العيش في خضمّ الذكريات.. نساء يعشن على ذكرى أزواجهن وفاء للعشرة والمحبة
موقع المستشار
منذ 10 سنواتيؤكد ابو أمجد أن وفاءه لزوجته الراحلة على حاله حتى آخر يوم في حياته، فهو ما يزال حتى الآن يشتم
رائحتها في أرجاء المنزل، ويرى خيالها وكأنها حاضرة، “وإن فارق جسدها الحياة فروحها ما تزال تسكنني”.
ويذكر أن أولاده الأربعة بعد وفاة والدتهم اقترحوا عليه أن يتزوج ويعيش حياته بشكل طبيعي حتى يجد ونيسا ورفيقا لحياته، ورشحوا له أكثر من امرأة من داخل وخارج العائلة لكي يتزوجها، إلا أن الفكرة بالنسبة إليه كانت “غير مقبولة على الإطلاق”، وفق قوله حيث أخبرهم برفضه التام للفكرة من أساسها، كونه ببساطة لا يتخيل امرأة أخرى تعيش في نفس المنزل التي كانت تعيش فيه زوجته قبل وفاتها.
الالتزام بقيم الوفاء: يرفض كثير من الأزواج والزوجات الاقتران بآخرين بعد وفاة شريك حياتهم، حيث يعيشون باقي حياتهم على ذكرى الراحلين ملتزمين بقيم الوفاء والعشرة التي جمعتهم لأعوام طويلة في حياتهم.ورغم أن بعض هؤلاء يكون في ريعان شبابه، إلا أنهم يرفضون الزواج مرة أخرى، لا سيما النساء، وخاصة إذا كان الراحل قد ترك لهن أطفالا فتتفرغ الواحدة منهن لأبنائها وتمنحهم الرعاية والحب والحنان بقدر ما تستطيع تعويضا عن غياب الأب.
كان كل ما لدي في حياتي وسيبقى: وتحدثت السيدة سلوى عصام (44 عاما) عن مدى وفائها وإخلاصها لزوجها الذي توفي بحادث سير قبل ثلاثة أعوام، وترك فراغا كبيرا في حياتها وحياة أسرتها التي فجعت بخبر وفاته صباح أحد الأيام التي كان يستعد خلالها لاصطحابهم في رحلة خارج البلاد لقضاء الإجازة هناك، إلا أن مشيئة الله كانت فوق كل شيء.وتشير إلى أنها ما تزال تشعر بوجوده معها في المنزل بل إنها تسمع صوته في بعض الأحيان وهو ينادي عليها وأحيانا يطلب منها أن تعد له “ استكان “الشاي “ المسائي الذي كانت ترتشفه معه كل يوم، وأكدت أن فكرة الزواج والارتباط بالنسبة لها “مرفوضة تماما”، حيث إنها لا تستطيع أن تتخيل العيش مع رجل آخر غير زوجها الذي كان بالنسبة إليها كل حياتها.
الوفاء صفة المرأة!: ويقول الاختصاصي النفسي د. سعد محمود هادي في موضوع الوفاء، إنه صفة تميز المرأة “أكثر” من الرجل، فهي تكرس حياتها لبيتها وزوجها واولادها، والدليل ان عزوف المرأة عن الزواج بعد وفاة زوجها يعود لطبيعتها العاطفية حيث ترتبط بالذكريات التي كانت تجمعها بزوجها، وطبعا هذا الإحجام “غالبا ما يكون اختياريا وليس إجباريا”.ويضيف، “الرجال ليسوا اقل وفاء من المرأة”، فالرجل يتعرض للضغوطات الحياتية والنسيان أكثر من المرأة، لذلك قد يتزوج بعد وفاة زوجته، ولكن هناك رجال يعيشون على ذكرى زوجاتهم ولا يتزوجون أبدا وفاء لها، وهؤلاء يشكون من الضغط النفسي الذي يسببه له الآخرون الذين يذكرونه دائما بضرورة إعادة الزواج لأسباب شتى.ولا تجد السيدة أم فهد “ 50” سنة وسيلة أو طريقة لاسترجاع ذكرياتها مع زوجها الذي توفي قبل سبعة أعوام بمرض عضال إلا بالرجوع إلى ألبوم الصور الذي كان يضم مجموعة كبيرة من صورهما بعد زواجهما.
