في محيط المرأة ـ باب المساواة
السيّدة مريم نور الدّين فضل الله
منذ 11 سنةيقول محمد العشماوي لقد قرأت كلاماً القي في شعبة هيئة الامم جاء منه :
« أن المرأة الشرقية ما تزال محجوراً عليها ، وان هناك فوارق وفواصل بينها وبين الرجال ، وإن مردَّ ذلك الى الدين الإسلامي ، ووقوفه عقبة في سبيل نهوض المرأة ومساواتها بالرجل ... الخ
».حقاً لقد مرَّت بالأمة الإسلامية فترات من الظلام ، أصاب المرأة فيها جانب من الحيف والإخضاع ، ولكن ذلك شذوذ اجتماعي وحيف من قبل القادة والحكام ، يعرض لكثير من الامم في بعض عصورها لعوامل طارئة ولا يلبث أن يزول.
فمن الحق عليَّ أن أجهر بأن الإسلام أول من مكّن المرأة في المجتمع الإنساني ، فليس بمجهول أن المرأة حين بزوغ نور الإسلام كانت في حضيض الذلة والانحطاط. ينكر عليها حق التوريث ، ويؤبى عليها أن تشترك في أي نظام من نظم المجتمع.
فأعلن الاسلام مساواتها بالرجل ، إذ رسم لها فروضاً واحدة في العبادات والمعاملات ، وجعلها بمنزلة واحدة في الحقوق والواجبات.
نري القرآن يخاطب المرأة والرجل على حدٍ سواء ، في شؤون العاجلة والآجلة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ ) وقال تعالى : ( المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ ... الصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ ... الخ ) ونراه يبيِّن أننا نشأنا جميعاً من نفس واحدة وأننا افترقنا جنسين لكي نؤلف شطري المجتمع البشري.
ونراه يعتز بالاسرة ويعبِّر عن الزواج بأنه الميثاق الغليظ. ونراه يدعو إلى المساواة بقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ ).
وان في حياة الرسول صلوات الله عليه ما يدلُّنا على أنه لا فرق بين امرأة ورجل في حق أو واجب. فقد بايعه النساء كما بايعه الرِّجال ، وقد استفتينه في شؤونهن كما استفتاه الرجال ، وفي عهد عمر كان الرجال والنساء جميعاً يدعون الى الاجتماعات العامة.
وما أن شُقًّ طريق الجهاد ، حتى انفتح للمرأة المسلمة باب وقفت فيه موقفاً إنسانياً يتعطر به ذكر التاريخ.
وما أن تحلقت حلقات العلم وطلبت رواية الحديث ، حتى اشترك النساء بالسهم الوافر ، فرويت عنهن الأحاديث ونقل عنهن الشرع ولم يخف أثرهن في سياسة أو اجتماع ... انتهى.
أطلق الإسلام حرية المرأة في جميع نواحي الحياة ، ولو وازنت أيها القارئ الكريم بين شرائع الغرب والشرق وشريعة الاسلام لتجلَّى لك أن الإسلام أبر بالمرأة وأكفل لحقوقها وأكثر افساحاً لحريتها من جميع الشرائع.
ومما لا ريب فيه أننا نحيا في ظل التشريع الإسلامي العظيم الذي حفظ للمرأة ما تطمح اليه من الحقوق.
وإذا كانت المرأة قد لقيت في بعض العصور اعناتاً وإجحافاً ، فليس الذنب ذنب التشريع الإسلامي. وإنما هو ذنب الذين حرموا المرأة حقوقها المكتسبة.
لذلك يجب علينا أن نستقي الحقوق والفرائض من منابعها الأصيلة الصافية. قبل أن تكدرها عهود العنت والشذوذ الاجتماعي.
« يقول محمد العشماوي: بماذا تطالب المرأة ؟.
بالثقافة ؟ : لقد فرض عليها الإسلام أن تتعلَّم.
