خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) الأولى يوم عاشوراء
أبو مخنف الازديي
منذ 4 سنواتبعد أن صفّ ابن سعد جيشه للحرب، دعا الإمام الحسين (عليه السلام) براحلته فركبها، ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم:
أيّها النّاس ، اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإنْ قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النّصف ، كنتم بذلك أسعد ولمْ يكن لكم عليّ سبيل ، وإنْ لمْ تقبلوا منّي العذر ، ولمْ تعطوا النّصف من أنفسكم : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثمّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمّةً ثمّ اقْضُوا إليّ وَلاَ تُنظِرُونِ) (1)، (إِنّ وَلِيّيَ اللّهُ الّذِي نَزّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ)(2).
أيّها النّاس ، اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإنْ قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النّصف ، كنتم بذلك أسعد ولمْ يكن لكم عليّ سبيل ، وإنْ لمْ تقبلوا منّي العذر ، ولمْ تعطوا النّصف من أنفسكم : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثمّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمّةً ثمّ اقْضُوا إليّ وَلاَ تُنظِرُونِ) (1)، (إِنّ وَلِيّيَ اللّهُ الّذِي نَزّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ)(2).
فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين ، وبكى بناته [و] ارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن علي وعليّاً ابنه ، وقال (علیه السلام) لهما : «سكّتاهنّ ، فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ».
فلمّا سكتن ، حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله ، وصلّى على محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) وعلى ملائكته وأنبيائه. [قال الرأوي] : فوالله ، ما سمعت متكلماً قط قبله ، ولا بعده أبلغ في منطق منه. ثمّ قال (عليه السلام):
«أمّا بعد : فانسبوني فانظروا مَن أنا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألسّت ابن بنت نبيّكم (صلّى الله عليه [وآله]) ، وابن وصيّه وابن عمّه ، وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟ أوليس جعفر ، الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟ ...
أولمْ يبلغكم قول مستفيض فيكم ، أنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) قال لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنّة.
فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ ، فوالله ، ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه ...
وإنْ كذّبتموني ، فإنّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد السّعدي وزيد بن أرقم أو أنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) لي ولأخي ، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟».
فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف ، إنْ كان يدري ما يقول.
فقال حبيب بن مظاهر : والله ، إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً ، وأنا أشهد ، أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.
ثمّ قال لهم الحسين (عليه السّلام) : «فإنْ كنتم في شكّ من هذا القول ، أفتشكون أثراً بعد؟ أمَا إنّي ابن بنت نبيّكم؟ فوالله ، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري منكم ولا من غيركم ، أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة.
أخبروني ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟ ـ فأخذوا لا يكلّمونه ... ـ فنادى : يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحرّث ، ألمْ تكتبوا إليّ أنْ قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وطمّت الجمام وإنّما تقدم على جند لك مجنّد ، فأقبل؟!
قالوا له : لمْ نفعل
فقال (عليه السلام) : «سبحان الله! بلى والله ، لقد فعلتم». ثمّ قال عليه السلام:
قالوا له : لمْ نفعل
فقال (عليه السلام) : «سبحان الله! بلى والله ، لقد فعلتم». ثمّ قال عليه السلام:
«أيّها النّاس ، إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمني من الأرض».
فقال له قيس بين الأشعث : أوَلا تنزل على حكم بني عمّك؟ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه.
فقال الحسين (عليه السّلام) : «أنت أخو أخيك [محمّد بن الأشعث] أتريد أنْ يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.
عباد الله : (وَإِنّي عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ) (3) (أعُوذُ بِرَبّي وَرَبّكُم مِن كلّ مُتَكَبّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) (4)
ثمّ رجع فأناخ راحلته ، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها. (5)
1. سورة يونس / ٧١.
2. سورة الأعراف / ١٩٦.
3. سورة الدخان / ٢٠.
4. سورة المؤمن / ٢٧.
5. وقعة الطّف: أبو مخنف الازديي،ج: 1،ص: 209.
التعلیقات