الصحة النفسية والمدرسة
موقع المنال
منذ 10 سنواتلا شك أن للمدرسة أهمية كبيرة في تحقيق النمو النفسي المناسب للتلميذ والإسهام في تحقيق
صحته النفسية لأن المدرسة تعتبر المؤسسة التربوية الثانية بعد الأسرة والتي ينتقل إليها الطفل وهو في السادسة من العمر حيث أصبح التعليم هدفاً اجتماعياً يقبل عليه الناس جميعاً بل يلح الآباء على توفيره لأبنائهم في ظل التقدم الاجتماعي والحضاري الذي يعيشه الإنسان المعاصر.
لذلك فإن المدرسة التي تستقبل الطفل في سن مبكرة نسبياً وتستمر في تربيته لسنوات طويلة من حياته لا بد أن تكون بيئة صالحة تساعد على تحقيق النمو النفسي السليم للطفل وأن تكون امتداداً للأسرة بكل ما فيها من إيجابيات وأن تحاول تصحيح الأخطاء التي ترتكبها الأسرة أحياناً بحق الأبناء.
في المدرسة يكتسب الطفل المعارف والمهارات والاتجاهات النفسية التي تسهم في تشكيل الجوانب الأساسية للشخصية وبقدر ما تكون هذه الجوانب متوازنة وتخدم عملية التكيف النفسي بقدر ما يكون الطفل أقدر على تحقيق الصحة النفسية في حياته الحاضرة والمستقبلية كما أن رسالة المدرسة الحديثة هي تحقيق هذه الأهداف.
وفي المدرسة تتحقق للتلاميذ فرص التفاعل الاجتماعي مع أقرانهم ومع الراشدين من معلمين وإداريين وفنيين وكلما حققت عملية التفاعل الاجتماعي الأمن والطمأنينة للطفل كانت المدرسة قادرة على تحقيق قدر مناسب من الصحة النفسية لتلاميذها، وفي المدرسة أيضاً يدرس التلميذ مجموعة من المناهج ويقوم ببعض النشاطات اللاصفية ولا بد أن تكون هذه المناهج وتلك النشاطات مناسبة بحيث يتحقق للطفل إشباع حاجاته والتعبير عن ذاته بأشكال مختلفة سواء كان عن طريق الرسم أو الموسيقى أو الكتابة الإبداعية.
يلعب المدرس دوراً رائداً في تحقيق الصحة النفسية للتلاميذ بمقدار ما يملك من خصائص ومهارات عقلية وانفعالية وتدريسية تجعله قادراً على أن يلعب هذا الدور الهام وأن يكون قدوة صالحة لتلاميذه يبث فيهم الأمن والطمأنينة والثقة بالنفس وهذا يقتضي منه أن يتقبل التلاميذ ويحنو عليهم ويعاملهم معاملة تتسم بالعدالة قبل كل شيء وأن يكون ناصحاً ومرشداً ويتسع صدره لما يصدر عنهم من سلوك فج ينقصه النضج والخبرة.
ولذلك تعتبر المدرسة المؤسسة التربوية الاساسية التي تتولى تربية الطفل وتعليمه لسنوات طويلة وقد أخذت المدرسة في الوقت الحاضر جزءاً كبيراً من دور الأسرة في هذا المجال، بل هناك اعتراف ضمني وصريح من قبل الوالدين بكون المدرسة تمتلك حق التربية والتأديب لدرجة أن بعض الآباء قد أعفوا أنفسهم من مهمة العناية بتربية الأطفال وتحقيق نموهم النفسي معتقدين أن المدرسة هي المسؤولة عن هذا الدور.
من هذا المنطلق لا بد أن تبادر المدرسة إلى القيام بدورها التربوي والتعليمي على الوجه الأكمل ولا يتحقق ذلك إلا إن كان في كل مدرسة مكتب للخدمات النفسية يتولى دراسة حالة الأطفال ممن لديهم صعوبات في مجال الدراسة أو مجال التكيف الشخصي أو الاجتماعي وهذه الخدمات النفسية لا بد أن يقوم بها متخصص في مجال الإرشاد النفسي حتى يستطيع أن يؤدي عمله على أفضل ما يرام.
تطور أهداف المدرسة
تجاوز دور المدرسة وظيفة تلقين المعلومات وأصبح يتناول شخصية التلميذ من مختلف الجوانب الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية وهذا الدور اقتضى أن يكون لدى المعلم معرفة رصينة بحقائق النمو والتربية والتعلم لأنها وسائله التي يستطيع بواسطتها أن يحقق رسالة المدرسة.
لقد تطورت أهداف المدرسة مع تطور النظرية في علم النفس وعلى الأخص مع تطور النظرية التي تحاول أن تفسر الطبيعة الإنسانية، وقد كان العقل هو المصدر الوحيد الذي يفسر من خلاله الفلاسفة من المهتمين بقضايا علم النفس الطبيعة الإنسانية باعتبار أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك العقل والتفكير والذكاء لذلك كان سلوك الإنسان رهيناً بالعمليات العقلية من تذكر وانتباه وتخيل وتفكير وقد شجع هذا الاتجاه على الاهتمام بالمعرفة وحدها باعتبارها الفضيلة الأساسية.
