس، والذي يقول في نهايته الإمام الصادق عليه السلام: «فصيره الله عند أمير المؤمنين عليه السلام، فالرأس مع الجسد، والجسد مع الرأس»، وقد علّق المجلسي على ذلك قائلاً: «أي بعد ما دُفن الرأس هنا ألحقه الله بالجسد، وإنما يُزار ويصلّى هاهنا؛ لكونه محلاً للرأس المقدس وقتاً ما، ويحتمل ـ على بُعدٍ ـ أن يكون المراد أنّ جسد أمير المؤمنين عليه السلام كالجسد لهذا الرأس الشريف، فكان الرأس لا يفارق الجسد. والله العالم».(9)
وفي باب رأس الحسين ومحل دفنه، يقول المجلسي ـ بعد استعراض الآراء المختلفة لأهل السنة: «هذه أقوال المخالفين في ذلك، والمشهور بين علمائنا الإمامية أنّه دُفن رأسه مع جسده، ردّه علي بن الحسين عليهما السلام. وقد وردت أخبار كثيرة في أنّه مدفون عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام، وسيأتي بعضها، والله يعلم»،(10) وقد خصّ المجلسي قدس سره عنواناً في البحار، سمّاه: «في أنّ رأس الحسين كان عند أمير المؤمنين عليهما السلام»،(11) ويقول في باب زيارة أمير المؤمنين عليه السلام: «أقول: ينبغي أن يُزار الحسين عند قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليهما، مما يلي رأسه، مما ذكره محمد بن المشهدي في المزار الكبير. وذكر أنّ الصادق عليه السلام زار رأس الحسين عليه السلام عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام، وصلى عنده أربع ركعات. ويذكر الزيارة، وفيها: أتيتك يا مولاي يا بن رسول الله».(12)
أقوال علماء العامة في هذا المجال
1ـ المدينة المنورة: وأنّ الرأس الشريف للحسين عليه السلام قد دفن عند فاطمة عليه السلام في البقيع (يرى البعض أنّ هذا القول هو الأقوى تاريخياً؛ لرواية ابن سعد ذلك).
2ـ الشام(13)
3ـ بقي في الخزائن الأموية، إلى أن وَليَ سليمان بن عبد الملك الخلافة، حيث دفنه في مقابر المسلمين، وبعد مجيء العباسيين أخذوه إلى جهة غير معلومة(14)
4ـ القاهرة، بعد ما نقله الفاطميون من عسقلان(15)
5ـ وصل مرو، وعليه بناء مشيّد(16)
6ـ كربلاء، وذلك بطريقين:
الأول: ما رووه من أنّ عمر بن عبد العزيز أخرج الرأس الذي دفنه سليمان بن عبد الملك، ولا يعلم ماذا فعل به، لكن تعويلاً على تدينه؛ يُعتقد أنّه أرسله وألحقه بالجسد.(17)
الثاني: ما قاله سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص: «أشهر الأقوال: أن يزيد ردّه إلى المدينة مع السبايا، ثم رُدَّ إلى الجسد بكربلاء، وقد ذكره هشام وغيره».(18)
1ـ مقتل الحسين / أبو مخنف الازديي / المجلّد: 1 / الصفحة: 232.
2. الأمالي / الشيخ الصدوق / الصفحة231؛ يذكره أيضاً: روضة الواعظين / الفتال النيسابوري / الصفحة 192.
3ـ رسائل المرتضى / الشريف المرتضى / المجلّد: 3 / الصفحة: 130.
4ـ مثير الأحزان / ابن نما الحلي / الصفحة: 85.
5ـ اُنظر: اللهوف على قتلى الطفوف / السيد علي بن موسى ابن طاووس/ الصفحة: ص 114.
6. اُنظر: اللهوف على قتلى الطفوف / السيد علي بن موسى ابن طاووس/ الصفحة: ص 83 ؛ الكافي / محمد بن يعقوب الكليني / المجلّد: 9 / الصفحة: الصفحة 299 / ط دار الحديث ؛ وسائل الشيعة / الشيخ الحر العاملي / المجلّد: 14 / الصفحة: 400.
7ـ كامل الزيارات / ابن قولويه القمي / المجلّد: 1 / الصفحة: 35 / ط دار المرتضوية.
8ـ تهذيب الأحكام ج6، ص777، ح7077.
9ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد: 97 / الصفحة: 244.
10ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد: 97 / الصفحة: 244.
11ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد: 97 / الصفحة: 241.
12ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد: 97 / الصفحة: 293.
13ـ البداية والنهاية / ابن كثير / المجلّد: 8 / الصفحة: 222.
14ـ تاريخ الإسلام / الذهبي / المجلّد: 5 / الصفحة: 107.
15ـ معجم البلدان / الحموي / المجلّد: 5 / الصفحة: 142.
16ـ الأنساب / السمعاني / المجلّد: 3 /الصفحة: 370.
17ـ رأس الحسين / طاهر آل عكة / ص174، نقلاً عن النويري، نهاية الإرب.
18. اُنظر: لواعج الأشجان / سيد محسن الأمين / الصفحة: 248 ؛ نقلاً عن: تذكرة الخواص / سبط بن الجوزي / الصفحة: 275.
التعلیقات