النساء القدوة في القرآن: من أُمّ موسى إلى بنات شعيب النبي
نساء خالدات
منذ 11 ساعةأختي العزيزة، قصص النساء في القرآن الكريم ليست مجرّد أحداث تاريخيّة، بل هي دروس حيّة تصلح لكلّ زمان ومكان. ففي هذه المقالة نسلّط الضوء على أربع شخصيّات ذكرهنّ القرآن: أمّ موسى التي تلقّت وحي الإلهام فأنقذت ولدها، و أخت موسى التي ظهرت بذكاءٍ وحياءٍ في موقفها، و أمّ مريم التي قدّمت مثالاً في النذر والتقوى، و بنات شعيب وعلى رأسهنّ صفورا، اللواتي جمعن بين العفّة والمشاركة الاجتماعيّة. سنحاول أن نطبّق هذه النماذج على حياتنا اليوم كأمّهات وزوجات وبنات، لنرى كيف نربّي أبناءنا ونحفظ أنفسنا ونخدم مجتمعنا في إطار الشرع. تابعي القراءة لتجدي إضاءات عمليّة تمسّ حياتك اليوميّة.
إذا كنتِ تبحثين عن نماذج قرآنيّة واقعيّة تساعدك في تربية الأولاد، وتعليم الحياء والحجاب، والتوازن بين البيت والدور الاجتماعي، فهذا المقال يقدّم لك أمثلة واضحة مع خطوات قابلة للتطبيق في حياتك.
أمّ وأخت موسى (يوكابد ومريم)
يوكابد ودور الإلهام الإلهي للمرأة
يمكن اعتبار يوكابد أُمّ النبي موسى عليه السلام نموذجًا للمرأة التي شملتها عناية الله وإلهامه. وهذا دليل آخر على أنّ المرأة، كما الرجل، تستطيع أن تسلك طريق الكمال والسعادة حتى تبلغ مرتبة الخطاب واللطف الإلهي، وتؤدي دورها في المجتمع؛ كما فعلت يوكابد حين ساهمت في رعاية وحماية نبيّ الله. فهي من النساء المتميّزات اللواتي ذكرهنّ القرآن، وفي حجرها تربّى رجل أزال بساط الظلم والجور، وأنقذ بني إسرائيل المستضعفين من فرعون. وقد أوحى الله إلى هذه المرأة الجليلة:
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢)
ويقول القرآن في موضع آخر:
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (٣)
دور مريم في نجاة موسى
مريم أخت موسى عليه السلام إحدى البطلات في التاريخ، وقد أدّت دورها الإلهي في حماية أخيها من جهاز الظلم. فقد كلّفتها أُمّها أن تتابع تنفيذ الإلهام السماوي خطوةً بخطوة من أجل الحفاظ على حياة أخيها الرضيع. وبعد أن وضعت الأُمّ طفلها في الصندوق وألقته في النيل، أمرت ابنتها الذكية أن تتبعه، فتوجّهت الأُخت الشجاعة حتى وصلت إلى قصر فرعون. وهناك، حين كان القوم يبحثون عن مرضعة للطفل، قالت بلسانٍ عذب:
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُه (٤)
ويقول القرآن في موضع آخر:
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (٥)
وبهذا عاد موسى إلى حضن أُمّه برعاية فرعون، وتجسّد مرةً أخرى الدور الإلهي لأخته. ويكشف القرآن الكريم في هذه القصة عن الدور الاجتماعي للمرأة.
زوجة عمران
دور حنّة في تربية مريم عليها السلام
لقد أثبتت التجربة أنّ من رحم الأُمّهات الطاهرات المؤمنات يخرج الأبناء الصالحون الذين يصبحون قدوةً للبشرية. وقد تجلّى هذا الأمر في شخصية مريم العذراء عليها السلام وأُمّها حنّة، حيث لا يمكن إغفال أثر أُمّها في تكوين شخصيتها. كانت حنّة من النساء الصالحات العابدات. مرّت سنوات طويلة ولم يُرزق لها ولد. جلست يومًا تحت شجرة فرأت طائرًا يطعم فراخه، فأثار هذا المنظر في قلبها نار الشوق للأمومة، فتوجّهت بصدق إلى الله تطلب ولدًا. ولم تمض فترة طويلة حتى استجاب الله دعاءها وحملت. وعندما حملت بمريم (ع)، نذرت جنينها لخدمة بيت المقدس، فقال الله تعالى:
إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦)
وعندما وُلدت الطفلة، وكانت الأُمّ تظن أنّها ستلد ذكرًا استنادًا إلى بشارة زوجها عمران، فوجئت بأنّها أنثى، وقالت:
قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ (٧)
لكنّ الله قبل نذر هذه الأُمّ الصالحة، كما يروي القرآن:
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا (٨)
وكان خطاب الله لمريم وقبول نذرها دليلاً على عبوديتها وتقواها. وهكذا يقدّم لنا سلوك حنّة مثالًا في الورع والإيمان.
