مقارنة بين المنهج الإسلامي والمنهج المادي في بناء الاُسرة (ثالثاً : النظرة الواقعية ١)
عبّاس الذهبي
منذ 9 سنواتإنّ المنهج الإسلامي ينسجم مع الفطرة البشرية ، ويراعي عوامل ضعف الإنسان
وعناصر قوته.
وفيما يتعلق بنظام الاُسرة نجد أن التشريع المختص بالرّجل يختلف من أوجه عديدة عن التشريع الموضوع للمرأة ، ولم يأتِ هذا الاختلاف اعتباطاً أو على نحو الصدفة ، وإنّما يعكس ـ من الناحية الواقعية ـ طبيعة الدور الذي يؤديه كل واحد منهما في قيادة سفينة الاُسرة.
ويمكن للباحث أن يتلمّس السمة الواقعية التي تطبع المنهج الاُسري الإسلامي بالمقارنة مع المنهج المادي من خلال الفوارق التالية :
1 ـ قيمومة الرجل :
تبنّى الإسلام النظام الأبوي فمنح الرجل قيمومة على المرأة بعد أن ساوى بينهما في الحقوق والواجبات ، قال تعالى : ( .. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (1).
ولم يمنح الإسلام الرجل الكلمة العليا في الاُسرة إلاّ بعد أن كلّفه بالانفاق على الزوجة وأطفالها وتوفير الرعاية والحماية لهم.
وبطبيعة الحال لا يستقيم مع مبدأ العدالة والانصاف أن يكلّف الرجل بالانفاق والحماية بدون أن يُمنح ميزة إضافية تمكنه من الإشراف على الاُسرة وإدارة شؤونها.
وقد أخذ التشريع بنظر الاعتبار طبيعة الدور الذي تضطلع به المرأة والمتمثل بالاُمومة والحضانة للأطفال ، وهو دور ينسجم تماماً مع خلقها وطبيعتها النفسية حيث تتميز بعاطفة جياشة وإحساس رقيق ونعومة لاتتناسب مع الاعباء والمسؤوليات التي تفرضها القيمومة ، فصفات الإشراف والرئاسة متوفّرة من الناحية الواقعية في الرجل بتكوينه وطبعه أكثر من توفّرها في المرأة.
ولا تعني قيمومة الرجل بأي حال استعباد الزوجة أو انتهاك كرامتها ومصادرة حقوقها ، بل هي قيمومة تقوم على المحبة والرحمة ورعاية مصالح الاُسرة ، ولا تنقص شيئاً من شخصية المرأة وحقوقها المدنية ، فلها الحق في التصرف بملكيتها المستقلة وبإمكانها إجراء مختلف العقود من بيع وشراء وهبة ووصية وما إلى ذلك.
أما المنهج الغربي ففي الوقت الذي يحرر المرأة من قيمومة الرجل فإنّه يوقعها فريسة لقيمومة دور الأزياء ودور الدعارة ونوادي العري ويجعلها سلعة رخيصة لطالبي المتعة أو يستغل جمالها لترويج سلعة!
ثم إنّ الزواج في اوربا ـ وحتى وقت قريب ـ يجعل الرجل شريكاً للمرأة في مالها ، وأن ما يكون لها قبل الزواج من مال يدخل في هذه الشركة ، يكون للزوج حق التصرف في مال الشركة ، وهو بذلك وصي أو وكيل وكالة إجبارية عن امرأته ، والجدير بالذكر أنّ المرأة في الغرب لم تثبت لها الولاية المالية على مالها في اوربا إلاّ من مدة لا تزيد عن ثلاثين سنة وقد سبقها الإسلام في ذلك بنحو أربعة عشر قرناً.
ويمكن ادراك سموّ المنهج الإسلامي وسلامته إذا ما علمنا بأن الشريعة اليهودية وهي ذات نزعة مادية تعتبر المرأة بعد الزواج مملوكة لزوجها ، ومالها ملك له ، ولكن لكثرة الخلافات فقد أُقر بعد ذلك أن تملك الزوجة رأس المال والزوج يملك المنفعة (2).
وفي هذا الإطار نلاحظ أن تحرر المرأة من قيمومة الرجل في الغرب قد أطلق الحبل على غاربه أمام الزوجين للمطالبة بالطلاق لأتفه الأسباب ، الأمر الذي ساعد على تفكك عُرى الاُسرة ، وقد جرى تحقيق اجتماعي واسع تناول ثلاثين ألف رجل وامرأة اشترك فيه كبار علماء الاجتماع من أمريكا ومعظم دول أوربا ، جاء فيه :
إنّ المجتمعات الصناعية تتحول شيئاً فشيئاً عن النمط القديم المتصف بتفوق الرجل على المرأة إلى النمط الحديث المسمى بنمط المساواة بين الرجل والمرأة ، وقد أصبحت هذه المساواة من عوامل انحلال الزواج ، فما دام الزوج في المجتمع القديم يشعر بتفوق على المرأة وبمسؤولية أخلاقية تجعله يحميها ويحرسها ، فإنّه كان يتردد طويلاً قبل حلّ الزواج بالطلاق ، ولكن بعد أن تبخّر هذا الشعور فان الرجل أخذ يقدم على الطلاق لأتفه الأسباب (3).
ثم إن المنهج الإسلامي ـ باعطائه حق القيمومة للرجل مع تكليفه بواجب الانفاق والرعاية ـ يتصف بالواقعية على العكس من المذهب الوضعي الذي يتجاهل الاختلاف بين الرجل والمرأة في القدرات الجسمية والنفسية وما يترتب على ذلك من اختلاف في الحقوق والواجبات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة البقرة : 2 / 228.
2) اُنظر : الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة : 537.
3) المرأة في التصور الإسلامي / محسن عطوي : 106.
التعلیقات