المؤمن والخِصال الثلاثة في كلام الإمام الرضا عليه السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتكلّما أراد الإنسان أن ينجح في هذه الحياة يجب عليه أن يتخذ لنفسه نمط من الحياة يجعله في راحة بال، ويجعله يشعر بالسعادة، فعليه أن يأخذ الخصال الجيدة من أفراد ناجحين في حياتهم ويقلّدهم؛ لأان الإنسان لا تتاح له الفرصة على أن يجرب كل أساليب الحياة بنفسه، ويصل إلى النمط النموذجي ويستخدمه في حياته.
فهنا علينا أن نرجع إلى معدن العلم والحلم، ونرى ما يذكرون لنا في هذا المجال لتحسين نمط حياتنا فعلى سبيل المثال نذكر هذه الرواية الشريفة الواردة عن الإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا عليه السلام حيث قال: «لا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَتّى تَكُونَ فيهِ ثَلاثُ خِصال: سُنَّةٌ مِنْ رَبِّهِ، وَسُنَّةٌ مِنْ نَبِيِّهِ، وَسُنَّةٌ مِنْ وَلِيِّهِ، فَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ رَبِّهِ: فَكِتْمانُ السرِّ، وَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ نَبِيِّهِ: فَمُداراةُ النّاسِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ وَلِيِّهِ: فَالصَّبْرُ فِى الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ». (1)
1ـ فَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ رَبِّهِ فَكِتْمانُ السرِّ: من الدروس التي نستلهمها من هذه الفقرة في الرواية أن نحفظ الأسرار، وينبغي أن يُطبق هذا الدرس أحياناً حتى أمام الإِخوة، فدائماً تقع في حياة الإِنسان أسرار لو أذيعت، وفشت بات مستقبله أو مستقبل مجتمعه معرضاً للخطر، والمواظبة على حفظ هذه الأسرار دليل على سعة الروح وتملك الإِرادة، فكثير من ضعاف الشخصيّة أوقعوا أنفسهم أو مجتمعهم في الخطر بسبب إِفشاء الأسرار، وكم يرى الإِنسان من الإساة والضرر؛ لأنّه ترك حفظ الأسرار، فهذه الصفة يجب على الإنسان المؤمن أن يأخذها من المولى عزّ وجل، كما تعامل معنا وكتم أسرارنا، فلو علم أقرب الناس معايبنا كما يعلمها الله سبحانه وتعالى لم يبقوا معنا، ولكن بفضله وكرمه كتم الله هذه الأسرار؛ لكي تسير الحياة بشكلها الطبيعي.
وورد في الحديث عن الإِمام علي عليه السلام يقول: « أنجَحُ الأمورِ ما أحَاط بِهِ الكِتمانُ». (2)
2ـ وَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ نَبِيِّهِ فَمُداراةُ النّاسِ: مداراة الناس هي حسن صحبتهم واحتمال أذاهم، وعدم مجابهتهم بما يكرهون، وحيث أن عقول الناس مختلفة ومتفاوتة فمداراة الناس أن تتعامل معهم على قدر عقولهم أيضاً، كما كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يفعل ذلك مع الناس، فعلى الإنسان المؤمن أن يداري الناس؛ لكي يسلم من القيل والقال والأمور المكروهة، وأن يتودد إليهم، وقد ورد جاء في الخبر عن الإمام الرضا عليه السلام: «التودد إلى الناس نصف العقل». (3)
3ـ وَأَمَّا السُّنَّةُ مِنْ وَلِيِّهِ: فَالصَّبْرُ فِى الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ: لقد كان الإمام الرضا عليه السلام يعلم بأنّه سوف يُقتل، وذلك لروايات وردت عن آبائه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، إضافة إلى الإلهام الإلهي له، لوصوله إلى قمة السموّ والارتقاء الروحي. وقد أخبر الإمام عليه السلام جماعة من الناس بأنه سيدفن قرب هارون، وقيل إن هارون كان يخطب في مسجد المدينة، والإمام حاضر فقال عليه السلام: «تروني وإياه ندفن في بيت واحد». (4)
فيجب على المؤمن أن يصبر على البلاء في هذه الدنيا، ويقتدي بأهل البيت عليهم السلام، كما صبروا وكانوا يعلمون بكل شيء.
وحينما أنشده دعبل الخزاعي قصيدته – بعد ولاية العهد- وانتهى إلى قوله:
وَ قَبْرٌ بِبَغْدَادَ لِنَفْسٍ زَكِيَّةٍ * * * تَضَمَّنَهَا الرَّحْمَنُ فِي الْغُرُفَاتِ
قَالَ لَهُ الرِّضَا عليه السلام: «أَفَلَا أُلْحِقُ لَكَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ بَيْتَيْنِ بِهِمَا تَمَامُ قَصِيدَتِكَ.
فَقَالَ: بَلَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَال عليه السلام:
وَ قَبْرٌ بِطُوسٍ يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ * * * تَوَقَّدُ فِي الْأَحْشَاءِ بِالْحُرُقَاتِ
إِلَى الْحَشْرِ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ قَائِماً * * * يُفَرِّجُ عَنَّا الْهَمَّ وَالْكُرُبَاتِ
فَقَالَ دِعْبِلٌ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا الْقَبْرُ الَّذِي بِطُوسَ قَبْرُ مَنْ هُوَ؟
فَقَالَ الرِّضَا عليه السلام قَبْرِي، وَلَا تَنْقَضِي الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى تَصِيرَ طُوسُ مُخْتَلَفَ شِيعَتِي وَزُوَّارِي أَلَا فَمَنْ زَارَنِي فِي غُرْبَتِي بِطُوسَ كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْفُوراً لَهُ». (5)
ـــــ
1ـ بحار الأنوار: ج 75، ص 355.
2ـ ميزان الحكمة: ج 4، ص 427.
3ـ بحار الأنوار: ج 75، ص 335.
4ـ بحار الأنوار: ج 49، ص 63.
5ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2، ص 264.
التعلیقات