السياحة المتاحة للجميع وسياحة ذوي الإعاقة
سياحة وسفر
منذ 5 ثوانيتُعَدّ السياحة إحدى أكبر الصناعات وأكثرها نموًا في العالم، وهي تتوسّع باستمرار لتقديم تجارب شاملة وممتعة للجميع. وبمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة (3 ديسمبر)، نسلّط الضوء في هذا المقال على السياحة المتاحة أو سياحة ذوي الإعاقة، لنتعرّف إلى مفهومها وأهميتها وتحدياتها. ويُعدّ هذا النوع من السياحة عنصرًا محوريًا في تحقيق السياحة الخالية من العوائق وتعزيز السياحة للجميع، إذ يوفّر فرصًا متساوية للأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية أو الحركية أو الحسية، ويسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية، ورفع جودة الحياة، وترسيخ قيم الشمول في المجتمعات.
سياحة ذوي الإعاقة تهدف إلى توفير تجارب لا تُنسى وفرص متساوية للأشخاص ذوي القدرات المحدودة، بما يسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية وتقوية البنى التحتية وثقافة المجتمع. وفي هذا المقال نتعرّف أكثر إلى « السياحة المتاحة».
ما هي السياحة المتاحة؟ ولماذا هي مهمة؟
تعني السياحة المتاحة توفير المرافق والخدمات التي تُمكّن جميع الأفراد، بما في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة، وكبار السن، وغيرها من الفئات ذات الاحتياجات الخاصة، من استخدام المقاصد السياحية والاستفادة منها. وتعمل هذه السياحة، من خلال إزالة الحواجز الجسدية والاتصالية والسلوكية، على تحسين جودة الحياة للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة، كما تفتح سوقًا جديدة أمام صناعة السياحة.
وتُعدّ السياحة المتاحة إحدى الفروع الحديثة في صناعة السياحة، وقد صُممت بهدف إيجاد ظروف متكافئة لجميع الأفراد، وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة (مثل الأشخاص ذوي الإعاقة، كبار السن، أو العائلات التي لديها أطفال صغار). وتكمن أهمية هذا النوع من السياحة في خلق فرص متساوية، ورفع جودة حياة ذوي الإعاقة، وتوسيع سوق السياحة.
وكما قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ (1)، فإنّ السير في الأرض والسفر واكتشاف العالم هو أمرٌ موجَّه إلى جميع البشر دون استثناء، وحقٌّ طبيعي أودعه الله في الإنسان. ومن هذا المنطلق، تُعَدّ الاستفادة من الأرض واستكشاف مواردها حقًا مشتركًا لكل أفراد البشرية، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة.
المادة 7 من المدونة العالمية لآداب السياحة ناظرة إلى حق السياحة
المدونة العالمية لآداب السياحة هي وثيقة دولية صادرة عن منظمة السياحة العالمية (UNWTO)، تتضمن مجموعة مبادئ تُنظّم السلوك الأخلاقي في القطاع السياحي، وتهدف إلى ضمان السياحة المسؤولة والمستدامة واحترام حقوق جميع المشاركين، بما في ذلك المجتمعات المضيفة والسياح وذوو الإعاقة.
وقد ورد في هذه المادة ما يلي:
1. يتمتع جميع سكان العالم على قدم المساواة بالحق في التطلع إلى اكتشاف موارد هذا الكوكب والاستمتاع بها بصورة مباشرة وشخصية؛ كما أن المشاركة المكثفة والمتزايدة في السياحة الداخلية والدولية تعد أحد أفضل الطرق الممكنة للاستفادة من النمو المطرد في أوقات الفراغ، ولا ينبغي وضع المعوقات أمامها.