كان لهذه النظرية تأثير في التربية حيث كانت وظيفة وزارة المعارف الأساسية آنذاك شحن عقول الناشئة بالمعارف الكثيرة وساد اعتقاد في أوروبا أن تدريب ملكات العقل هو الهدف الأساسي وأن الوسيلة المثلى هي تعليم اللغة اللاتينية والرياضيات انطلاقاً من الإيمان بأن تفسير السلوك الإنساني يتم عن طريق العقل وحده، لكن تبين أن هناك أنواعاً كثيرة من السلوك لا تخضع للعقل فقط بل هناك جوانب غريزية تسهم في دفع الفرد إلى بعض أنواع السلوك.
نشطت نظرية الغرائز التي ترى أن الغريزة هي استعداد فطري يشترك فيه جميع أفراد النوع الواحد، وقد أسهم ماكدوغال في طرح عدد من الغرائز مثل: (الطعام، الهرب، المقاتلة، حب الاستطلاع.. إلخ) وبدأت محاولة تفسير السلوك الإنساني في ضوء ما لدى الفرد من غرائز وليس بناء على ما يمتلكه من ذكاء فقط، حتى الفروق الفردية بين الناس أصبحت تفسر في ضوء شدة الغرائز بين الناس.
بعد ذلك ظهرت النظرية الاجتماعية الثقافية في تفسير السلوك الإنساني والتي ترى أن الفرد يعيش في وسط اجتماعي وينمو في إطار الجماعة، لذلك فإن سلوكه لا يمكن تفسيره إلا في ضوء تأثير الجماعة التي نشأ فيها لأن عملية التنشئة الاجتماعية وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه تؤثر تأثيراً كبيراً في تشكيل سلوكه.
ومن دعاة هذا الاتجاه جماعة التحليل النفسي المحدثين أمثال: (سوليفان وهورني وفروم ومعظم المشتغلين في مجال علم النفس الاجتماعي)، وقد انعكس هذا الرأي على دور المدرسة حيث أصبحت المدرسة ترى أن دورها هو تنشئة الطفل على الإلتزام بالمعايير السلوكية السائدة في المجتمع، وقد عزز دعاة المدرسة السلوكية هذا الاتجاه بقولهم إن السلوك الإنساني متعلم برمته وأن طبيعة الإنسان رهينة بظروف التعلم التي يعيشها.
وتأثرت المدرسة بهذه النظرية فأصبحت تهتم بتقنيات التعلم وأصبح تدريب المعلم يتركز على إتقان وفهم قوانين التعلم وأهمية التعزيز في ترسيخ عملية التعلم، وقد جعل هذا الاتجاه في فهم الطبيعة الإنسانية واطسن يدعي أنه قادر على تكوين الفرد كما يشاء فيمكن أن يكون محامياً أو طبيباً أو لصاً.. إلخ.. وهذا الإدعاء بلا ريب لا يعطي الاهتمام لأية قوى ذاتية عند الطفل سواء أكانت عقلية أم انفعالية بحيث تستطيع التربية أن تلعب دورها في تحديد مستقبل الطفل واختياره لمجال النشاط الإنساني الذي يمكن أن يقوم به.
ثم جاء دعاة الاتجاه الإنساني وحاولوا تفسير الطبيعة الإنسانية من خلال دراسة وملاحظة الأشخاص الناجحين لمعرفة حقيقة هذه الطبيعة فتوصلوا إلى افتراضات مغايرة تماماً لكل ما قاله السلوكيون أو جماعة التحليل النفسي أو غيرهم، وكانت آراؤهم تشير إلى أن الإنسان كائن متميز عن كل الكائنات الأخرى فهو ليس كائناً بيولوجياً وحسب كما هو حال الحيوان والنبات، بل هو كائن يمتلك إلى جانب تكوينه البيولوجي العقل والوعي والإدراك والتمييز لذلك فإن سلوكه موجه ليس بالقوى البيولوجية بل بقوى من طبيعة عقلية، وبالقيم والمثل العليا التي يؤمن بها الفرد لأنها وحدها التي تعطي للإنسان معنى الإنسانية وتجعله أرقى الكائنات الحية على الأرض.
إن هذه الآراء أحدثت تأثيرها في أهداف المدرسة بحيث أصبحت المدرسة مؤسسة تهدف إلى إشباع حاجات الفرد الأساسية التي تساعده على تحقيق ذاته في نهاية المطاف، والحاجات الأساسية هي: الحاجات الفيزيولوجية، الحاجة للأمن، الحاجة للحب، الحاجة للانتماء الاجتماعي، الحاجة إلى التقدير والمكانة الاجتماعية، الحاجة للمعرفة والحاجة لتحقيق الذات، والإسهام في إشباع هذه الحاجات يحقق للطفل النمو النفسي السليم وبالتالي يستطيع الطفل أن يحقق قدراً مناسباً من الصحة النفسية.
ختاماً
نلاحظ أن أهداف التربية تلتقي مع أهداف الصحة النفسية فأهداف المدرسة تتلخص في تكوين شخصية التلميذ تكويناً شاملاً من النواحي الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية كما أن أهداف الصحة النفسية هي الوصول بالفرد إلى مستوى من التكامل في الشخصية يساعد التلميذ أو الفرد بوجه عام على تحقيق التكيف السليم ومن هنا ندرك أن العلاقة بين أهداف المدرسة وأهداف الصحة النفسية علاقة وطيدة لذا لا بد للمدرسة والتربية بوجه عام أن تحدث التأثير الإيجابي المرغوب عند التلاميذ.
التعلیقات