مجالات الحركة الفاعلة للمرأة في عصر الظهور
موقع ممهدات
منذ 10 سنواتكانت الولادة (ولادة المقاومة الاسلامية) عام 1982م رد فعل على الاحتلال الاسرائيلي، الذي احتل
ثاني عاصمة عربية بعد القدس، وهي ولادة لم تكن لتحصل لولا بعدها الإيماني والجهادي والثوري الذي تشكل على خلفية فكرية عقائدية وروحية في إطار رؤية متكاملة تجاه الحياة والوجود والإنسان. ترجم مجموعة من السلوكيات والقيم الاخلاقية والروحية، وكان الخيار العسكري في مواجهة العدو بغض النظر عن الامكانات المتاحة، وعلى الرغم من مناخ الاحباط والهزيمة واليأس الذي سيطر على لبنان والمنطقة.
والمقاومة الإسلامية التي صاغت مشروعها للأمة وفق تلك الرؤية الدينية والعقائدية، لا ترى في هذا العدو سوى كيان عنصري ووجود غير شرعي وقانوني، وهو غدة سرطانية في جسد الامة يجب إزالتها، وأن الصراع معه صراع وجود وليس صراع حدود.
وعلى هذا الأساس عبرت المقاومة عن نفسها حركة تحرر وطني وحركة جهادية إيمانية إسلامية... ولهذه الغاية تجاوزت المقاومة الرد العسكري لاستحضار كل المخزون الايماني والثقافي والحضاري في سياق تفعيل العمل المقاوم وتجذيره في نسيج وجدان الأمة مستفيدة من روحية كربلاء ليرتفع فيها في سلم التدرج الفاعل نحو القتال والجهاد أبرز مصاديق المواجهة، مستنفرة بذلك كل طاقات الامة، باعتبار أن العدوان متعدد الاستهدافات التي تطال الأوجه الحضارية للأمة.
من هذا المنظور وبهذه الرؤية الشاملة انخرطت المرأة في إطار المقاومة لتجد مكانتها السامية التي منحها الله إياها.
فالإسلام الذي نظر إليها إنساناً مكلفاً ومسؤولاً على قدم المساواة مع الرجل في تحمل أعباء الرسالة، باعتبار أن الانسان بمفهومنا الاسلامي ينتمي إلى اصل واحد كرمه الله وسخر له ما في السماوات وما في الأرض ليكون خليفته يقوم بتجسيد مفهومنا بكل أبعادها وتجلياتها في التكامل والسمو والعبودية لله سبحانه، وفي إعمار الكون واستخراج ثرواته لصالح الانسان، وبهذا الفهم تكون الحرية بمفهومها الاسلامي حقاً إنسانياً بالفطرة، وهي الأساس لكل الحقوق وأسماها، لا تستقيم إلا بمنظومة القيم الثابتة، والقتال من أجلها بهذا الاعتبار تكليف وواجب شرعي.
فالخطاب الإلهي الذي يوجه للناس، او الذي ينتهي بواو الجماعة للجميع، والمرأة أماً وأختاً وزوجة، هي التي تمارس دورها مع مجتمعها، وتعيش آلامهم وآمالهم وأحلامهم في شتى المجالات والساحات، بما في ذلك ساحات المقاومة والجهاد، وأما اختلاف الدور بين الرجل والمرأة، فهو يرتبط بحسب الطبيعة والمهمة المطلوبة، وهذا التفاوت نجده حتى بين الرجال أنفسهم باعتبار اختلاف القابليات التي أودعها الله بكل فرد فينا، فدور زينب بنت علي بن أبي طالب (عليهما السلام) بعد كربلاء كان أعظم من قيامها بأي عمل عسكري أثناء المعركة، فهي التي ساهمت في استمرار الرسالة.
في إطار هذه الرؤية الاسلامية لمكانة المرأة ودورها في سياق مشروع المقاومة في التحرير، واستنهاض الأمة في إطار القضية المركزية، انخرطت المرأة في المقاومة وساهمت بدورها، وكانت الشريك الحقيقي في التحرير وتحقيق النصر على الأعداء وهي ما زالت مستمرة.
