فضائل شهر رجب، مناسباته وأعماله
السيد حسين الهاشمي
منذ يوميُعتبر شهر رجب من الأشهر الحرم التي خصّها الله تعالى بمكانةٍ خاصة، حيث يُعدّ من الأوقات المباركة التي تفتح فيها أبواب الرحمة والمغفرة. يتوسط شهر رجب الأشهر الحرم، ويأتي قبل شهر شعبان، الذي يليه شهر رمضان المبارك، مما يجعله فترةً مهمةً للتحضير الروحي والنفسي لاستقبال شهر الصيام.
لقد وردت العديد من الأحاديث التي تشير إلى فضائل هذا الشهر، حيث يُستحب فيه الصيام والعبادة، ويُعتبر فرصةً لتعزيز العلاقة مع الله تعالى من خلال الأعمال الصالحة. كما يُعرف شهر رجب بعدد من المناسبات الإسلامية المهمة، التي تُذكرنا بعظمة الله وقدرته، وتُعزز من إيماننا.
في هذه المقالة، سنتناول فضائل شهر رجب، ونستعرض بعض المناسبات التي تتخلله، بالإضافة إلى الأعمال المستحبة التي يُمكن للمسلمين القيام بها خلال هذا الشهر المبارك. من خلال هذا الاستعراض، نأمل أن نُشجع القلوب على استثمار هذا الوقت في العبادة والتقرب إلى الله، سائلين الله أن يُعيننا جميعًا على اغتنام هذه الفرصة العظيمة.
فضيلة شهر رجب
شهر رجب هو أحد الأشهر الأربعة الحرم، وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم. وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾ (1). تُعتبر هذه الأشهر فرصةً للمسلمين لتعزيز العبادة والتقرب إلى الله، حيث يُستحب فيها تجنب المعاصي وزيادة الأعمال الصالحة.
وقد وردت روايات حول فضيلة شهر رجب ومقامه في التاريخ الإسلامي. فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: « إنّ رجب شهر الله العظيم لايقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاً ، والقتال مع الكفار فيه حرام ، ألا إنّ رجب شهر اللهُ ، وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي. ألا فمن صام من رجب يوما استوجب رضوان الله الأكبر ، وابتعد عنه غضب الله وأُغلق عنه باب من أبواب النار » (2).
وقد روي عن الإمام موسيى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: « رجب نهر في الجنة اشد بياضا من اللبن واحلى من العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر » (3).
وأيضا قد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رجب شهر الاستغفار لاُمَّتي ، فأكثروا فيه الاستغفار فإنه غفور رحيم. ويسمى رجب الاصبّ لانّ الرحمة على أُمّتي تصبُّ فيه صَبّا ، فاستكثروا من قول : أَسْتَغْفِرُ الله وَأَسْأَلُهُ التَّوْبَةَ » (4).
فشهر رجب يُعتبر فرصةً لتعزيز الروحانية لدى المسلمين. من خلال الصيام، والقيام، والدعاء، يفتح المؤمنون قلوبهم للتواصل مع الله، مما يساعدهم على الشعور بالسكينة والطمأنينة. هذه الروحانية المتزايدة تُساهم في تعزيز الإيمان وتوجيه النفس نحو الخير. شهر رجب يُشجع على تعزيز العلاقات الاجتماعية من خلال الأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين. إن إحياء هذه الروابط الاجتماعية يُعزز من روح التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع، مما يُساهم في بناء مجتمع متماسك وقوي. يُعتبر شهر رجب فرصةً للتفكر والتأمل في معاني الحياة وأهدافها. من خلال العبادة والذكر، يكتسب المسلمون القدرة على التفكير في علاقتهم بالله وفي دورهم في هذه الحياة. هذه اللحظات من التأمل تُساهم في توجيه الأفراد نحو الأهداف السامية.
مناسبات شهر رجب
يتميز شهر رجب بمكانته الخاصة في الإسلام، حيث يحمل العديد من المناسبات والوقائع التاريخية المهمة. لهذا سنستعرض أبرز المناسبات والوقائع التي وقعت في شهر رجب.
ولادة الإمام الباقر عليه السلام وغزوة تبوك
إن ولادة الإمام الباقر عليه السلام ووقوع غزوة تبوك كانت في أول يوم من شهر رجب. لكن غزوة تبوك وقعت في السنة 9 للهجرة وميلاد الإمام الباقر عليه السلام كانت في السنة 57 للهجرة.
