حقوق الاقرباء
موقع راسخون
منذ 10 سنواتالاقرباء: هم الاسرة التي ينتمي اليها الانسان، والدوحة التي تفرع منها وهم الصق الناس نسباً به
، واشدهم عطفاً عليه، وأسرعهم الى نجدته ومواساته.وقد وصفهم امير المؤمنين عليه السلام فقال: «ايها الناس انه لا يستغني الرجل وان كان ذا مال عن عشيرته، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه، وألمّهم لشعثه، واعطفهم عليه عند نازلة اذا نزلت به»(1)
وأفضل الاقرباء واجدرهم بالاعجاب والثناء هم: المتحابون المتعاطفون المتآزرون على تحقيق أهدافهم ومصالحهم.
وكلما استشعر الارحام وتبادلوا مشاعر التضامن والتعاطف كانوا اعز قدراً، وامنع جانباً، وأشد قوة على مجابهة الأعداء ومعاناة الشدائد والازمات.من أجل ذلك أولت الشريعة شؤون الاسرة عناية بالغة، ورعتها بالتنظيم والتوجيه لمكانتها الاجتماعية وازدهار حياته وأثرها في اصلاح المجتمع الاسلامي.
صلة الرحم:
وفي طليعة المبادئ الخلقية التي فرضتها الشريعة واكدت عليها صلة الأرحام، وهم (المتحدون في النسب) وإن تباعدت أواصر القربى بينهم وذلك بالتودد اليهم والعطف عليهم واسداء العون المادي لهم ودفع المكاره والشرور عنهم ومواساتهم في الافراح والاحزان.
واليك طرفاً من نصوص أهل البيت عليهم السلام في صلة الارحام ورعايتهم:
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله:
«اوصي الشاهد من امتي والغائب منهم ومن في اصلاب الرجال وارحام النساء الى يوم القيامة ان يصل الرحم وان كان منه على مسيرة سنة فانّ ذلك من الدين»(2)
وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: -
«من سره ان يمد اللّه في عمره، وان يبسط في رزقه، فليصل رحمه، فإنّ الرحم لها لسان يوم القيامة ذلق تقول: يا رب صل من وصلني واقطع من قطعني»(3)
وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: -
«من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعة: يصل رحمه، فيحبه اللّه تعالى، ويوسع عليه رزقه، ويزيد في عمره، ويدخله الجنة التي وعده»
وقال ابو عبد اللّه عليه السلام: «ما نعلم شيئاً يزيد في العمر الا صلة الرحم، حتى أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين، فيكون وصولاً للرحم، فيزيد اللّه في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة فيكون قاطعاً للرحم فينقصه اللّه تعالى ثلاثين سنة، ويجعل أجله الى ثلاث سنين»وقال عليه السلام:«أن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب، ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم، وبرّوا باخوانكم ولو بحسن السلام وردّ الجواب»وقال ابو جعفر عليه السلام : -«صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الاموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتنسئ في الأجل».وعن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أن رجلاً اتى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال: يا رسول اللّه اهل بيتي أبوا الا توثباً عليّ وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم؟ قال صلى اللّه عليه وآله: اذاً يرفضكم اللّه جميعاً.
قال: فكيف اصنع؟
قال صلى اللّه عليه وآله: تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فانك اذا فعلت ذلك كان لك من اللّه عليهم ظهيراً»(4)
وقد احسن بعض الشعراء المتقدمين حيث قال:
وإن الذي بيني وبين بني أبي*** وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم*** وان هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم*** وإن هم هووا عني هويت لهم رشدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنىً*** وإن قلّ مالي لم اكلفهم رفدا
خصائص صلة الرحم:
ولا غرابة ان نلمس في هذه النصوص قوة التركيز والتأكيد على صلة الرحم، وذلك لما تنطوي عليه من جليل الخصائص والمنافع.
فالأسرة الرحمية تضم عناصر وأفراداً متفاوتين حالاً واقداراً، فيهم الغني والفقير، والقوي والضعيف، والوجيه والخامل، وهي بأسرها فرداً وجماعة لاتستطيع ان تنال اماني العزة والمنعة والرخاء، وتجابه مشاكل الحياة ومناوأة الاعداء بجلد وثبات الا بالتضامن والتعاطف اللذين يشدان ازرها ويجعلانها جبهة متراصة لا تزعزعها أعاصير المشاكل والاحداث، ولا يستطيع مكابدتها الاعداء والحساد.
