البواعث الخارجية والموجبة للبكاء المختصة بالحسين ـ عليه السلام ـ
آية الله الشيخ جعفر التستري
منذ 14 سنةفي البواعث الخارجية والموجبة للبكاء المختصة به
وهي عشرة:
الاول: رؤية شبحه وظله في عالم الاشباح والظلال، بل رؤيته في عالم القدس، كما اتفق ذلك لادم عليه السلام حين شاهد الذر في عالم الذر، فمثّل الله تعالى له قضية كربلاء فبكى لذلك، ولما رأى ابراهيم (ع) ملكوت السموات والارض، رأى الاشباح الخمسة تحت العرش فأبكته رؤية الخامس.
الاول: رؤية شبحه وظله في عالم الاشباح والظلال، بل رؤيته في عالم القدس، كما اتفق ذلك لادم عليه السلام حين شاهد الذر في عالم الذر، فمثّل الله تعالى له قضية كربلاء فبكى لذلك، ولما رأى ابراهيم (ع) ملكوت السموات والارض، رأى الاشباح الخمسة تحت العرش فأبكته رؤية الخامس.
الثاني: سماع اسمه، كما قال عليه السلام ما ذُكرت عند كل مؤمن ومؤمنة الا بكى واغتم لمصابي فهو سبب بكاء لكل مؤمن.
الثالث: النطق باسمه، كما قال الانبياء ادم وزكريا عليهما السلام، في ذكر الحسين عليه السلام، تسيل عبرتي وينكسر قلبي، بل ما ذكره نبي او سمع باسمه الا واعتبر.
الرابع: النظر اليه، وقد تحقق هذا بالنسبة الى جده حينما رآه عند ولادته وبعدها، وقد قال ابوه عليه السلام ايضا حين نظر اليه وبكى: يا عبرة كل مؤمن، قال: انا يا ابتاه؟ قال: نعم يا بني.
فان كنا لم ننظر اليه في زمانه، فهل نظرنا اليه والى حالاته في كل مراحلها بل والى بهائه ببصائر قلوبنا؟ فان لم ننظر اليه فهو ينظر الينا، رحمة من الله تعالى الحكيم والرؤوف، بل وله عليه السلام نظرات خاصة الى شيعته ومواليه ممن تولوه بصدق وإقبال مرضي لدى الله تعالى.
ففي الصحيح: ان الحسين (ع) على يمين العرش، ينظر الى مصرعه والى زواره، وانه لينظر الى من يبكي عليه. ولا غرور من ان لا يحجب نظره البعد والجدران والدور.
الخامس: النظر الى مدفنه، كما قال الصداق (ع) " الحسين (ع) غريب بأرض غربة، يبكيه من زاره، ويحزن عليه من لم يزره، ويحترق له من لم يشهده، ويرحمه من نظر الى قبر ابنه عند رجليه،" فهل ترون مدفنه، قال العارف:
وكل بلدة فيها قبره وكربلاء كل مكان يرى
السادس: يمس بدنه وتقبيله، فانه مبك، ولقد تحقق هذا بالنسبة الى جده (ص) المصطفى، وفي مواضع خاصة، فقد كان (ص) يقبّل نحره فيبكي، ويقبل فوق قلبه فيبكي، وجبهته ويبكي، ويقبل اسنانه فيبكي، ويقبل كل بدنه ويبكي، فيقول (ع) " يا أبت لِمَ تبكي؟ قال (ص)) " اُقبل مواضع السيوف منك وابكي.
ولو سئل عن بكائه (ص) عند تقبيل ثناياه، لقال: اقبّل موضع نكث الخيزران، وأقبّل ما يتبسم ضاحكا عند رؤيته ابن زياد، وابكي لضحكه، ولو سئل (ص) لم تقبل فوق قلبه؟ لقال: موضع السهم المثلث.
ولكن قد ارادت اخته زينب عليها السلام في وقت ما تقبيل المواضع التي كان يقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم تتمكن، لان الاعضاء كانت ممزقة، خصوصا بعد تحقق الرض بالخيول، بل ولو لم يتحقق فقد رض بالسهام والسيوف والرماح والحجر والتقطّع كما قال عليه السلام: كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات، ولذا قيل على لسان السيدة زينب (ع) بالفارسية:
خاك عالم بسرم كز اثر تير وسنان جاي يك بوسه من در همه اعضاى تو نيست
نعم قد قبّلت موضعا واحدا من بدنه المبارك، ولم يقبّله المصطفى (ص)، فانها قبّلت النحر المنحور، والودج المقطوع، اي باطن ما قبّل النبي (ص) ظاهره.
ولذلك نادته حين وضعت وجهها على نحره المبارك، واخبرته بأن هذا حسين مقطّع الاعضاء، ثم اخبرته بأن هذا الحسين محزوز الرأس من القفا، ولكن من اين علمت بذلك؟
فيه وجوه:
الاول: ان تكون قد شاهدت ذلك حين ذبحه، لكنه خلاف ما يظهر من الروايات الدالة على انه (ع) امرها بالرجوع الى الخيام.
الثاني: ان تكون قد سمعت بذلك من الناس الذين حضروا ونقلوه او نادوه بذلك فسمعته، وهو بعيد ايضا.
الثالث: ان تكون قد استنبطت ذلك حين رأت الجسد الشريف، فإنها رأته مطروحا بكيفية علمت انه قد حزّ رأسه من القفا، وذلك انها رأته مكبوبا على وجهه، فعظمت مصيبتها بذلك، وان كانت مصيبتها بعُريه عليه السلام اعظم من اصل القتل، فلهذا نادت جدها الحبيب (ص) مخبرة بقتله وبأنه محزوز الرأس من القفا.
