لماذا تمنت السيدة مريم عليها السلام الموت
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 4 سنوات﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ﴿٢٣﴾ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴿٢٤﴾ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾. (1)
قد تمر بالإنسان ظروف صعبة وأمور لا يجد لها تبرير من نفسه فهنا لا يتسطيع الإنسان أن يجد مخرجاً لنفسه من هذا الأمر الذي قد واجهه، فعليه في كل الظروف أن يتوكل على الله؛ لأن كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾. (2)
نعم، في قضية ولادة نبي الله عيسى بن مريم عليهما السلام لقد نالت السيدة الطاهرة مريم بنت عمران نوع من القلق لما واجهت من الصعوبات في تلك اللحظة الحساسة وهي عندما جاءها المخاض وهي امرأة وحيدة فريدة لم يكن أحد بجانبها مع أن النساء يلجأن عادة في مثل هذه الحالة إلى المعارف والأصدقاء ليساعدونها على الولادة، إلا أن وضع مريم يختلف عن سائر الناس، ولم تكن تريد أن يرى أحد وضع حملها مطلقا، فإنها اتخذت طريق الصحراء.
ففي هذا الحال غمر كل وجود مريم الطاهر سيل من الغم والحزن، وشعرت بأن اللحظة التي كانت تخشاها قد حانت، تلك اللحظة التي مهما أخفيت فإنها ستتضح هناك، وسيتجه نحوها سيل سهام الاتهام التي سيرشقها بها الناس.
لقد كان هذا الاضطراب والصراع صعبا جدا، وقد أثقل كاهلها إلى الحد الذي تكلمت فيه بلا إرادة و ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾.
لقد خطرت في ذهن السيدة مريم عليها السلام في اللحظات الأولى هذه الأفكار، وتصورت بأن كل وجودها وكيانها وماء وجهها مهدد بالخطر أمام هؤلاء الناس الجهلاء نتيجة ولادة هذا المولود، وفي هذه اللحظات تمنت الموت، وهذا بحد ذاته دليل على أنها كانت تحب عفتها وطهارتها، وتهتم بهما أكثر من روحها، وتعتبر حفظ ماء وجهها أغلى من حياتها. (3)
لكن سرعان ما جاءها الخطاب من ﴿تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾.
ثم إنه سلّاها بقوله تعالى: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾(4) أي لا تتكلم مع أي أحد وهو سوف يتكفل برد الشبهة عنها بواسطة المعجزة التي سوف تظهر على يد وليدها وقرة عينها، وجعل الحكمة في تكفل عيسى بن مريم المهمة في رد الشبهة عن أمه أي تكلمه في المهد.
﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴿٢٩﴾ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾. (5)
عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: إِنَّ يَهُودِيّاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه.
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَ كُنْتَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ نَبِيّاً قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ؟ قَالَ:«نَعَمْ».
قَالَ: وهَؤُلاَءِ أَصْحَابُكَ الْمُؤْمِنُونَ مُثْبَتُونَ مَعَكَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا؟ قَالَ:«نَعَمْ».
قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِالْحِكْمَةِ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ، كَمَا تَكَلَّمَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَى زَعْمِكَ، وقَدْ كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ نَبِيّاً؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: «إِنَّهُ لَيْسَ أَمْرِي كَأَمْرِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، إِنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أُمٍّ لَيْسَ لَهُ أَبٌ، كَمَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ ولاَ أُمٍّ، ولَوْ أَنَّ عِيسَى حِينَ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لَمْ يَنْطِقْ بِالْحِكْمَةِ، لَمْ يَكُنْ لِأُمِّهِ عُذْرٌ عِنْدَ النَّاسِ، وقَدْ أَتَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وكَانُوا يَأْخُذُونَهَا كَمَا يُؤْخَذُ بِهِ مِثْلُهَا مِنَ الْمُحْصَنَاتِ، فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مَنْطِقَهُ عُذْراً لِأُمِّهِ». (6)
ــــ
1ـ سورة مريم: 23، 24.