شهادة الإمام الهادي عليه السلام
استشهد الإمام الهادي عليه السلام في اليوم الثالث من شهر رجب عام 254 للهجرة. لذا، يجب على المؤمنين أن يعقدوا المجالس والهيئات المذهبية، ويحيوا شعائر الله سبحانه وتعالى بمناسبة استشهاد الإمام الهادي عليه السلام في هذا اليوم.
ولادة الإمام محمد بن علي الجواد
ولد الإمام محمد بن علي الجواد في اليوم العاشر من شهر رجب سنة 195 للهجرة. فكانت هذه الولادة ولادة مباركة حيث قال الإمام الرضا عليه السلام: « هذا المَولُودُ الّذي لَم يُولَد مَولُودٌ أعظَمُ بَرَكَةً عَلى شيعَتِنا مِنهُ » (5).
ولادة أميرالمؤمنين عليه السلام
ولد أميرالمؤمنين عليه السلام في يوم الجمعة، 13 من شهر رجب من سنة 30 لعام الفيل. وكانت ولادته المباركة في الكعبة. فقد قال الشيخ المفيد: « ولد بمکة فی البیت الحرام یوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثین من عام الفیل ولم یولد قبله ولا بعده مولود فی بیت الله تعالی سواه اکراما من الله تعالی له بذلك واجلالا لمحله في التعظیم » (6). وهذا في الحقيقة شرافة للكعبة.
بعثة النبي الأكرم والإسراء
بعث الله النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة في يوم 27 من شهر رجب، وذلك قبل 13 عاماً من الهجرة. وتُعتبر هذه البعثة من أهم الوقائع التي حدثت في شهر رجب. كما أن إسراء النبي ومعراجه قد وقع أيضاً في هذا اليوم من شهر رجب. فقد قال الله سبحانه وتعالى حول معراج نبيه: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ (7).
أعمال شهر رجب
أَمّا أعماله فقسمان : القسم الأوّل: الأعمال العامة التي تؤدى في جميع الشهر ولاتخص أياماً معينة منه وهي أُمور :
الأول: أن يدعو في كل يوم من رجب بهذا الدعاء الذي روي أنّ الإمام زين العابدين صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِ دعا به في الحِجْر في غُرّة رَجَبْ:
" يا مَنْ يَمْلِكُ حَوائِجَ السّائِلينَ ، و يَعْلَمُ ضَميرَ الصّامِتينَ ، لِكُلِّ مَسْأَلَة مِنْكَ سَمْعٌ حاضِرٌ وَ جَوابٌ عَتيدٌ ، اَللّـهُمَّ وَ مَواعيدُكَ الصّادِقَةُ ، و اَياديكَ الفاضِلَةُ ، و رَحْمَتُكَ الواسِعَةُ ، فأسْألُكَ أن تٌصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَ آلِ مُحَمَّد ، و أنْ تَقْضِيَ حَوائِجي لِلدُّنْيا وَ الآخِرَةِ ، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شيء قَديرٌ .(8).
الثاني: أن يدعو بهذا الدعاء الذي كان يدعو به الصادق عليه السلام في كل يوم من رجب :
خابَ الْوافِدُونَ عَلَىٰ غَيْرِكَ، وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِلّا لَكَ، وَضاعَ الْمُلِمُّونَ إِلّا بِكَ، وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ إِلّا مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ، بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ، وَخَيْرُكَ مَبْذُولٌ لِلطَّالِبِينَ، وَفَضْلُكَ مُباحٌ لِلسَّائِلِينَ، وَنَيْلُكَ مُتَاحٌ لِلْآمِلِينَ، وَرِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ، وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ، عَادَتُكَ الْإِحْسانُ إِلَى الْمُسِيئِينَ، وَسَبِيلُكَ الْإِبْقاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ . اللّٰهُمَّ فَاهْدِنِى هُدَى الْمُهْتَدِينَ، وَارْزُقْنِى اجْتِهادَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا تَجْعَلْنِى مِنَ الْغَافِلِينَ الْمُبْعَدِينَ، وَاغْفِرْ لِى يَوْمَ الدِّينِ (9).
