كيف نُجيب عن الأسئلة الجنسية للأطفال؟
تربية طفلك
منذ ساعة"ماما… أنا كيف انولدت؟"
سؤال بسيط.. بس يفتح أبواب كبيرة! كيف نجاوب أطفالنا عن أسئلتهم الجنسية؟
هل سبق أن وجدتِ نفسكِ حائرة أمام سؤال محرج من طفلك عن جسده أو كيفية مجيئه إلى الدنيا؟ هل تساءلتِ كيف يمكن الحديث عن موضوعات حساسة مثل البلوغ أو الخصوصية الجسدية دون أن تُربكي مشاعره أو تُفقديه براءته؟
التربية الجنسية للأطفال ليست ترفًا تربويًّا، بل ضرورة لحمايتهم من الانحرافات والمفاهيم المغلوطة التي قد يتلقونها من خارج البيت.
في هذا المقال، نُقدّم لكِ دليلاً عمليًّا وأبويًّا مستندًا إلى تعاليم الإسلام والخبرة التربوية الحديثة، لمساعدتكِ على الإجابة عن أسئلة طفلكِ الجنسية بهدوء، ووعي، وثقة. تابعي القراءة لتكوني مرجع الأمان والفهم لأطفالكِ.
الاجابة بهدوء تام
أول نقطة في تعليم الأطفال الأمور الجنسية هي أن نجيب على أسئلتهم بهدوء تام ودون قلق أو توتر.
تُعد التربية الجنسية للأطفال والمراهقين في هذا العصر من أهم ما ينبغي أن يشغل بال الأُسر، فهي فرع من فروع نظام التعليم والتربية، وقد أولى الإسلام اهتمامًا خاصًا بهذا النوع من التربية. فالتربية الجنسية للأطفال تعني تعليمهم المفاهيم الجنسية بما يتناسب مع مستوى فهمهم وإدراكهم، من غير أن يُعرّضهم ذلك للانحراف. ويجب أن يعرف الطفل طبيعة العلاقات مع الجنسين، ويُستفاد في هذا التعليم من كلمات المعصومين عليهم السلام والقرآن الكريم.
في مجتمعنا اليوم، كثرت المصادر الخاطئة التي تُلبي حاجة الأطفال في المسائل الجنسية، لذا من الواجب على الأُسر أن تقوم بتربية أطفالها بالطريقة الصحيحة لئلا يقعوا في الانحراف. ومثال ذلك البث المباشر غير الأخلاقي لمراهق عمره 14 سنة مع امرأة، الذي يعكس وجود هذا الانحراف. ومع أن الطفل – من وجهة نظر العلم والدين – لا يمتلك سلوكًا أو رغبة جنسية فعلية في الظروف الطبيعية، إلا أن الإسلام وضع تدابير عديدة للوقاية من بروز السلوكيات الجنسية غير المناسبة في مرحلة الطفولة، كما وضع وسائل لعلاجها إذا حدثت.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): " والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس" (1) ، لذا لا بد أن تُغنى التربية الجنسية بالتقدم العلمي، مع الحفاظ على المبادئ الإسلامية الأساسية، وأن تُؤخذ المنجزات العلمية الحديثة في هذا المجال بعين الاعتبار وتُوظف بشكل مدروس.
وقد اعتبر الإسلام التربية الجنسية وسيلة مهمة لتنظيم النمو السلوكي الجنسي لدى الأطفال. ويرى الإسلام أن هذه التربية يجب أن يقوم بها الوالدان، بعد أن يتعرفا بأنفسهما على أُسس وضوابط السلوك الجنسي الصحيح ويلتزما بها.
ومن الأمور المهمة التي يجب أن يراعيها الوالدان، ألا يسمحا مطلقًا للأطفال بمشاهدة علاقاتهم الزوجية. فقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « والذي نفسي بيده لو أن رجلا غشي امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا » (2)، وقد أولى الإسلام هذا الموضوع أهمية كبيرة ونصح الوالدين بمراقبة دخول الطفل إلى غرفتهم في ساعات الليل والنهار.
قال الله سبحانه وتعالی فی القرآن الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ﴾ (3).
كيف جئت إلى هذه الدنيا؟
هذا السؤال مشترك بين جميع الأطفال، وإن كان يختلف شكله باختلاف أعمارهم. فإذا جاءك ابنك وقال: "أين كنت؟ وكيف جئت؟"، فلا تقلق، لستَ بحاجة إلى شرح كل تفاصيل الولادة. يكفي أن تقول له: "كنت في بطن أمك، كانت تطعمك وتنميك، ثم جاء الطبيب وساعدك على الخروج من بطن أمك".
الطفل دون السادسة من العمر لا يهتم بكيفية الخروج من الرحم، ولا داعي لأن يتعجل الأهل في شرح ذلك. ولكن لاحقًا، قد يعود الطفل إلى طرح السؤال، وهنا يمكن أن تشرح له – إن كانت الولادة قيصرية مثلاً – بأن الطبيب أخرجك بواسطة أدوات خاصة من بطني، ويمكنك أن تُريه مكان الجرح إذا أردت.