فأين كان موقع المرأة في المقاومة وبماذا ساهمت؟
في إطار المواجهة والمقاومة للعدو الصهيوني الذي استمر لأكثر من 18 عاماً، ساهمت المرأة في المقاومة في سياق مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الاولى: وهي مرحلة الاجتياح الاسرائيلي للبنان وما تلاها من حصار، وما سمي بالقبضة الحديدية على القرى والبلدات والمدن في الجنوب، حيث قام العدو بإجراءات عسكرية صارمة، ودوريات، وحواجز، كمائن منع تجول، حصار، تعقب المجاهدين، اعتقالات واسعة إلخ...
أهداف العدو: إنهاء المقاومة الفلسطينية، نظام موالٍ يوقع ترتيبات أمنية –شريط أمني يحمي المستوطنات- إرهاب الناس، يأس إحباط، استسلام كامل.
المشهد الآخر: ثلة من المجاهدين بدوافع الإيمان بالله والاعتقاد واليقين الراسخ بمبدأ إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم ]محمد:7[، وتحت شعار (الدم ينتصر على السيف) وفي إطار معادلة (توازن الإرادات) لا توازن القوى، بدأت العمليات العسكرية المتواضعة تنال من العدو ومن جيشه الذي لا يقهر، وكانت العملية الاستشهادية الأولى في الصراع عملية الشهيد احمد قصير في مقر الحاكم العسكري الذي سقط خلالها أكثر من 80 ضابطاً وجندياً، وأكثر من 200 جريح في 11/11/1982م فهزت الكيان الغاصب، وزلزلت الأرض تحت أقدامه، واهتزت صورة الجيش، ونشطت العمليات التي أعادت الثقة بالنفس، وبدأ التزاوج بين جهاد المقاومة في عملياتهم العسكرية والأمنية ضد جيش العدو، والانتفاضة الشعبية التي بدأت تعم القرى والبلدات، وتضم شرائح المجتمع بكل فئاته، وانطلقت المرأة في تحمل مسؤولياتها وبدأت فعاليتها ونشاطها في المقاومة بشقيها الشعبي والعسكري وساهمت مساهمة فعالة وكانت شريكاً حقيقياً إلى جنب الرجل.
فهي التي حمت ظهر المقاومين والمجاهدين في القرى والبلدات، وشكلت خط الدفاع الأول عنهم لحمايتهم وحفظهم، وشكلت الدرع الواقي والمتراس الحامي في مواجهة أي قوة عسكرية للعدو تريد اقتحام القرية للتنكيل بأهلها أو اعتقال مجاهديها، فهي التي رمتهم بالزيت المغلي، وهي التي رشقتهم بالحجارة من على أسطح المنازل، وهي التي سهرت الليالي في حراسة المجاهدين، وهي التي فتحت باب منزلها ليأوي المجاهد إليه متخفياً من أعين العدو وملاحقته، وهي التي كانت تقدم المعلومات وتنقلها من قرية إلى أخرى، ليسلم مجاهد من غدر عميل أو واشٍ، وهي التي شكلت صلة الوصل بين مجموعات المقاومة في مختلف القرى لتوجيه ضربة كبيرة للعدو في أكثر من مكان في آن واحد، وهي التي كانت تشحن السيارة بالسلاح وتنقله إلى مأمنه وتفرغه وتجهزه للمقاومين.
وهي التي حمت نواة المجتمع المقاوم، بلمها شمل الأسرة التي غادرها الأب لسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وحمت العائلة وحضنتها وغذتها على حب المقاومة والاستشهاد في سبيل الله، ووزعت في النفوس العنفوان والإرادة وعدم الرضوخ لإرادة المحتل.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة العمل المقاوم والعمليات الواسعة على مواقع العدو الاسرائيلي، بعد أن أجبر على الانسحاب من نهر الأولي في صيدا لأول مرة إلى ما سمي بالشريط المحتل حيث تتمترس في مواقع محصنة.