وتقول “بعد زواجنا ازداد حبنا وارتباطنا ببعض خاصة بعد إنجاب أولادنا الثلاث، وقد كانت حياتنا مليئة بالحب، ولم أذكر في يوم أن دخل النكد أو الحزن أو الشجار إلى بيتنا، فقد كان زوجي ذا أخلاق رفيعة، وأبا رؤوفا يستطيع حل المشكلات بشكل دبلوماسي قبل أن تتفاقم”. وتتابع “كما كان رحمه الله محبا لأهلي، ويحرص على أن يحثني على بر والدي، وبعد مرضه ووفاته ترك فراغا كبيرا في بيتنا وأنفسنا فلم نعد حتى الآن نشعر بطعم الحياة والفرحة دونه”، مضيفة “بالرغم من أنه لا يغيب عن بالي لحظة واحدة إلا أنني دائما أضع صوره في كل ركن من أركان البيت وأناجيها وأتخيلها تسمعني في المطبخ”.
خصلة حميدة وصفة جيدة: الوفاء بصورة عامة خصلة حميدة وصفة جيدة لا بد أن يحرص عليها الجميع سواء بين الأصدقاء أو بين الزوجين، وفق استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان الذي يرى أن الوفاء يكون في حياة الشخصين، ويمكن أن يستمر لما بعد وفاة أحدهما ليس أدل على ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام “إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث منها ولد صالح يدعو له”، وهذا دليل على امتداد الوفاء للأحبة بعد موتهم.
والوفاء وإن كان يضفي على الحياة طعما ونكهة خاصة، وفق سرحان، وهو يعني حفظ العهد والبعد عن الغدر والخيانة وإيثار الآخر، فهو بعد الوفاة يحمل معاني أعمق، وهو يؤكد صدق المحبة والوفاء للعشرة، وهذا لا يمنع من أن تتزوج المرأة بعد وفاة زوجها إن كان لها رغبة في ذلك، وكان هنالك حاجة فهذا لا يعني عدم الوفاء لأن الحياة يجب أن تستمر وأن يأخذ كل إنسان حقه، ويمكن أن يكون الوفاء بأشكال متعددة منها الدعاء للآخر وذكره بالخير والتصدق عنه. ويتابع، كذلك بالنسبة للزوج فإن زواجه بعد وفاة زوجته لا يعني عدم الوفاء فقد يكون محتاجا للزواج لمن يشاركه الحياة ويسهم في إزالة وحدته ومساعدته على أمور الحياة، بل في بعض الحالات قد يكون ذلك عونا له على مزيد من الوفاء للآخرين، وذلك لأنه يشعر بالارتياح والسعادة ويساعده ذلك على الدعاء للزوجة الأولى وذكرها بالخير.
رعاية الأبناء وفاءً للزوج: ويختم، أحيانا يكون وجود الأبناء وهم صلة الوصل بين الزوجين دافعا قويا لعدم الزواج وخصوصا للمرأة رغبة منها في رعاية الأبناء وتربيتهم تربية حسنة تليق بالوفاء للزوج المتوفى والأب، وأحيانا أيضا الزوج رغبة منه في عدم إشعار الأبناء بإدخال شخص آخر على الأسرة يستمر هو في رعاية الأبناء والحرص عليهم مع ما في ذلك من مشقة وصعوبة بالنسبة للرجل إذ قد يرفض الأبناء أحيانا زوجة الأب، وفي بعض الأحيان يصر الأبناء على أبيهم بالزواج لكنه يرفض ذلك شعورا منه بالوفاء لزوجته والإبقاء على الذكرى الطيبة وعدم التأثير على شعور الأبناء.
التعلیقات