لماذا جسمي مختلف عن جسم أختي؟
حين يسأل الطفل عن اختلاف الأجسام بين الذكر والأنثى، مثل سؤاله: لماذا جسمي يختلف عن جسم أختي؟، قد يرتبك بعض الأهل ويُجيبون إجابات خاطئة مثل: ما هذا السؤال؟! أو "هذا عيب! أو "حين تكبر ستفهم!. وهناك من يُعطي إجابات غير منطقية مثل: "لأنها صغيرة الآن! أو جسم الرضيع يختلف عن الكبير!...
النقطة الأهم هنا أن لا نخلق خيالات أو مفاهيم خاطئة في ذهن الطفل، لأن مثل هذه الإجابات قد تترك أثرًا سلبيًا في شخصيته لاحقًا، كأن يُصاب بنفور من جنسه أو يُعاني في علاقته المستقبلية مع شريكه، أو يتلقى المعلومة من أقرانه فيتشكك في والديه، أو يتساءل: هل أمي وأبي لا يحبّان جنسي؟.
الإجابة الصحيحة هي أن تقول له: كل فتاة وصبي لهم جسم مختلف. تمامًا كما أن والدك لديه شارب ولحية، وأنا لا أملك ذلك. الفرق بين الأجسام أمر طبيعي تمامًا.
النقطة الأساسية في الإجابة عن مثل هذه الأسئلة هي أن تكون الإجابة قصيرة، من دون الدخول في التفاصيل، وأن لا نترك السؤال بلا رد، وأن نُجيب بهدوء كي لا يشعر الطفل بالخجل أو تتضاعف فضوله، ولسنا مضطرين لقول كل الحقيقة، بل ما يناسب سنه ودرجة فهمه فقط.
ما هو أفضل وقت ومكان لتعليم الطفل حدود خصوصيته الجسدية؟
بحسب علماء النفس، الحمام هو أنسب مكان لذلك. أثناء غسل الطفل، يمكن الحديث بلطف عن جسده، كأن تقول له: ما شاء الله! جسمك نظيف وصحي! تذكر دائمًا أن جسدك ملك لك، ولا يحق لأحد أن يطلب منك أن ينظر إلى أجزاءك الخاصة أو يلمسها (ثم تشير إلى المناطق الخاصة).
وإذا كنا – أي الأم أو الأب – نساعدك في الاستحمام أو نطمئن على صحتك، فلا بأس في ذلك. الأجزاء الخاصة التي نتحدث عنها هي تلك التي لا يجوز لأحد غير الوالدين أو الطبيب (بحضور الوالدين) أن يراها أو يلمسها.
وإذا حاول أحد لمس جسدك أو النظر إليه دون سبب، فيجب أن تخبر أباك أو أمك فورًا، وهذا ليس سرًا أبدًا.
ومن الأمور الصغيرة والمهمة في تعليم الأطفال الصغار عن الخصوصية الجسدية:
أن لا يغيّر الطفل ملابسه أو يخلعها أمام الآخرين.
حتى الأطفال دون الثلاث سنوات يجب أن يعرفوا أن منطقة الحفاض هي منطقة خاصة.
لا تجبروا الأطفال على تقبيل أحد، حتى لو كان "خاله" أو "عمًّا".
لا تتركوا الأطفال مع الرجال، حتى وإن كانوا من المحارم.
علموا الأطفال أن يقولوا "لا" عند شعورهم بعدم الارتياح.
إذا كان لديكم مربية، أخبروها بشكل غير مباشر بأن المنزل مراقب بالكاميرات.
لا تمزحوا مزاحًا جنسيًا أمام الأطفال من عمر سنتين إلى خمس سنوات.
لا تكذبوا على الأطفال في المواضيع الجنسية، بل التزموا بطريقة التعليم الصحيحة التي ذُكرت.
دائمًا، اجعلوا من البيت مكانًا يشعر فيه الأطفال بالراحة للحديث، حتى عند ارتكابهم الأخطاء. بدلاً من الصراخ أو التوبيخ، تحدثوا إليهم بلطف، وذكّروهم بخطئهم وعلّموهم الصواب.
مثلاً، إن لاحظتم أن الطفل شاهد محتوى غير أخلاقي على الإنترنت، لا تُعاقبوه، بل علّموه أن الإنترنت فيه أماكن آمنة وأماكن خطرة، ومن الأفضل تصفح المواقع المناسبة تحت إشراف الأهل، وأن لا يتصل بالإنترنت بعد تحميل الألعاب. لا تُحمّلوه اللوم على خطئه، ولا تكذبوا عليه.
متى نتحدث مع الأطفال عن البلوغ؟
إن كنتَ من الأهل الذين يعتبرون هذه المواضيع من المحرَّمات ولا يجيزون الحديث عنها، فاعلم أن الأطفال يتحدثون عنها فيما بينهم قبل أن تفكر أنت بذلك. لذا، من الأفضل أن تُبادر أنت بتقديم التوجيه المناسب بأسلوب تربوي صحيح.
