المسيح ليس ابناً لله عزّ وجل
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 4 سنواتهناك فكرة خاطئة ولكن مع الأسف مشتهرة بين المسيحيين بأنهم جعلوا نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا وآله السلام ابناً لله عزّ وجل، ولم تنحصر هذه الفكرة لديهم على نحو الحصر، كما أن اليهود لهم فكرة مشابه، حيث قالوا أن العزير هو ابناً لله تعالى أيضاً، والقرآن الكريم أجاب عليهم بعدة أوجه، وبيّن عدم صواب هذه الفكرة الخاطئة والمنحرفة.
فهنا نذكر ثلاثة أوجه يستدل بها على عبودية المسيح بن مريم وأمه عليهما السلام من القرآن الكريم:
١ ـ كيفيّة خلق المسيح واُمّه:
الوجه الأول هو الذي يستدلّ به القرآن الكريم على عبوديّته فقد تحدث الذكر الحكيم في سورة مريم عن كيفيّة خلق المسيح وما حدث لأمه في قضية حملها وإنجابها إياه إلى أن بعث بالرسالة، فيقول سبحانه :
﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾ إلى أن يقول: ﴿ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾. (1)
ولو تمّسك الخصم على عدم بشريته بأنّه ولد من غير أب فرأيه يفند، والدليل عليه خلقة آدم عليه السلام، فقد خلق من غير اُمّ وأب، قال سبحانه: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾. (2).
٢ ـ طبيعة عيشهما في المجتمع:
فيلمح إليه ما ورد بأنّ المسيح و اُمّه كانا يعيشان شأنهما كشأن سائر بني آدم ولايحيدان عنها قيد شعرة، قال سبحانه وتعالى: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ (3) فمِن الواضح تماما مَن يأكل الطعام لا يكن إلٰه العالمين.
٣ ـ تصريح المسيح بعبوديّته:
يشير إليه قوله سبحانه: ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّـهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾ (4).
وليس بوسع إنسان أن ينكر عبادة المسيح وهي آية وجود المعبود له وهناك كلمة قيّمة للإمام عالم آل محمد علي بن موسى الرضا عليه السلام في مناظرته مع الجاثليق.
قال الإمام عليه السلام: («يا نصراني، والله! إنّا لنؤمن بعيسىٰ الذي آمن بمحمد وما ننقم على عيسىٰ شيئاً إلّا ضعفه وقلّة صيامه وصلاته».
قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعّفت أمرك وما كنت أظن إلّا انّك أعلم أهل الإسلام.
قال الرضا عليه السلام: «وكيف ذلك؟»
قال الجاثليق: من قولك إنّ عيسىٰ كان ضعيفاً قليل الصيام والصلاة وما أفطر عيسىٰ يوم قط وما نام بليل قط وما زال صائم الدهر قائم الليل.
[هنا وجد الإمام فرصته لإبطال تأليه عيسى، فإذا كان إلهاً، فلماذا يتعبد؟ هل يعبد نفسه؟!]
قال الرضا : «فلمن كان يصوم ويصلّي؟».
[وانتبه الجاثليق إلى الاستدراج الذي وقع فيه والتناقض الذي حصل في كلامه فلم يحر جواباً]
فخرس الجاثليق وانقطع(. (5)
إنّ الذكر الحكيم يصرّح بأنّ المسيح سوف يعترف يوم البعث بعبوديّته على رؤوس الأشهاد، وأنّه لم يأمر قطّ الناس بعبادة نفسه: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾. (6)
و قال عزّ اسمه حاكياً عنه: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾. (7) (8)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة مريم: 23ـ 34.
2ـ سورة آل عمران: الآية 59.
3ـ سورة المائدة: الآية 75.
4ـ سورة النساء: الآية 172.
5ـ الاحتجاج: ج 2 ص 203 و 204.
6ـ سورة المائدة: الآية 116.
7ـ سورة المائدة: الآية 117.
8ـ لقد اقتبسنا أصل الفكرة وطريقة الاستشهاد بالآيات الكريمة من كتاب مفاهيم القرآن الكريم للشيخ جعفر السبحاني حفظه الله.
التعلیقات