وقد جسد اكثم بن صيفي هذا الواقع في حكمته الشهيرة حيث:
«دعى ابناءه عند موته، فاستدعى اضمامة من السهام، فتقدم الى كل واحد منهم ان يكسرها فلم يقدر احد على كسرها.ثم بددها فتقدم اليهم ان يكسروها فاستسلهوا كسرها، فقال:كونوا مجتمعين ليعجز من ناوأكم عن كسركم كعجزكم عن كسرها مجتمعة، فانكم ان تفرقتم سهل كسركم وانشد:
كونوا جميعاً يا بني اذا اعترى*** خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى القداح اذا اجتمعن تكسراً*** واذا افترقن تكسرت افرادا
هذا الى ما في صلة الرحم من جليل الخصائص والآثار التي اوضحتها النصوص السالفة،فهي مدعاة لحب الاقرباء وعطفهم وايثارهم وموجبة لطيلة العمر، ووفرة المال، وزكاة الأعمال الصالحة ونحوها في الرصيد الاخروي، ومنجاة من صروف الاقدار والبلايا.
قطيعة الرحم:
وهي: فعل ما يسخط الرحم ويؤذيه قولاً أو فعلاً، كسبه واغتيابه وهجره وقطع الصلات المادية وحرمانه من مشاعر العطف والحنان.
وتعتبر الشريعة الاسلامية قطيعة الرحم جرماً كبيراً وإثماً ماحقاً توعد عليها الكتاب والسنة.
قال تعالى: «فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم» (5)
وقال سبحانه: «والذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر اللّه به ان يوصل، ويفسدون في الارض أولئك هم الخاسرون»(6).
(وقال رسول اللّه (صلی الله علیه وآله وسلم): «اربعة اسرع شيء عقوبة: رجل احسنت اليه فكافأك بالاحسان اساءة، ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك، ورجل عاهدته على امر فوفيت له وغدر بك، ورجل وصل قرابته فقطعوه»(7)
وعن ابي جعفر (ع) قال: في كتاب علي عليه السلام «ثلاث خصال لا يموت صاحبهن ابداً حتى يرى وبالهن: البغي، وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة يبارز اللّه بها.
وإن اعجل الطاعات ثواباً لصلة الرحم، وإن القوم ليكونون فجاراً فيتواصلون فتنمو اموالهم ويثرون، وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها، وتثقل الرحم، وإن ثقل الرحم انقطاع النسل»(8)
وعن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه (الصادق) عليه السلام قال: قلت له:«إن اخوتي وبني عمي قد ضيقوا عليّ الدار والجأوني منها الى بيت ولو تكلمت اخذت ما في ايديهم .
قال: فقال لي: اصبر فان اللّه سيجعل لك فرجاً.
قال: فانصرفت، ووقع الوباء سنة (131 هجري) فماتوا واللّه كلهم فما بقي منهم احد.
قال: فخرجت فلما دخلت عليه قال:
ما حال اهل بيتك؟
قال: قلت: قد ماتوا واللّه كلهم فما بقي منهم احد.
فقال: هو بما صنعوا بك وبعقوقهم إياك وقطع رحمهم بتروا، اتحب انهم بقوا وانهم ضيقوا عليك، قال: قلت أي واللّه»
وفي خبر شعيب العقرقوفي في دخول يعقوب المغزلي على موسى بن جعفر عليه السلام وقوله عليه السلام له: يا يعقوب قدمت امس ووقع بينك وبين اخيك شرفي موضع كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضاً، وليس هذا ديني ولا دين آبائي ولا نأمر بهذا احداً من الناس، فاتق اللّه وحده لا شريك له، فانكما ستفترقان بموت، اما إن أخاك سيموت في سفره قبل ان يصل الى اهله، وستندم انت على ما كان منك، وذلك أنكما تقاطعتما فبتر اللّه أعماركما.
فقال له الرجل: فانا جعلت فداك متى أجلي؟
فقال عليه السلام: أما إن اجلك قد حضر، حتى وصلت عمتك بما وصلتها به في منزل كذا وكذا فزيد في أجلك عشرون.
قال شعيب: فأخبرني الرجل ولقيته حاجاً أن أخاه لم يصل الى اهله حتى دفنه في الطريق»(9)
مساوئ قطيعة الرحم:
ونستنتج من هذه النصوص أن لقطيعة الرحم مغبة سيئة وآثاراً خطيرة تنذر القاطع وتعاجله بالفناء، وقصف الاعمار، ومحق الديار، والخسران المبين في دينه ودنياه.
المصادر :
1- نهج البلاغة
2- الوافي ج 3 ص 93 عن الكافي
3- البحار، كتاب العشرة، ص 27 عن عيون أخبار الرضا وصحيفة الرضا عليه السلام
4- الوافي ج 3 ص 94 عن الكافي
5- محمد: 22
6- البقرة: 27
7- الوافي ج 14 ص 47 من وصية النبي (صلی الله علیه وآله وسلم ) لعلي علیه السلام
8- الوافي ج 3 ص ص 156 عن الكافي
9- سفينة البحار ج 1 ص 516 عن الكافي
التعلیقات