السن الأفضل للحديث عن علامات البلوغ هو تسع سنوات، حيث يكون الطفل قادرًا على الفهم والاستيعاب.
لا تنتظر حتى تظهر عليه علامات البلوغ، فيُصاب بالخوف أو لا يعرف كيف يتصرف. بل اشرح له الأمر بشكل طبيعي وبسيط. ويفضّل أن يكون هذا الحديث من الوالد المماثل في الجنس، لأن ذلك يقوّي ثقته بنفسه.
في التربية الجنسية للمراهقين، على الوالدين أمران أساسيان:
تعريف المراهق بالجوانب البيولوجية الصحيحة للجنس كي يعرف كيفية عمل الأعضاء الجنسية وكيفية الحفاظ على صحتها.
تعليمه كيفية ضبط رغباته الجنسية ضمن الإطار الأخلاقي والثقافي لمجتمعه، ليبقى في مأمن من الانحراف والاضطرابات النفسية.
يمكن للوالدين الاستفادة من النصائح التالية في تربية أولادهم جنسيًا:
قدّموا لهم معلومات وافية عن البلوغ وما يصاحبه من تغيّرات، خصوصًا للبنات.
أوضحوا أن هذه التغيرات طبيعية ولا تدعو للقلق.
قد يؤثر البلوغ على علاقة الوالدين بالأبناء، فتظهر مشاكل نتيجة التغيرات العاطفية.
الفتيات يعبرن عن مشاعرهن بسهولة، أما الفتيان فيظهرون العصبية أحيانًا.
هذه التقلبات سببها التغيرات الهرمونية، وعلى الوالدين أن يقابلوا ذلك بالصبر واللين.
العلاقات الأسرية القوية والدافئة تساهم في حل هذه المشاكل العاطفية.
احترموا خصوصية أبنائكم مع الحرص على العلاقة القريبة معهم. واشرحوا للمراهق أن التغيرات البدنية ترافقها تغيرات عاطفية وسلوكية. وأوضحوا له أن مشاعره طبيعية وسليمة.
علّموه العلاقة بين المشاعر العاطفية النقية مثل المحبة والاحترام وبين الرغبات الجنسية. في الماضي، كان الفارق الزمني بين البلوغ والزواج قصيرًا، وكان ذلك يحل الكثير من المشاكل، أما اليوم، فالوضع اختلف.
وفي الختام، علينا أن نعلم أن الغريزة الجنسية موجودة في الإنسان منذ الطفولة، ولكن هدفها لا يتضح إلا عند البلوغ. فإذا قمنا بتعليم أبنائنا بشكل صحيح، فقد وجهنا فطرتهم إلى الطريق السليم.
تنمية هذه الفطرة وحمايتها تقي الطفل من الانحرافات الخلقية والسلوكية، ومنها الانحرافات الجنسية. فالآيات والروايات تؤكد أن الطفل يُولد بفطرة إيمانية وإلهية، ويملك ميلًا فطريًا نحو التوحيد. ولكن التربية الخاطئة من الأهل أو البيئة قد تُفسد هذه الفطرة وتُبعد الطفل عن فطرته الأصلية.
الأسئلة الشائعة
1. متى يبدأ الأطفال بطرح الأسئلة الجنسية، وما الطريقة الأنسب للإجابة عنها؟
يبدأون من عمر ٣ إلى ٦ سنوات، ويكفي الرد الهادئ والمبسط بما يناسب عمرهم.
2. ما الأسباب التي قد تؤدي إلى انحراف الطفل جنسيًّا رغم صغره؟
قلة التربية، المحتوى غير المناسب، والإهمال الأسري من أبرز الأسباب.
3. كيف يمكن أن نشرح للطفل الفرق بين الجنسين دون إحراجه أو تشويش ذهنه؟
نوضح أن أجسام البنات والأولاد مختلفة طبيعيًا كما يختلف الصوت أو الشعر.
4. ما هي الوسائل العملية لتعليم الطفل خصوصية جسده؟
نعلّمه أثناء الحمام أن جسده خاص، ولا يُسمح لأحد بلمسه دون إذنه.
5. متى وكيف نبدأ الحديث عن البلوغ مع أطفالنا بطريقة سليمة؟
في سن ٩، بأسلوب هادئ وطبيعي من الوالد المماثل في الجنس.
عزيزتي الأم، لا تهملي هذا الجانب من تربية أطفالك!
ابدئي اليوم بجلسة هادئة مع طفلك، اسمعي منه، طمئنيه، وكوني أول مصدر للمعلومة في حياته.
احفظي هذا المقال وشاركيه مع الأمهات من حولك، وكوني أنتِ النور الذي يُضيء طريق طفلك في زمن ازدادت فيه العتمة.
1. تحف العقول / لابن شعبة الحراني / الصفحة : ٣٥٦.
2. الكافي / للشيخ الكليني / المجلد : ٥ / الصفحة : ٥٠٠.
3. سورة النور : الآية : 58.
التعلیقات