قد تمر بالإنسان ظروف صعبة وأمور لا يجد لها تبرير من نفسه فهنا لا يتسطيع الإنسان أن يجد مخرجاً لنفسه من هذا الأمر الذي قد واجهه، فعليه في كل الظروف أن يتوكل على الله؛ لأن كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾. (2)
نعم، في قضية ولادة نبي الله عيسى بن مريم عليهما السلام لقد نالت السيدة الطاهرة مريم بنت عمران نوع من القلق لما واجهت من الصعوبات في تلك اللحظة الحساسة وهي عندما جاءها المخاض وهي امرأة وحيدة فريدة لم يكن أحد بجانبها مع أن النساء يلجأن عادة في مثل هذه الحالة إلى المعارف والأصدقاء ليساعدونها على الولادة، إلا أن وضع مريم يختلف عن سائر الناس، ولم تكن تريد أن يرى أحد وضع حملها مطلقا، فإنها اتخذت طريق الصحراء.
ففي هذا الحال غمر كل وجود مريم الطاهر سيل من الغم والحزن، وشعرت بأن اللحظة التي كانت تخشاها قد حانت، تلك اللحظة التي مهما أخفيت فإنها ستتضح هناك، وسيتجه نحوها سيل سهام الاتهام التي سيرشقها بها الناس.
لقد كان هذا الاضطراب والصراع صعبا جدا، وقد أثقل كاهلها إلى الحد الذي تكلمت فيه بلا إرادة و ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾.
لقد خطرت في ذهن السيدة مريم عليها السلام في اللحظات الأولى هذه الأفكار، وتصورت بأن كل وجودها وكيانها وماء وجهها مهدد بالخطر أمام هؤلاء الناس الجهلاء نتيجة ولادة هذا المولود، وفي هذه اللحظات تمنت الموت، وهذا بحد ذاته دليل على أنها كانت تحب عفتها وطهارتها، وتهتم بهما أكثر من روحها، وتعتبر حفظ ماء وجهها أغلى من حياتها. (3)
لكن سرعان ما جاءها الخطاب من ﴿تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾.
ثم إنه سلّاها بقوله تعالى: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾(4) أي لا تتكلم مع أي أحد وهو سوف يتكفل برد الشبهة عنها بواسطة المعجزة التي سوف تظهر على يد وليدها وقرة عينها، وجعل الحكمة في تكفل عيسى بن مريم المهمة في رد الشبهة عن أمه أي تكلمه في المهد.
﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴿٢٩﴾ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾. (5)
عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: إِنَّ يَهُودِيّاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه.
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَ كُنْتَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ نَبِيّاً قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ؟ قَالَ:«نَعَمْ».
قَالَ: وهَؤُلاَءِ أَصْحَابُكَ الْمُؤْمِنُونَ مُثْبَتُونَ مَعَكَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا؟ قَالَ:«نَعَمْ».
قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِالْحِكْمَةِ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ، كَمَا تَكَلَّمَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَى زَعْمِكَ، وقَدْ كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ نَبِيّاً؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: «إِنَّهُ لَيْسَ أَمْرِي كَأَمْرِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، إِنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أُمٍّ لَيْسَ لَهُ أَبٌ، كَمَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ ولاَ أُمٍّ، ولَوْ أَنَّ عِيسَى حِينَ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لَمْ يَنْطِقْ بِالْحِكْمَةِ، لَمْ يَكُنْ لِأُمِّهِ عُذْرٌ عِنْدَ النَّاسِ، وقَدْ أَتَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وكَانُوا يَأْخُذُونَهَا كَمَا يُؤْخَذُ بِهِ مِثْلُهَا مِنَ الْمُحْصَنَاتِ، فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مَنْطِقَهُ عُذْراً لِأُمِّهِ». (6)
ــــ
1ـ سورة مريم: 23، 24.
2ـ سورة الطلاق: الآية 3.
التعلیقات