عزاء بني أسد
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتيُذكر أنّ عزاء بني أسد هو أحد أقدم العزاءات، ومن أهمّ الموروثات الحسينيّة التي دأبت على إقامتها العشائر والقبائل من داخل وخارج كربلاء، ويذكر المؤرّخون أنّ نساءً من قبيلة بني أسد حضرن يوم الثالث عشر من محرّم الحرام عام 61 للهجرة إلى الغاضرية -حيث الواقعة العظيمة-(1)،
فوجدن الأجساد الطاهرة للإمام الحسين وآله صلوات الله عليهم وصحبه الأبرار رضوان الله عليهم، وهم باقون على رمضاء كربلاء بلا دفن، فأسرعن في العودة إلى رجال بني أسد، ونَدَبْنَهُم، وحثَثْنَهم لدفن الأجساد، وهنّ معولات لاطمات، وما إن حضروا للدفن واجهوا مشكلةً، وهي أنّ الأجساد كانت بلا رؤوس، فلم يعرفوا أصحابها، فبينما هم في حيرتهم وإذا بفارسٍ قد أقبل من جهة الكوفة، وأَمَرَهم بمساعدته على دفن الأجساد، وبعد الانتهاء عرّفهم بنفسه أنّه الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام.(2) ومنذ ذلك الحين دأب بنو أسدٍ في كربلاء المقدّسة على الخروج بموكبِ عزاءٍ يجسّد واقعة الدفن وفي نفس تاريخها.
وللنساء الحصة الأكبر في العزاء حيث كانت لهنَّ مشاركة واسعة وعظيمة في المسيرة الحاشدة؛ إذ خرجن بالآه والأنين لمواساة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ولتعزية السيدة زينب الحوراء عليها السلام بالمصاب الجلل.
وكانت النساء قد اعتدن على إحياء ذكرى الثالث عشر من محرم الحرام، وهي ذكرى دفن الأجساد الطاهرة والخروج سنويا منذ المصاب في الواقعة الأليمة لاستشهاد سيد الشهداء الامام الحسين مع صحبه وبنيه عليهم السلام في معركة الطف الخالدة في كربلاء المقدسة.
وعن كيفية مشاركة النساء في هذا العزاء المهيب شاهدنا بأم أعيننا حضورهن بحالة يرثى لها، وتُبكي كل من يشاهد ذلك المنظر، حيث يخرجن بحالة العزاء باكيات نائحات لاطمات على الخدود، ويلطخن عبايتهن بالطين، ويرفعن أصواتهن بالبكاء والعويل، ويندبن ابن بنت رسول الله معزيّات ومواسيات لزينب الكبرى والنساء المسبيات.
ويحملن بعض الأدوات الخاصة بمراسيم الدفن كالمجاريف والفؤوس والزبلان؛ وذلك لإثارة المشاعر واستذكار الحادثة.
وفي عام 1975م عندما مَنَعَت السلطةُ الدمويّة البعثيّة السابقة إقامة الشعائر الحسينيّة في العراق، فمنعت أيضا هذه الشعيرة، واستمر الأمر حتّى سقوط هذه السُّلطة، حيث عادت في عام 2004 م. بإحياء مراسيم هذه الشعيرة، والتحقت بها مجموعةٌ من القبائل والعشائر من محافظة كربلاء ومناطق الفرات الأوسط لتشكيل موكب عزاء ضخمٍ ينطلق بعد صلاة الظهرين من الساحة المجاورة لمقبرة السيد محمد السيد عبود آل جودة المحنّا طاب ثراه، حيث يبدأ هذا العزاء من هذه المنطقة، ويتجه نحو الروضة الحسينية المقدسة ومن ثمّ إلى بين الحرمين، وينتهي العزاء في الروضة العباسية المقدسة.
ـــــــــــــ
1ـ الارشاد: ج2 ، ص 114.
2ـ مقتل الحسين عليه السلام: ص 320.
التعلیقات