الثالث: قال الشيخ في (المصباح) : روى المعلى بن خُنيس عن الصادق عليه السلام أنَّه قال: قل في رجب :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك صَبْرَ الشَّاكرِينَ لَك وعَمَلَ الْخَائِفِينَ مِنْك ويقِينَ الْعَابِدِينَ لَك
اللَّهُمَّ أَنْتَ الْعَلِي الْعَظِيمُ وأَنَا عَبْدُك الْبَائِسُ الْفَقِيرُ، أَنْتَ الْغَنِي الْحَمِيدُ وأَنَا الْعَبْدُ الذَّلِيلُ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وامْنُنْ بِغِنَاك عَلَى فَقْرِي وبِحِلْمِك عَلَى جَهْلِي وبِقُوَّتِك عَلَى ضَعْفِي، يا قَوِي يا عَزِيزُ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ الْأَوْصِياءِ الْمَرْضِيينَ واكفِنِي مَا أَهَمَّنِي مِنْ أَمْرِ الدُّنْيا والْآخِرَةِ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
... (10).
الرابع: قال الشيخ أيضاً : يستحب أن يدعو بهذا الدعاء في كل يوم:
اللّٰهُمَّ يَا ذَا الْمِنَنِ السَّابِغَةِ، وَالْآلَاٰءِ الْوَازِعَةِ، وَالرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ، وَالْقُدْرَةِ الْجَامِعَةِ، وَالنِّعَمِ الْجَسِيمَةِ، وَالْمَواهِبِ الْعَظِيمَةِ، وَالْأَيادِى الْجَمِيلَةِ، وَالْعَطايَا الْجَزِيلَةِ . يَا مَنْ لَايُنْعَتُ بِتَمْثِيلٍ، وَلَا يُمَثَّلُ بِنَظِيرٍ، وَلَا يُغْلَبُ بِظَهِيرٍ . (11).
فضيلة الصوم في شهر رجب
ومن أهم الأعمال المشتركة في هذا الشهر هو الصيام. فعن الإمام الصادق عليه السلام: « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ أَيْنَ الرَّجَبِيُّونَ، فَيَقُومُ أُنَاسٌ يُضِيءُ وُجُوهُهُمْ لِأَهْلِ الْجَمْعِ عَلَى رُءُوسِهِمْ تِيجَانُ الْمُلْكِ مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَ الْيَاقُوتِ... هَذَا لِمَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ شَيْئاً وَ لَوْ يَوْماً وَاحِداً فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ » (12).
وعن الإمام الرضا عليه السلام: « مَنْ صَامَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَغْبَةً فِي ثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَ مَنْ صَامَ يَوْماً فِي وَسَطِهِ شُفِّعَ فِي مِثْلِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ، وَ مَنْ صَامَ فِي آخِرِهِ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ وَ شَفَّعَهُ فِي أَبِيهِ وَ أُمِّهِ وَ ابْنِهِ وَ ابْنَتِهِ وَ أَخِيهِ وَ عَمِّهِ وَ عَمَّتِهِ وَ خَالِهِ وَ خَالَتِهِ وَ مَعَارِفِهِ وَ جِيرَانِهِ وَ إِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْتَوْجِبٌ لِلنَّارِ» (13).
شهر رجب هو فرصة عظيمة للمؤمنين لتعزيز إيمانهم وتقربهم إلى الله تعالى. من خلال الصيام، والدعاء، والعبادة، وزيارة الأئمة، يُمكن للمسلمين استثمار هذا الشهر المبارك في تعزيز الروحانية والارتقاء بالنفس. إن فضائل شهر رجب تدعونا جميعاً إلى اغتنام هذه الفرصة الثمينة للتوبة والتقرب إلى الله، سائلين الله أن يُعيننا على ذلك ويغفر لنا ذنوبنا.
1) سورة التوبة / الآية: 36.
2) زاد المعاد (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 5 / الناشر: مؤسسة الأعلمي – بيروت / الطبعة: 1.
3) تهذيب الأحكام (للشيخ الطوسي) / المجلد: 4 / الصفحة: 306 / الناشر: دار الكتب العلمية – طهران / الطبعة: 4.
4) زاد المعاد (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 5 / الناشر: مؤسسة الأعلمي – بيروت / الطبعة: 1.
5) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 1 / الصفحة: 321 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
6) الإرشاد (للشيخ المفيد) / المجلد: 1 / الصفحة: 5 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 2.
7) سورة الإسراء / الآية: 1.
8) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 195 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – طهران / الطبعة: 1.
9) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 196 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – طهران / الطبعة: 1.
10) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 196 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – طهران / الطبعة: 1.
11) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 196 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – طهران / الطبعة: 1.
12) روضة الواعئين (للفتال النيشابوري) / المجلد: 2 / الصفحة: 402 / الناشر: نشر الرضي – قم / الطبعة: 1.
13) إقبال الأعمال (للسيد بن طاووس) / المجلد: 3 / الصفحة: 191 / الناشر: التبليغات الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات