مكانة الأب في الآيات والروايات
السيد حسين الهاشمي
منذ 10 ساعاتقد أولى الإسلام مكانة عظيمة للأب لأنه الركيزة الأساسية في العائلة والأسرة والمصدر الأصلي في تربية الأولاد والجيل القادم للمجتمع. وقد تجلى هذه المكانة بوضوح في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديث أهل بيته الطاهرين عليهم السلام. فنسعى في هذه المقالة أن نبيّن جزءاً صغيراً من مكانة الآباء في الشريعة الإسلامية التي وردت في الآيات والروايات.
هل احترام الأب جزء من الإيمان؟
عند مراجعة الآيات والروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام، نجد أن احترام الأب وبرّه يُعدّ من أصول الإيمان؛ فمن لم يُوقّر أباه ولم يبرّه، فإيمانه ليس حقيقيًا، بل هو إيمانٌ شكليّ لم يبلغ مرتبة الاعتقاد القلبي الصادق. فقد قال الله تعالى: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ (1).
قال بعضُ المفسّرين في تفسير هذه الآية الكريمة: « يتبين أن مسألة الإحسان إلى الوالدين بعد مسألة توحيد الله هي من أوجب الواجبات، كما أن مسألة العقوق بعد الشرك بالله من أكبر الكبائر. ولهذا السبب تم ذكر هذه المسألة بعد مسألة التوحيد وقبل سائر الأحكام. وهذا الأمر لم يُذكر فقط في هذه الآيات، بل تم اتباع نفس الترتيب في مواضع متعددة من كلامه تعالى. من الناحية الاجتماعية وبحكم الفطرة، من الضروري أن يحترم الإنسان والديه ويُحسن إليهما، لأنه إذا لم تُطبق هذه القاعدة في المجتمع وتعامَل الأبناء مع والديهم كما يتعاملون مع الغرباء، فإن تلك العاطفة ستزول حتماً، وستتفكك أواصر المجتمع بشكل كامل » (2).
فهذه الآية الكريمة بنفسها كافية في أن نثبت أن احترام الأب وبرّه من الإيمان بل من أهم الواجبات التي أوجبها الله تبارك وتعالى.
آثار برّ الآباء وعقوقهم
هناك آثار مختلفة في الدنيا والآخرة لبرّ الآباء وعقوقهم. فلنذكر البعض من هذه الآثار ونتأمل فيها حتى نفهم ما مدى أهمية الاحترام البرّ بالآباء.
آثار برّ الآباء واحترامهم
الإزدياد في الرزق
روى داوود بن كثير عن الإمام الصادق عليه السلام: « من أحب أن يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولا، وبوالديه بارا، فإذا كان كذلك هون الله عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقر أبدا » (3).
وأيضا روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « من سره أن يمد له في عمره ويبسط في رزقه ، فليصل أبويه ، فان صلتهما طاعة الله ، وليصل ذا رحمه » (4).
استجابة دعاء الأب في حقّ إبنه
روى المنصوري عن الإمام الصادق عليه السلام: « ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا يُحْجَبْنَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: دُعَاءُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ إِذَا بَرَّهُ، وَ دَعْوَتُهُ عَلَيْهِ إِذَا عَقَّهُ » (5).
التخفيف في سكرات الموت
ذكرنا رواية الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: « من أحب أن يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولا، وبوالديه بارا » (6).
آثار عقوق الآباء
عدم الاقتراب من الجنة
روى الإمام الباقر عليه السلام عن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله: « إياكم وعقوق الوالدين. فان ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ، ولا يجدها عاق ولا قاطع رحم » (7).
عدم قبول الأعمال
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « من نظر إلی أبويه نظر ماقت، وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة » (8).
فإذا كان مجرد نظرة ماقتة للأبوين والحال أنهما ظالمان له، يوجب عدم قبول الصلاة، فعاقّ الوالدين يوجب عدم قبول الصلاة بطريق أولى. وإذا لم يقبل صلاة أحد، لم يقبل بقية أعماله. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: « أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ اَلْعَبْدُ اَلصَّلاَةُ فَإِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا وَ إِنْ رُدَّتْ رُدَّ مَا سِوَاهَا » (9).
عدم غفران الذنوب
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: « إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي آخِرِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ أَلْفَ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ ... فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ... إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَظَرَ إِلَيْهِمْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَعَفَا عَنْهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةً- قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْقَاطِعُ الرَّحِمِ وَالْمُشَاحِنُ » (10).
حكاية النبي يوسف وأبيه عليهما السلام
قال الله تعالى حول حكاية النبي يوسف ويعقوب: ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ (11). وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « لما أقبل يعقوب إلى مصر، خرج يوسف ليستقبله، فلما رآه يوسف هم بأن يترجل له، ثم نظر إلى ما هو فيه من الملك، فلم يفعل، فلما سلم على يعقوب، نزل عليه جبرائيل، فقال له: يا يوسف! إن الله جل جلاله يقول: منعك أن تنزل إلى عبدي الصالح ما أنت فيه. أبسط يدك. فبسطها، فخرج من بين أصابعه نور. فقال. ما هذا يا جبرائيل؟ قال: هذا أنه لا يخرج من صلبك نبي أبدا، عقوبة بما صنعت بيعقوب، إذ لم تنزل إليه » (12).
حكاية المنتصر العباسي وقتل أبيه
المتوكل العباسي تولى الحكم بعد أخيه الواثق بالله. كان شارب خمر، سريع الغضب، ومتصلب الرأي. كما إنه كان يعادي بشدة العلويين والشيعة. حتى أنه منع زيارة العتبات المقدسة في العراق وأمر في سنة 235 للهجرة بتخريب قبر الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء (13). وكان له إبن يلقب بالمنتصر. وقد قيل أنّ المنتصر قتل أباه وتسبب هذا بنقصان عمره. فقد ورد: « إنّ المنتصر بن المتوكّل سمع أباه يشتم فاطمة صلوات اللّه عليها. فسأل رجلا من الناس عن ذلك فقال له: قد وجب عليه القتل إلاّ أنّه من قتل أباه لم يطل له عمر. قال: ما أبالي إذا أطعت اللّه بقتله أن لا يطول لي عمر، فقتله. وعاش بعده سبعة أشهر» (14). فهذا هو الأثر الوضعي لقتل الأب، وإن كان كافرًا فاجرًا قاتلًا ظالمًا.
الأب الحارس الاقتصادي للأسرة
الأب هو المصدر الأساسي للدخل في الأسرة في أغلب المجتمعات، خصوصاً في الرؤية الإسلامية، حيث تقع على عاتقه مسؤولية توفير المسكن، المأكل، الملبس، التعليم، وسائر الضروريات. حيث قال الله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ (15).
هذه الآية تشير إلى أن الإنفاق من أهم أسس القِوامة، مما يجعل مسؤولية النفقة ركيزةً في دور الأب.
لكن لا يقتصر دور الأب على جلب المال فقط، بل عليه إدارة الموارد الاقتصادية للأسرة بحكمة، وتحديد الأولويات، وتجنب التبذير أو الإسراف. فالأب الراشد هو الذي يعرف كيف يوازن بين الإيرادات والمصروفات، ويؤسس ثقافة الادخار والاستثمار في بيته.
تأكيد الإسلام على نفقة الرجل
الإسلام جعل على الرجل مسؤولية الإنفاق ولم يفرضه على المرأة، حتى وإن كانت غنية. وهذا الترتيب الإلهي لا يحمل ظلماً بل يضمن التوازن النفسي والوظيفي داخل الأسرة. لأنّ الرجل غالباً أقوى من المرأة بدنيًا وأقدر على العمل الشاق، والإسلام جعل الإنفاق مقابل القوامة والسلطة الأسرية. وأيضا الإسلام أراد للمرأة أن تكون محفوظة الكرامة، غير محتاجة لأن تطلب مالاً أو تخرج للعمل تحت ضغط الحاجة.
وهذا توزيع عادل للمسؤوليات في الأسرة. فحينما يوجب الإسلام النفقة على الرجل، في الطرف المقابل يوجب التمكين وعدم الخروج من المنزل بدون إذن الزوج على المرأة. فلكلٍ من الطرفين وظيفته وواجبه الشرعي بحسب الاقتضائات الطبيعية.
هذا كان القليل من الأمور التي تبيّن لنا مكانة الآباء في الآيات والروايات. إذا كان لكم حكايات أو قصص حول احترام الآباء أو عقوقهم، أكتبوا لنا في التعليقات كي نتعلّم منكم.
1) سورة الإسراء / الآية: 23 و 24.
2) الميزان في تفسير القرآن (للعلامة محمد حسين الطباطبائي) / المجلد: 13 / الصفحة: 109 / الناشر: نشر اسماعيليان – قم / الطبعة: 1.
3) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 472 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
4) الدعوات (لقطب الدين الراوندي) / المجلد: 1 / الصفحة: 126 / الناشر: مدرسة الإمام المهدي – قم / الطبعة: 1.
5) الأمالي (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 280 / الناشر: دار الثقافة – قم / الطبعة: 1.
6) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 472 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
7) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 74 / الصفحة: 62 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
8) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 4 / الصفحة: 50 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 4.
9) وساءل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 3 / الصفحة: 22 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
10) الأمالي (للشيخ المفيد) / المجلد: 1 / الصفحة: 231 / الناشر: جامعة المدرسين – قم / الطبعة: 1.
11) سورة يوسف / الآية: 99.
12) مجمع البيان (للطبرسي) / المجلد: 5 / الصفحة: 456 / الناشر: مؤسسة الأعلمي – بيروت / الطبعة: 4.
13) تاريخ الطبري (لإبن جرير الطبري) / المجلد: 9 / الصفحة: 222 / الناشر: دار التراث – بيروت / الطبعة: 1.
14) سفينة البحار (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 8 / الصفحة: 575 / الناشر: دار الأسوة – قم /الطبعة: 1.
15) سورة النساء / الآية: 34.
التعلیقات