بنات شعيب
الحضور الاجتماعي لبنات شعيب مع الحجاب
من النساء اللواتي أثنى عليهنّ القرآن، بنات النبي شعيب عليه السلام. فقد كنّ يرعين الغنم لأبيهنّ، وهذا بحد ذاته دليل على مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وفي قصّتهنّ، يبيّن القرآن حضور المرأة في المجتمع مع الحفاظ على الحجاب. فعندما كان رعاة مدين يسقون أغنامهم، كانت بنات شعيب يقفن على استحياء ينتظرن حتى ينصرف الرجال ليتمكّنّ من سقي أغنامهنّ. وعندما وصل موسى عليه السلام إلى هناك، لاحظ أنّ الرعاة لم يتركوا للفتيات مجالًا، فجاء حواره معهنّ:
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٩)
آية أخرى تبيّن حضور بنات شعيب في المجتمع مع العفّة والحجاب
عندما روت بنات شعيب قصة مساعدة موسى لأبيهنّ، أرسل شعيب صفورا (إحدى بناته) لتدعوه. فجاءت صفورا إلى موسى بحياءٍ كاملٍ وحجابٍ تام لتبلّغه دعوة أبيها:
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (١٠)
إنّ بنات شعيب كنّ قدوة صالحة في الجمع بين النشاط الاجتماعي من جهة، وحفظ القيم الدينية من جهة أخرى، وهنّ نموذج يمكن أن يكون درسًا للنساء المسلمات اليوم.
اقتراح إداري من صفورا
دخل موسى بيت شعيب، بيتًا ريفيًا بسيطًا طاهرًا تملؤه الروحانية. وبعد أن قصّ قصته على شعيب، وتبيّن أنّه قويّ أمين، بادرت صفورا أو صفرا – كبرى بناته – لتقترح على أبيها أن يستأجره، فقالت:
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (١١)
ولكن من أين علمت هذه الفتاة أنّ هذا الشاب قويّ وأمين مع أنّها تراه لأوّل مرّة ولا تعرف ماضيه؟ الجواب واضح: قوّته ظهرت حين أبعد الرعاة عن البئر ليستخرج حقّهما وحده، وأخرج الدلو الثقيل من البئر بيده. وأمانته ظهرت عندما لم يرضَ أن تمشي الفتاة أمامه في طريق بيت شعيب، خشية أن تحرّك الريح ثيابها. هذا المعنى ورد في رواية عن تفسير علي بن إبراهيم، حيث قال:
لمّا سأل شعيب ابنته: القوّة بيّنة من رفعه الدلو الكبير، لكن من أين الأمانة؟ قالت: لأنّه لم يرضَ أن يمشي خلف النساء. (١٢)
في الجملة القصيرة التي نطقت بها ابنة شعيب عن موسى لاستخدامه، لُخّصت أهمّ وأصيلة شروط الإدارة:
القوّة: ليس المقصود بها القوّة الجسدية فقط، بل القدرة على تحمّل المسؤولية، وإتقان مجالات العمل، والإحاطة بالدوافع، والقدرة على التخطيط، والابتكار، وتنظيم الأعمال، وتحريك الطاقات نحو الأهداف.
الأمانة: المدير الصالح لا بدّ أن يجمع بين القوّة والأمانة معًا. فالمتخصّص الخائن والعارف غير الأمين يدمّران كما يفعل الجاهل الصالح. إذا أُريد إفساد بلدٍ ما، يكفي أن تُسلّم أموره لواحدٍ من هذين: إمّا مدير خائن، أو صالحٍ غير كفوء. كلاهما يوصِل إلى النتيجة نفسها. منطق الإسلام أنّ كلّ عمل يجب أن يُسلَّم إلى القوي الأمين، حتى يقوم نظام المجتمع. وإذا نظرنا في أسباب سقوط الحكومات عبر التاريخ، وجدنا أنّ العامل الرئيس هو تسليم الأمور إلى أحد هذين الفريقين.