2. ينبغي النظر إلى حق الجميع في السياحة باعتباره ملازمًا للحق في الراحة والترفيه، بما يشمله ذلك من وضع حدٍّ معقول لعدد ساعات العمل، والحق في الحصول على إجازات دورية مدفوعة الأجر، وهو ما نصت عليه المادة 24 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (7 – د) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
3. ينبغي أن تساعد السلطات العامة على تنمية السياحة الاجتماعية، لا سيما السياحة الجماعية، التي تسهّل بدرجة كبيرة من إمكانية الترفيه والسفر والانتفاع من الإجازات.
4. ينبغي تشجيع وتسهيل السياحة العائلية وسياحة الشباب والطلبة وكبار السن، وسياحة المعاقين.
السياحة المتاحة وأهميتها
يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة تحديات كبيرة في مشاركتهم الحياتية بسبب القيود المفروضة على الوصول إلى الخدمات. وتشير الإحصاءات العالمية إلى أن 15% من سكان العالم من ذوي الإعاقة، وترتفع النسبة في الدول النامية أو التي شهدت حروبًا.
ويعاني ذوو الإعاقة في مجال السفر والسياحة من عدة مشكلات، أبرزها:
ضعف التهيئة البيئية في وسائل النقل.
غياب الفنادق المهيأة.
عدم ملاءمة مراكز التسوق والترفيه.
غياب الوصولية في المتاحف والمطاعم.
عوائق ثقافية واجتماعية تعمّق العزلة.
كما تشير المعطيات إلى أن تكلفة معيشة الأشخاص ذوي الإعاقة تزيد بثلاثة أضعاف تكلفة معيشة الآخرين، ما يضاعف التحديات.
تعريف التهيئة البيئية (Accessibility)
تعني التهيئة البيئية إتاحة المرافق والخدمات بحيث يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة استخدامها دون مساعدة. وتشمل: بناء منحدرات (رامبات)، استخدام مصاعد معيارية، تصميم دورات مياه واسعة ومناسبة، مراعاة احتياجات المكفوفين وضعاف البصر في المحتوى الرقمي.
وتُسهم التهيئة البيئية في تعزيز السلامة للجميع، بما في ذلك كبار السن، وفي إعادة دمج شريحة واسعة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، إضافةً إلى تعزيز ثقافة التعامل الإنساني.
المقاصد غير الصديقة لذوي الإعاقة
تفاقمت صعوبة الحركة في كثير من المدن بسبب سوء التخطيط العمراني، حيث: الأرصفة غير مناسبة، الجسور غير مهيأة، النظرة الخيرية أو الفوقية للإعاقة ما زالت سائدة.
وعلى الرغم من دخول حافلات حديثة مهيأة لذوي الإعاقة، فإن سوء تصميم المحطات والبوابات الإلكترونية جعل استخدامها صعبًا جدًا.
الفنادق ومراكز الإقامة
تشكل الإقامة عنصرًا رئيسيًا في السفر. وبينما تتوفر خيارات واسعة لغير ذوي الإعاقة، فإن الفنادق المناسبة لذوي الإعاقة غالبًا ما تكون فنادق فاخرة باهظة التكاليف، مما يجعلها خارج متناولهم.
أما مراكز الإقامة منخفضة التكلفة فهي غالبًا غير مهيأة، رغم إلزام القانون بتحقيق الحد الأدنى من متطلبات الوصولية. ومع ذلك، يمكن للمراكز البيئية ومراكز الضيافة منخفضة التكلفة—إذا تبنّت التهيئة—أن تستقطب فئات جديدة وتحقق أرباحًا مستدامة.
مراكز التسوق والمراكز الترفيهية
رغم التحسن الملحوظ في تصميم المراكز الحديثة، إلا أن التحديات أمام ذوي الإعاقة ما تزال كبيرة. وتشمل إجراءات التهيئة:
تخصيص مواقف خاصة.
توفير مسارات خالية من العوائق.
اختيار أرضيات مناسبة.
تصميم دورات مياه واسعة.
توفير كراسٍ متحركة لكبار السن.