مع تطور عمل المقاومة في أدائها وتكتيكها العسكري، بدأ المجاهدون يقتحمون تلك المواقع ويدمرونها ويسيطرون عليها ويرفعون رايات المقاومة. ومثل هذه العمليات تحتاج إلى كفاءات عسكرية وقدرات بشرية وإمكانات لوجستية ضخمة.
وفي هذه المرحلة أدركت المرأة عظمة دورها ومسؤوليتها من خلال الآثار والنتائج الكبيرة لإسهاماتها في تطور المقاومة من جهة، والآثار السلبية التي انعكست على الجيش الاسرائيلي الذي بدأت صورته بالاهتزاز، فانخرطت بفاعلية أكبر في إطار منتظم تحت شعار (بناء المجتمع المقاوم)، بكل مقوماته وتنوعاته، وساهمت بشكل كبير في حالة الصمود والثبات والتشبث بالأرض، فهي التي زرعت بيديها شتلة التبغ وحصدت سنبلة القمح تحت دوي المدافع وأزيز الطائرات لتؤكد استحالة اقتلاعها من الأرض، وأنها أقوى من كل التهم العسكرية.
وبدأت في إطار معركة التحرير الفعلي، المساهم بتأمين كل مقوماتها ومستلزماتها، فنشدت المخزون الثقافي الروحي، وانخرطت في إطار المؤسسات الرعائية الاجتماعية منها والتربوية والصحية وغيرها، كما ساهمت بتأسيس العديد من اللجان والمؤسسات التي ترتبط مباشرة بآلية دعم المقاومة وتأمين حاجياتها المادية والمعنوية. فكانت كنزة المقاوم عنواناً للإسهام الكبير في المقاومة، وإيجاد حالة التكامل والتكافل بين المجتمع والمقاومة، وكذلك كانت (قجة) المقاومة التي صيغت مجسماً للقدس دخلت إلى كل بيت وإلى كل حانوت أو مكان عام. ليزرع ثقافة المقاومة في نفوس جيل من الناشئة من خلال مساهمته المتواضعة، واعتزازه بنفسه وقيامه بواجبه ودوره في أهم قضية وطنية.
وباتت بيوت المجاهدين مراكز عمليات وتجمعات لتنفيذ أي عملية ضد العدو، تؤمن الأمهات والزوجات والأخوات كل مستلزمات العملية من طعام وشراب بإنتاج ذاتي للحفاظ على أمن العمليات بعيداً عن عيون العملاء والمجرمين.
وأما الروحية التي وصلت إليها المرأة بفعل المقاومة والمشاركة، فالأم والزوجة والأخت التي كانت تبكي ولدها أو زوجها أو أخاها، صارت تفاخر بشهادته وحثه على الجهاد، حتى إن بعض الأخوات أقدمن على زواج ببعض الإخوة الجرحى، هذه هي المقاومة التي صنعت المجد والكرامة في لبنان، وهذه هي المرأة التي أدت دورها على أكمل وجه، تتواصل في عملها وجهادها لتتكامل مع المرأة الفلسطينية في صمودها وثباتها وتحديها لعدو الأمة. هذا العدو الذي يمعن تدميراً وتقتيلاً وتهجيراً مبرمجاً ومنظماً في إطار معركة وجود، عبّر عنها شارون أن الانسحاب إلى الرابع من حزيران، هو تهديد حقيقي للكيان، مع ذلك فهو لم يتمكن من إنجاز أهداف حملته العسكرية والأمنية، على الرغم من مجازره ومحوه لمخيم جنين الذي بات عنوان عنفوان الأمة وبسالة المجاهدين، وسيبقى رمزاً لكل الأحرار والصامدين والثابتين على حقهم، وهذا ما عبر عنه موفاز: "لن نحقق الانتصار إلا إذا هزمنا الوعي الفلسطيني" وهذا لم يتحقق...
التعلیقات