المسلمات الأوائل: الوعي والالتزام بتعاليم الاسلام
موقع ممهدات
منذ 10 سنواتالثقة بالنفس عند المرأة مرحلة بغذيها الإيمان بالله والوعي لتعاليم الإسلام ومبادئه وتشريعاته، فعلى المرأة
أن تثق بنفسها وتدرك أنها يمكن أن تكون صاحبة رأي مستقل عن الرجل حتى في مجال التشريع، فيمكن أن تبلغ درجة الاجتهاد وتكون فقيهة لأن الاجتهاد والفقاهة ليس وقفا على الرجال ومحظورًا على النساء، كما يمكن أن تكون راوية للحديث كما الرجل فإن التاريخ يذكر لنا أسماء المئات من النساء اللواتي روين الحديث عن الرسول (ص) وعن أهل بيته (ع):* كلبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية وهي من فواضل نساء عصرها روت عن النبي (ص) ثلاثين حديثا، أخرج لها منها في الصحيحين ثلاثة أحاديث أحدها متفق عليها، والثاني للبخاري والثالث لمسلم.
* وميمونة بنت سعد مولاة النبي (ص) التي روى لها أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
* ومعاذة أم سعد بن معاذ، ونفيسة بنت أمية بن أبي عبيدة بن همام الحارث(١) وغيرهن كثير بل قد بلغ عدد من لهن رواية من الصحابيات في الكتب الستة لأهل السنة مائة واثنتين وثلاثين امرأة.
يقول أحد الباحثين: "وكان للنساء الروايات -في القرون السابقة- منقبة ومفخرة انفردت بها عن الرواة، هي أنه لم يكن منهن امرأة اتهمت بالكذب أو الوضع، أو ترك حديثها، بينما وصف المئات من الرجال بهذه الأوصاف...".
قال الذهبي في أواخر كتابه (ميزان الاعتدال): "وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها، وعقد ابن عراق الكناني فصلًا سرد فيه أسماء الوضاعين، والكذابين، فبلغوا المئات، لم توجد فيهم امرأة واحدة، فحسب النساء بذلك فخرًا"(٢).
* ويمكن أن تكون معلمة للرجال إذا ما بلغت درجة عالية من العلم والفقه والمعرفة كما حصل للسيدة نفيسة(٣) ابنة الحسن الأنور ابن زيد الأبلج ابن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع) صاحبة المقام المشهور والمعروف بكراماته في القاهرة عاصمة مصر، والسيدة نفيسة من ربات العبادة والصلاح والزهد والورع حفظت القرآن الكريم، وتفسيره، ويروى أن الامام الشافعي لما دخل مصر حضر إليها وسمع عليها بالحديث، وكانت كثيرة البكاء، تديم قيام الليل، وصيام النهار، وكانت لا تأكل إلا في كل ثلاث ليال أكلة واحدة ولا تأكل من غير زوجها شيئًا.
وحجت ثلاثين حجة: وكانت تبكي بكاءً شديدًا وتتعلق بأستار الكعبة وتقول: إلهي وسيدي ومولاي متعتي وفرحتي برضاك عني، وقالت زينب بنت يحيى المتوج: خدمتُ عمتي نفيسة أربعين سنة فما رأيتها نامت الليل ولا أفطرت بنهار، فقلت لها: أما ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وقدامي عقبات لا يقطعها إلا الفائزون(٤).
ويقول الأستاذ عبد اللطيف فايد: كانت دارها مزار كبار العلماء في عصرها، يجلسون إليها، ويستمعون منها، ويناقشون مسائل العلم معها.... ومن العلماء الذين لم ينقطعوا من زيارتها للتزود من علمها إسماعيل بن يحيى المزني، وهو فقيه عالي المعرفة بالدين، كثير التلاميذ، ومن العلماء الذين داوموا على التعلم في مجلسها ثوبان بن إبراهيم، المعروف بذي النون المصري، وعثمان بن سعيد المصري، وعبد الله بن الحكم الذي انتهى إليه مجلس الإمام مالك، وكذلك عبد السلام بن سعيد الفقيه المالكي الذي غلب عليه اسم سحنون، ومنهم يوسف بن يحيى البويطي الذي أسند إليه الإمام الشافعي رئاسة حلقته في التدريس.
[...]
* وهكذا تتفوق المرأة على الرجال بالعلم والعمل والتقوى كما يمكن للمرأة أن تخوض ميادين الجهاد بلسانها ومواقفها إذا لم تجد سبيلا غير ذلك كما حصل للصديقة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين(ع) في مجلس ابن زياد حين سألتها شامتًا كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسن وأهل بيته؟ فقالت(ع): ما رأيت إلا جميلا أولئك قوم كُتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم فانظر لمن الفلج ثكلتك أمك يا ابن مرجانة!