السابع: الانتساب اليه، فانه يورث للحزن والبكاء، حتى ان مسماره كان له تأثير في البكاء.
وذلك انه لما اتى جبرئيل (ع) بمسامير السفينة كلٌ على اسم نبي فسمّر بالمسامير كلها السفينة، الى ان بفيت خمسة مسامير لمقدمة السفينة، فلما اخذ نوح(ع) الاول بيده انار واشرق، فقال: هذا على اسم خاتم الانبياء محمد (ص)، وهكذا تحقق بالنسبة الى الثلاثة الاخرى، والتي كانت باسم عليا والزهراء والحسن عليهم السلام، فلما اخذ الخامس بيده ظهر منه دم، وتلطخت يده به، فقال جبرئيل (ع) هذا على اسم الحسيـن عليه السلام.
فاذا كان الحديد الحسيني يدمى، فلمَ لا تدمى القلوب اذا كانت حسينية؟
ثم من العجب ان تكون اسباب الفرح والسرور بالنسبة اليه كأسباب البكاء.
فحوريته الخاصة به في الجنان باكية، وعيده ولبسه الجديد فيه مبك لجده (ص)، ولعبه مبك، وفتحه في الحرب مبك لابيه (ع)، واكله طعاما طيبا مبك، بل الحمل به مبك، وولادته مبكية، والتهنئة بها مبكية، كما ورد كله في الروايات، الى ما غير ذلك.
الثامن: دخول شهر شهادته، اعني المحرم، فانه يورث الكربة واختناق العبرة في قلوب من والاه، اما ترى التأثير في شهره فغص شرب الماء على من رعى، او غصصت بالماء وشرقت او وقف في حلقك فلم تكد تسيغه؟
التاسع: ورود ارض مدفنه، فانه باعث كبير على الحزن والبكاء، وقد تحقق ذلك بالنسبة الى كل نبي ورد تلك الارض، وورد انه ما من نبي الا وقد زار كربلاء، وقال: فيك يدفن القمر الازهر
وكل منهم كان اذا ورد اعتلّ وضاق صدره، واصابغ الغم، واصابته بلية حتى يسأل ربه تعالى عن ذلك، فيوحى اليه: ان هذه كربلاء وان الحسين يقتل فيها.
وقد تحقق ذلك ايضا بالنسبة الى اهل بيته لما وردوا كربلاء ونزلوا، قالت ام كلثوم (ع) " يا اخي هذه بادية مهولة، فقال الحسين عليه السلام: ان ابي نام في هذه الارض فاستيقظ باكيا وقال: رأيت ولدي الحسين في بحر من الدم يضطرب، ثم قال: يا ابا عبدالله كيف تكون اذا وقعت الواقعة هاهنا.
العاشر: سماع اسم ارض مدفنه، وقد تحقق ذلك بالنسبة اليه (ع)، فانه لما ورد ارض كربلاء وسأل عن اسمائا، اخبروه باسماء عديدة، ثم قالوا: انها تسمى كربلاء، فاغرورقت عيناه المباركتان بالدموع وقال: اللهم اني اعوذ بك من الكرب والبلاء، هاهنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا، ومسفك دمائنا، ومذبح اطفالنا، فيها يراق دمي، وفيها تـُرى حرمي حواسرا عليهن من ثوب الذل سربال، وفيها تقتل ابطالي، وتذبح، وتستعبد الاحرار ارذال ".
حطوا الرحال بها يا قوم وانصرفوا عني فمالي عنها قط ترحال
الحادي عشر: شرب الماء البارد، وقد كان هذا من المبكيات دائما للامام الصادق وغيره من الائمة عليهم السلام، كما ورد عن داوود الرقي، قال: كنت عند الصادق (ع) فشرب ماء، واغرورقت عيناه المباركتين بالدموع، فقال عليه السلام: ما انغص ذكر الحسين للعيش، اني ما شربت ماء باردا الا وذكرت الحسين (ع) " الى اخر الحديث.
وقد نقل عن الحسين عليه السلام:
شيعتي شيعتي ما ان شربتم عذب ماء فاذكروني،
او سمعتم بغريب فاندبوني
الثاني عشر: شم تربته، فقد ابكى ذلك جده محمداً (ص) حين دخل عليه علي (ع) فرأى عينيه تفيضان.
فقال: دخلت على رسول الله (ص) وعيناه تفيضان، فقلت: بأبي انت وأمي يا رسول الله مالعينيك تفيضان؟ اغضبك احد؟ قال (ص) " لا، بل كان عندي جبرئيل (ع) فاخبرني ان الحسين يقتل بشاطيء الفرات، وقال لي: هل اٌشِمُكَ من تربته؟ قلت نعم، فمدّ يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها، فلم املك عيني ان فاضتا، واسم الارض كربلاء.
وكذلك الامام الرضا عليه السلام كما ورد عن ابي بكار، قال: زرت كربلاء واخذت من عند الرأس طينا أحمر، فدخلت على الرضا (ع (فعرضته عليه فأخذه في كفه، ثم شمه ثم بكى حتى جرت دموعه، ثم قال (ع) " هذه تربة جدي.
الثالث عشر: سماع مصيبة لشهيد او غريب او مظلوم، فانه مذكر بالحسين (ع) وقد قال عليه السلام:
او سمعتم بغريب او شهيد فاندبوني.
الرابع عشر: مصيبة عند سماعها او تصورها والتفكر فيها، ولتأثير هذا الوجه كيفيات عديدة وتختلف باختلاف السامعين، وتفصيلها في الفصل الاتي ان شاء الله تعالى.
التعلیقات