لماذا الأذى إلى الفقير
عزّ الدين بحر العلوم
منذ 9 سنواتقد قال سبحانه فيها :
( قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من
صدقةٍ يتبعهَا أذىً واللهُ غنيٌّ حليمٌ ) (١).
وحيث كان الغرض من عملية الإنفاق هو النفع المادي والمعنوي للمحتاجين.
المادي : بأيصال المال أو الأعيان غير المال إليه.
والمعنوي : بإعطائه ما يشعره بالعطف واللطف والمواساة في محنته بما يحفظ له كرامته ... نرى هذه الآية الثانية تعقب هذا النوع من الناس الذين يتبعون ما أنفقوه بالمّن والأذى بهذا العتاب الرقيق فتوجههم إلى شكل آخر من أشكال اللطف مع هؤلاء المحرومين إذا هم لم يرغبوا بالعطاء من غير منٍ ولا أذىً.
ولماذا الأذى إلى الفقير ؟.
والمال متاع هذه الحياة الدنيا ، وليس له منه إلا ما يشبع بطنه وإذا أراد أن لا يعطي فليرد السائل بأدب وحشمة وبالكلمة الطيبة تحفظ بها كرامة السائل وهيبة المعطي ـ وعلى سبيل المثال ـ ليقول له وهو يرده :
وسع الله عليك من رزقه ، أو كان الله في عونك وما شاكل من هذا النوع من الكلام الذي يفهم به السائل بأنه لا يرغب في العطاء ، ولكن بشكل محتشم ومتزن وهاديء ، وهذا هو المراد من القول الميسور في آية أخرى جاءت تؤكد هذا المعنى في قوله :
( وإمّا تُعرضَنَّ عنهم ابتغاءَ رحمةٍ من ربّكَ ترجوهَا فقل لهُم قولاً ميسوراً ) (2).
*****************************
(١) سورة البقرة / آية : ٢٦٣.
(2) سورة الاسراء / آية : ٢٨.
قد روي أن النبي صلىاللهعليهوآله بعد نزول هذه الآية ، ولم يكن عنده ما يعطي ، أو كان عنده
، ولكن كان يقصد تعليم الآخرين لأدب الرد يقول للسائل :
( رزقنا الله وإياك من فضله ).
ومع الآية في عرضها التفصيلي فيما انفردت به من بيان ما يقوم به المنفق لو لم يرغب في الإنفاق ورد السائل بأدب.
تقول الآية الكريمة :
( قول معروف ) :
والقول المعروف أدب رفيع تتوخى الآية أن يتجلى به المعطي ليُحسم الموقف بين الطرفين ، ولئلا يتطور إلى نزاع وخشونة ، وعلى فرض حصول مثل ذلك فإن الإية الكريمة تتجه إلى المعطي لتطلب منه أن يحسم هذا النزاع فيما لو صدر من السائل ما لا يرضى به من الالحاح ، أو التطاول في الكلام ، أو المطالبة في غير الوقت المناسب مما يعتبر جرحاً لعواطف المنفق وتحدياً له فإن الآية تريد منه أن يتجلى بالصبر ويغض عن كل ذلك ، ولا يعقب عليه ، وهذا هو المراد من الفقرة الثانية في قوله تعالى :
( ومغفرة ) :
وتكون حصيلة الآية الكريمة عند عدم العطاء بتوجيه المعطي إلى القول :
بالمعروف لو لم يصدر من السائل تعقيب.
أو المغفرة : فيما لو صدر منه ما يسيء إلى المنفق.
وبتعبير أدق فإن الآية الكريمة تريد من المنفق أن يواجه السائل بأحد
الطرق الآتية :
١ ـ العطاء ، وما يصاحبه من بشاشة وإنطلاق.
٢ ـ القول المعروف لو لم يحصل العطاء.
٣ ـ ضبط الأعصاب والأغضاء عن فعل السائل لو صدر منه ما يسيء إليه نتيجة عدم اعطائه.
ذلك لأن هذا السائل ربما كان صادقاً في مسألته ، وقد ضاقت الدنيا فلم يجد ملجأ يفر إليه غير التوجه إلى هذا المنفق ، وإذا كان هذا الحال السائل فليتحمل المسؤل منه ، وليرده بأدب ، أو ليغفر إساءته له وهذا خير من الصدقة مع المن والأذى فإن الأسلوب الجاف يزيد في تعقيد هذا المحروم وتهييج كوامن آلامه.
أما لماذا يكون هذا النحو من الأسلوب الهادئ سواءً بالقول المعروف أو المغفرة خير من هذه الصدقة مع المنّ والأذى فذلك لأن صاحب هذه الصدقة بهذا النحو من الأذى والمنّ لا يحصل على عين ماله في دنياه ولا على ثوابه في عقابه ، والقول بالمعروف والمغفرة عند الاساءة طاعتان يستحق الثواب عليهما.
وأما الفقرة الثالثة من الآية فقد قالت :
( والله غني حليم ) :
وقبل أن تختم الآية هذا العتاب تهدد المنفقين من طرف خفي بأن الله غني عن صدقة المنفق إذا شفعت المن والاذى فإن الله لا يريد من المنفق هذا النوع من المعروف الضحل لأنه ليس بعاجز أن ينفع الفقير بما يغنيه ـ كما سبق أن أوضحنا ذلك ـ ولكن المصالح تقتضي هذا النوع من التوزيع في الارزاق فهو غني عن صدقات المنفقين ـ ولكنه ـ في الوقت نفسه ـ يعطيم من فضله ـ ويأمرهم بالعطاء فيتخلفون عن ذلك أو يستجيبون ولكن بشكل من التأفف والضجر والمنّ على الفقير أو إيصال الأذى إليه.
كل ذلك يحلم سبحانه عنه ولا يعاجل هؤلاء المنفقين بالتعقيب ، بل يترك ذلك ليوم تشخص فيه الابصار.
التعلیقات