وفي بعض الدول تُقدّم المراكز دراجات كهربائية (سكوتر) لتسهيل الحركة، مما يعزز الوصولية. كما تلتزم المتاحف والحدائق والمرافق السياحية باحترام حقوق ذوي الإعاقة في إطار السياحة الإنسانية.
غياب قواعد بيانات التهيئة البيئية
في كثير من الدول، تمتلك شركات متخصصة قواعد بيانات كاملة حول المناطق المهيأة، وتقوم بالتخطيط الشامل لسفر ذوي الإعاقة بما يشمل:
تحديد الوجهات.
توفير وسائل النقل المناسبة.
تقديم معلومات دقيقة عن مستوى الوصولية.
بداية السياحة بلا قيود
على الرغم من وجود العوائق، يواصل كثير من ذوي الإعاقة السفر وخوض المغامرات. وقد شهدت مجموعة (المغامرين ذوي الإعاقة) تجارب فريدة، مثل: التجديف بقوارب الكایاك، دخول الصحراء، الطيران الشراعي والغوص مع فرق محترفة.
هذه التجارب أثبتت أن الوصولية ليست حلمًا، وأن المثابرة قادرة على تجاوز الحدود، رغم ارتفاع تكاليف الرحلات وتأثيرها على عددها وتواترها.
الخاتمة
تُظهر المعطيات أن السياحة المتاحة للجميع ليست مجرد خيار إضافي، بل ضرورة إنسانية وأخلاقية لضمان حق السفر والاكتشاف الذي خُلق لجميع البشر دون استثناء، كما أكّده القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾. ومع استمرار العوائق العمرانية والخدمية، يبقى تطوير الوصولية والتهيئة البيئية مسؤولية مشتركة بين الحكومات، والقطاع السياحي، والمجتمع. إن بناء منظومة سياحية خالية من العوائق يضمن العدالة، ويرفع جودة الحياة، ويُسهم في ازدهار اقتصادي مستدام، ليصبح السفر حقًا فعليًا لكل إنسان، بما في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة.
إذا كنّا نؤمن فعلًا بأن السياحة حق للجميع، فعلى مؤسسات السياحة والفنادق والمراكز الترفيهية أن تبدأ من اليوم بخطوات عملية بسيطة مثل تهيئة المداخل، وتطوير الحمامات المناسبة، وتوفير وسائل نقل مهيأة. إن اعتماد معايير الوصولية ليس مكلفًا كما يظن البعض، لكنه استثمار طويل الأمد يفتح أبوابًا جديدة من الزوار، ويجعل القطاع أكثر إنسانية وربحية في آن واحد.
أسئلة وأجوبة
1) ما المقصود بالسياحة المتاحة؟
هي توفير مرافق وخدمات تمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن وغيرهم من الوصول إلى المقاصد السياحية دون عوائق.
2) لماذا يُعد تطوير الوصولية في السياحة أمرًا مهمًا؟
لأنه يضمن العدالة الاجتماعية، ويُحسّن جودة الحياة، ويوسّع سوق السياحة ليشمل شريحة مهمّة وواسعة من المجتمع.
3) ما أبرز التحديات التي يواجهها ذوو الإعاقة أثناء السفر؟
ضعف التهيئة البيئية في النقل، غياب الفنادق المهيأة، العوائق في المراكز الترفيهية، ونقص الوعي الاجتماعي.
4) كيف تسهم التهيئة البيئية في تحسين السياحة؟
تمكّن الأشخاص من استخدام المرافق دون مساعدة، وتزيد من السلامة، وتشجع فئات جديدة على السفر.
5) هل الاستثمار في السياحة المتاحة مكلف؟
غالبًا لا، فالكثير من إجراءات التهيئة بسيطة وبتكلفة قليلة، لكنها تجذب زوارًا أكثر وتحقق أرباحًا طويلة المدى.
1. سورة العنكبوت / الآية : 20.













التعلیقات