دروس من قصص النساء في القرآن
من خلال قصص بعض النساء كزوجة فرعون والسيدة مريم عليها السلام نتعلّم أنّ المرأة، كما الرجل، تستطيع أن تبلغ أعلى درجات الكمال الإنساني، حتى تُطرح قدوة للمؤمنين والمؤمنات، وتصل إلى مقامات معنوية كأنبياء الله، بل أرفع من بعض الأنبياء. فالقرآن يضرب مثلاً للمؤمنين بامرأة فرعون، وهذا يدلّ على علوّ مقامها. انظروا إلى همّتها العالية، كيف لم تلتفت إلى نعيم الدنيا، ولم تطلب من الله سوى:
أن يجعل لها بيتًا عنده. أرادت جوار الله ورضاه، وتبرّأت من فرعون وزبانيته الظالمين، وسألت الله أن ينجيها من عواقبهم السيئة. هذه المرأة لم تكن زوجة نبيّ ولا مرتبطة ببيت الوحي والنبوّة، ومع ذلك بلغت هذه الدرجات السامية.
نموذج آخر: السيدة مريم سلام الله عليها
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (13)
يُعدّها القرآن من الذين بلغوا مقام الصدّيقين. وهذا يدلّ على أنّها وصلت إلى درجة الأنبياء الذين مدحهم الله لأنّهم نالوا هذا المقام.
ومن قصّة بلقيس نستفيد أنّ النساء، كما الرجال، قد يبدأن طريقهنّ بالخطأ والانحراف، لكن بإمكانهنّ العودة إلى الحق والهداية. فبلقيس، ملكة سبأ، مع ما كانت تملكه من ملكٍ عظيم وعرشٍ كبير (14)، اهتدت وتركَت عبادة الشمس (15)، وعادت إلى الطريق المستقيم فكانت عاقبتها حسنة.
الإلهام الإلهي للنساء
والأعظم أنّ بعض النساء شملتهنّ إلهامات خاصة تكشف لهنّ شيئًا من الغيب. فوالدة موسى مثلًا أُلهمت بالوحي الإلهي أنّ ابنها سيُلقيه اليمّ إلى الساحل، وأنّ عدوًّا لله سيأخذه، ثم يعيده الله إليها، ويجعله من المرسلين. (16)
الخطوة التالية لكِ
اختاري هذا الأسبوع قصّة من القصص الواردة (مثل قصّة أمّ موسى) واقرئيها مع أبنائك، واطلبي منهم أن يذكروا خُلُقاً واحداً يتعلّمونه منها.
اجعلي لنفسك خُلُقاً قرآنيّاً محدّداً (كالحياء أو الأمانة) ودرّبي نفسك عليه خلال أيّام الأسبوع.
شاركي المقال مع صديقتين مؤمنتين، واتفقي معهنّ على تطبيق نقطة عمليّة واحدة في حياتكنّ.
1. الوحي بمعنى الكلام الخفي السريع، ويُستعمل في القرآن في كلام الله تعالى مع بعض مخلوقاته عن طريق الإلهام أو إلقاء المعنى في القلب، كما في قوله تعالى: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها﴾ (الزلزال: ٥)، وقوله: ﴿وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ (النحل: ٦٨)، وقوله: ﴿وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى﴾ (القصص: ٧).
2. القصص: ٧.
3. طه: ٣٧-٣٩.
4. طه: ٤٠.
5. القصص: ١٢.
6. آل عمران: ٣٥.
7. آل عمران: ٣٦.
8. آل عمران: ٣٧.
9. القصص: ٢٣-٢٤.
10. القصص: ٢٥.
11. القصص: ٢٦.
12. تفسير نور الثقلين، لعبد علي بن جمعة العروسي الحويزي، ج٢، ص١٢٣.
13. التحريم: ١٢.
14. النمل: ٢٣.
15. النمل: ٢٤ و٤٣.
16. طه: ٣٩.
التعلیقات