وفي مجلس يزيد بن معاوية حيث قالت بكل شجاعة والسيّافون على رأسها: أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هوانا وبك وعليه كرامة، وإن ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك تضرب أصدريك(5) فرحًا، وتنفض فدوريك مرحًا، جذلان مسرورًا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلا أنسيت قول الله تعالى: ‹وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ›(6) أمن العدل يا بن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهنّ من رجالهنّ ولي ولا من حماتهن حمي... إلى أن تقول: وحسبك بالله حاكما وبمحمد(ص) خصيمًا، وبجبرائيل ظهيرًا، وسيعلم من سوّل لك، وأمكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلًا، وأيكم شر مكانًا وأضعف جندًا، ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك لكن العيون عبرى، والصدور حرّى... فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترخص(7) عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين(8).
* وكآمنة بنت الرشيد زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي التي أسمعت معاوية بن أبي سفيان في محاورتها معه كلامًا قارصًا، وجوابًا لاذعًا، وذلك أنه لمّا قُتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بعث معاوية في طلب شيعته فكان في من طلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراغ عنه، فأرسل إلى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين، ثم إن عبد الرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة، فقتله وبعث برأسه إلى معاوية، وهو أول رأس طيف في الإسلام، فلما أتى معاوية الرسول بالرأس بعث به إلى آمنة في السجن وقال للحرسي: احفظ ما تتكلم به حتى تؤديه إليّ، واطرح الرأس في حجرها ففعل هذا.
(فانظر إلى المرأة الثاكل التي قد أحاط بها الهم في السجن مدة سنتين من الزمان كيف كان موقفها؟) يقول التاريخ:
فارتاعت له ساعة (يعني هنيئة) ثم وضعت يدها على رأسها وقالت: واحزناه لصغره في دار هوان، وضيق مجلس سلطان، نفيتموه عني طويلا، وأهديتموه إليّ قتيلا، فأهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية، وأنا له اليوم غير ناسية، ارجع به أيها الرسول إلى معاوية فقل له ولا تطوه دونه، أيتم الله ولدك، وأوحش منك أهلك، ولا غفر لك ذنبك، فرجع الرسول إلى معاوية فأخبره بما قالت، فأرسل إليها فأتته وعنده نفر فيهم (إياس بن حسيل) أخو (مالك بن حيسل) وكان في شدقيه نتوء عن فمه لعظم كان في لسانه وثقل إذا تكلم، فقال لها معاوية: أأنت يا عدوة الله صاحبة الكلام الذي بلغني به؟
قالت: نعم غير نازعة عنه، ولا معتذرة منه، ولا منكرة له، فلعمري لقد اجتهدت في الدعاء إن نفع الاجتهاد، وإن الحق لمن وراء العباد وما بلغت شيئا من جزائك، وإن الله بالنقمة من ورائك، فأعرض عنها معاوية.
فقال إياس: اقتلها يا أمير المؤمنين! فوالله ما كان زوجها أحق بالقتل منها، فالتفتت اليه، فلما رأته ناتئ الشدقين ثقيل اللسان قالت: تبا لك، ويلك بين لحيتيك كجثمان الضفدع، ثم أنت تدعوه إلى قتلي كما قتلت زوجي بالأمس، إن تريد إلا أن تكون جبارًا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين.
فضحك معاوية منه ضحك سخرية ثم قال لها وقد أعجب بقوة قلبها: لله درك اخرجي ثم لا أسمع بك في شيء من الشام قالت: وأبي لأخرجن ثم لا تسمع بي في شيء من الشام فما الشام لي بحبيب ولا أعرج فيها على حميم، وما هي لي بوطن، ولا أحن فيها إلى سكن، ولقد عظم فيها دَيني، وما قرت فيها عيني، وما أنا فيها إليك بعائدة، ولا حيث كنت بحامدة، فأشار إليها ببنانه بعدما رأى أنه لو تكلم لأسمعته من قوارص لسانها، وقوارض بيانها ما لا يسعه سمعه -أن اخرجي- فخرجت وهي تقول: واعجبي لمعاوية تَلِف عني لسانه، ويشير إلى الخروج ببنانه، أما والله ليعارضنه عمرو -تعني زوجها- بكلام مؤيد شديد أوجع من نوافذ الحديد أو ما أنا بابنة الشريد(9).
