لماذا سميت السيدة فاطمة عليها السلام بأمّ أبيها؟
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 4 سنواتفقد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والدته المكرّمة آمنة بنت وهب عليها السلام في طفولته، فحُرم من حنان الأم وعطوفتها، ولكن عوّضه الله سبحانه وتعالى بحنان آخر سد له هذا الفراغ بابنته سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، حيث كان النبي صلى الله عليه وآله: (يعظم شأنها، ويرفع مكانها، وكان يكنيها بأم أبيها)،(1) وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إن فاطمة تكنى بأم أبيها». (2)
سبب التسمية:
قد اختلف العلماء في معنى هذه الكنية العظيمة، ويمكن استفادة عدة معانٍ من قول رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة عليه السلام بأنّها أم أبيها، ومن تلك المعاني:
أوّلاً:
لأنّها كانت لأبيها بمنزلة الاُمّ في الحنان والعطف، والسعي في قضاء حوائجه، وخدمته وتلبية رغباته، وقد فقد النبي صلّى الله عليه وآله والدته في طفولته، فعوّضه الله تعالى عن حنان الاُمّ وعطوفتها بحنان فاطمة عليها السلام، فكان صلوات الله عليه يجد منها العطف والرقة والشفقة والأنس، فكانت بمثابة أمه من هذه الناحية.
ثانياً:
لعظمة مقامها ومنزلتها عند الله تعالى؛ فكان النبي صلّى الله عليه وآله يراها بمنزلة الاُمّ في التعظيم والاحترام؛ ولذا كان يقبّل يديها، ويقوم إجلالا لها إن دَخَلَتْ عليه، مُعَظِّماً وَ مُبَجِّلاً لشأنها ومقامه عند الله، و إذا سافرَ -صلى الله عليه وآله- كانَ آخرُ من يوادعه من أهلِه ابنتَهُ فاطمة عليها السلام، و إذا رجع من السفر فأوَّل مَا يَبتدِئُ بِها. فعن عائشة بنت طلحة، عن عائشة بنت أبي بكر قالت: ما رأيت من الناس أحدا أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وآله من فاطمة. فكانت إذا دخلت عليه رحب بها، وقبل يديها، وأجلسها في مجلسه. فإذا دخل عليها قامت إليه، فرحبت به، وقبلت يديه. ودخلت عليه في مرضه فسارها فبكت، ثم سارها، فضحكت فقلت: كنت أرى لهذه فضلا على النساء فاذا هي امرأة من النساء، بينما هي تبكي إذ ضحكت، فسألتها فقالت: «إذا إني لبذرة»، (3) فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله سألتها، فقالت: «إنه أخبرني أنه يموت؛ فبكيت، ثم أخبرني أني أول أهله لحوقا به؛ فضحكت». (4)
ثالثاً:
إظهار أفضلية الزهراء عليها السلام على نساء النبي صلى الله عليه وآله، فإذا كانت نساء النبي أمهات المؤمنين فهي أم أبيها.
رابعاً:
إنّ أمّ كل شيء أصله؛ فعليه يمكن أن يقال أنّ فاطمة عليها السلام هي أصل شجرة النبوة. كما قال الإمام الباقر عليه السلام: «الشجرة الطيّبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وفرعها عليّ عليه السلام، وعنصر الشجرة فاطمة عليها السلام، وثمرتها أولادها، وأغصانها وأوراقها شيعتها». (5) و كما أنّه لو لا العنصر ليبست الشجرة وذهبت نضرتها، فكذلك لو لا فاطمة لما اخضرّت شجرة الإسلام؛ فإنّ الشجرة تسمو، وتنمو بتغذيتها من أصلها.
وشجرة الشريعة الحنيفيّة قد سمت ونمت بمجاهداتها ودفاعها عن إمامها وبعلها الشريف المظلوم ومجاهدات أولادها وتضحياتهم. ولكن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لم يترك ذكْر والدته، وأنه كان يزور قبرها ، كما جاء ذلك في الخبر عن الشيخ المفيد: «لا خلاف بين الأمة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لما فرغ من حجة الوداع لاذ بقبر قد درس، فقعد عنده طويلا، ثم استعبر، فقيل له: يا رسول اللّه، ما هذا القبر؟ ! . فقال: هذا قبر أمي آمنة بنت وهب، سألت اللّه تعالى في زيارتها فأذن لي». (6)
نعم، وقد كانت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً بمنزلة الاُمّ الحنون للنبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، وقد تكفّلت النبي صلّى الله عليه وآله، وربّته، واهتمّت به اهتماماً عظيماً، حيث كانت تقدّمه على أولادها، وتؤثره على نفسها وزوجها وأطفالها سلام الله عليها. عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد! إن ربك يقرئك السلام، ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، وأما الحجر الذي كفلك فحجر أبي طالب. وفي رواية ابن فضال وفاطمة بنت أسد». (7)
-
ـ كشف الغمة: ج 2 ص 90.
-
ـ مقاتل الطالبيين: ص 29.
-
ـ « إني إذا لبذرة » البذر الذي يفشي السر، ويظهر ما يسمعه.
-
ـ بحار الأنوار: ج 43، ص 25.
-
ـ فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى: ص 205.
-
ـ الفصول المختارة للشريف المرتضى ص 131؛ البحار ج 10 ص 441 عنه.
-
ـ الكافي: ج 1، ص 446.
التعلیقات