بالميراث ؟ ، لقد أعطيت نصف حظ الرجل ، وليس هذا فيه تمييز للرجال ، وأكاد أقول : ان فيه محاباة للمرأة. فعلى الرجل أعباء النفقات.
فإن كان ثمة غنم يقابله كبير غرم. وكيف لا وقد رفعت عن المرأة أثقال الانفاق على نفسها وعلى ذوي قرابتها. !؟
ومن الإنصاف إذا أردنا الحكم على شيء أن نحكم عليه مجتمعاً متصلاً بمقدماته ونتائجه.
بقي للمرأة مطالبتها بالحقوق السياسية ، فهل حرمها الاسلام تلك الحقوق ؟
كلا بل أباح لها أن تباشر مختلف الاعمال. ويقول العشماوي أيضاً :
« وحسبنا دليلاً على حق المساواة وانه طبيعي لا ريب فيه أن الريف المصري يضم ١٥ مليون يعمل نصفهم من النساء عمل الرجال بجانب عملهن الخاص. وليس بعد هذا برهان على استطاعة المرأة العمل في الميدانين : الخاص والعام.
ولكن الريفية لم تتثقف ولم تتعلَّم ، ولذلك تعاني ضعفاً في القيام بمهمتها التي تبذل فيها جهدها كله. »
من العدل تكليف كل عنصر حسب قدراته وحاجاته ، لأن العدل هو وضع كل شيء موضعه.
فالقانون العادل والمشرِّع الحكيم ، هو الذي يعطي المرأة حسب تركيبها النفسي والجسدي ، لا يزيد على ذلك حتى لا يكون هضماً لحقوق الآخر ، وتكليفها بما لا تطيق ، أو إنقاصها من حقوقها فيكون هضماً لها وإجحافاً بحقها.
فالهرمونات التي تفرزها الغدد الصمَّاء لدى الرَّجل تؤثر في تكوينه الفزيولوجي وتعطيه قدرات جسمانية وقوة جسدية تؤهله لممارسة أعمال شاقة مرهقة.
وهذه الهرمونات لا تملكها المرأة ، مما أدَّى بها إلى بنية ضعيفة وإلى عدم تمكنها من مباشرة أعمال الرجل ، نظراً إلى نقصان قوتها الجسدية عنه.
وبالمقابل حباها الباري عز وجل بحنان فياض وقلب رقيق ، يخفق لكل من يستحق العطف والشفقة ، وهذا أكثر بكثير من عطف الرجل. مما جعلها مؤهلة لأن تقوم بدور المربي للجيل الصاعد. وتكون مربية لأبنائها تعطيهم من الحنان والعطف ما لو فقدوه لأنتج المجتمع اناساً مجرمين.
هذا الدور الذي لو فقده الاولاد من قبل الام ، لا يتمكن الرجل من القيام به ولو قصد ، وذلك لفقدان المؤهلات.
فالمرأة قد حباها الله رسالة جليلة هي إنشاء الجيل وتوجيهه فيجب أن نعدَّها لتأدية تلك الرسالة على خير الوجوه.
ولكي ندرك قيمة إعدادنا لها ، يجب أن نتمثل أن أبناءنا إذا نشأوا في بيئة جاهلة ، رضعوا الجهالة والخمول فلا تزداد بهم الامة إلا ضعفاً على ضعف ، والأمم لا تقاس مكانتها بعدد أبنائها وإنما تقاس بما لهم من كفاءات ومزايا وقوى في معترك الحياة.
وما دمنا لا نعني بإعداد المرأة وتعليمها وتهذيبها وتهيأتها لإخراج الجيل الصالح ، القوي باخلاقه ، السليم في عقله وجسمه ، فإنه لا رجاء في نهوضه. وسنبقى نعيش في فوضى ، ونسير بشق مائل نتعثر في خطانا ، ونستهدف للتداعي والسقوط.
فلتتعاون المرأة والرجل فإنه لا خير في مجتمعٍ لا يتعاون فيه الجنسان معاً ، وليكن العمل صالحاً كل واحدٍ بحسب فطرته وطبيعته.
التعلیقات