* وكذلك طوعة جارية الأشعث بن قيس تلك المرأة التي قامت بعمل عجز وجَبُنَ الآلاف من رجالات الكوفة أن يأتوا بمثله، ألا وهو إيواء مسلم بن عقيل بن أبي طالب(ع) سفير الحسين بن علي(ع) إلى الكوفة؛ حيث أعلن ابن زياد أن من آوى مسلم بن عقيل أو تستر عليه فقد يرئت الذمة منه يعني يعرض نفسه للقتل والإعدام، وحين بقي مسلم بن عقيل وحيدًا لا ناصر معه ولا معين بل ولا دليل يدله على الطريق، حيث تفرق عنه ما يقرب من ثمانية عشر ألفًا من رجالات الكوفة الذين بايعوه، حتى ساقته يد الأقدار إلى باب هذه المرأة المؤمنة البطلة، وحين رأته واقفًا على باب بيتها يكفكف دموعه، ارتابت في أمره فسألته عن علة وقوفه فقال، بأنه عطشان فأخرجت إليه الماء فشرب قليلًا منه، ثم بكى ولم ينصرف عن باب منزلها، فقالت له: ألم تشرب الماء؟ اذهب إلى أهلك وعشيرتك فإني لا أُحِلُّ لك البقاء على باب داري فقال: أمة الله أنا لا أهل لي في هذا المصر ولا عشيرة فقالت: من أنت؟ فقال: أنا مسلم بن عقيل، وحينئذٍ لا تسأل عن حالها، صاحت: فداك أبي وأمي ونفسي ادخل على الرحب والسعة، فآوته في دارها، وكانت حريصة على كتمان أمره، غير أنّ ولدها (معقل) كان من عيون ابن زياد، فمشى إليه يخبره، فجاءته الخيول والرجال إلى بيت تلك المرأة، فخرج مسلم يقاتلهم حتى أثخنوه بالجراح وأخذوه مكتفًا إلى ابن زياد فأمر بضرب عنقه وإلقاء جثمانه من أعلى سطح الإمارة وسحب جثمانه في سوق الأغنام، وأمر بإلقاء القبض على تلك المرأة المؤمنة المضحية.
وهكذا تكون المرأة بالعلم والبصيرة في الدين، والعمل الصلاح والتقوى خيرًا من آلاف الرجال.
[...]
في الحديث الشريف "ما دام امرؤ شيئًا إلا ناله أو دونه" قد يكون عند الإنسان وعي وبصيرة في دينه، وثقته بنفسه وبربه، لكن لا تكون عنده إرادة وعزيمة لما يريد الوصول إليه، فحينئذ لا يحقق هدفه.
والحديث الشريف الذي ذكرناه قبل قليل يكشف لنا عن حقيقة مهمة وهي أنه عندما يريد الإنسان تحقيق شيء ما ويسعى في سبيل ذلك فإن سعيه يكلل بالتوفيق والتسديد فيصل إلى ما أراد أو قريبًا منه...
* والمرأة إذا ما أرادت أن تكون سباقة في مجالات الخير تستطيع بتلك الإرادة تحقيق ذلك، حتى لو عاشت في ظروف سيئة وصعبة فها هي آسية بنت مزاحم امرأة فرعون الطاغية المستبد الذي ادعى الربوبية ‹فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى›(10) وخضع له مئات الآلاف من الرجال والنساء خوفًا من بطشه، أو رغبة في عطائه، استطاعت وحدها أن تتمرد على طغيانه وجبروته، مع أنها كانت تعيش تحت هيمنته، وسلطانه وفي وسط لا يحسد عليه لكنها الإرادة الإيمانية، التي جعلتها تؤمن بالله وحده لا شريك له وتصدق برسالة نبيه موسى (ع) وتتخلى عن موقعها كملكة لمصر وعن مظاهر السلطة والترف والرخاء، وتتحمل فوق ذلك أشكال التعذيب والتنكيل حتى فارقت الحياة شهيدة محتسبة.
إنها امرأة ولكن خير من آلاف الرجال الخاضعين للاستبداد الفرعوني لذلك جعلها الله تعالى مضرب مثل لكل المؤمنين رجالاً ونساءً.
قال تعالى: ‹وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ›(11).
وهكذا تكون المرأة المؤمنة التي تستطيع بإرادتها ووعيها وإيمانها وعملها أن تغير كل عادة سيئة في مجتمعها وفي وسطها النسوي، وتدفع الثمن غاليًا من راحتها، وسمعتها، ومتاعها، محتسبة ذلك عند الله تكون خيرًا من آلاف الرجال المستسلمين للواقع الفاسد لا يعرفون شيئا سوى لغة الأكل والشرب والنوم واللهو كالبهيمة المربوطة هَمُّها علفها أو المرسلة شُغلها تَقَمُّمُهَا.
________________
(١)أعيان النساء: للحكيمي، ص٥٥١-٦٠٠-٦٠١-٦١٤.
(٢)جهود المرأة في رواية الحديث: ص٨٥، ط١، دار البشائر الإسلامية، بيروت.
(٣)ولدت بمكة المكرمة سنة ١٤٥ﻫ، ونشأت بالمدينة المنورة، ثم دخلت مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق حتى توفيت سنة ٢٠٨ﻫ.
(٤)أعيان النساء: للحكيمي، ص٦١٥.
(5)أصدريك: أي منكبيك.
(6)سورة آل عمران، الآية:١٧٨.
(7)أي لا تغسل.
(8)زينب الكبرى: للنقدي، ص٥١.
(9)أعيان النساء: للحكيمي، ص٢، نساء حول أهل البيت(ع).
(10)سورة النازعات، الآية:٢٤.
(11)سورة التحريم، الآية:١١.
التعلیقات