الأخلاق العاطفية
شبكة المعارف الاسلامية
منذ 8 سنواتلمحةٌ تاريخيّة
قد يستغرب بعض الناس ما في اعتقاد المسلمين من أنّ العلاقة بين الزوجين إحدى الأدلّة الواضحة على وجود الله سبحانه وتعالى، فقد جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾1.
وفي هذا الشأن نقرأ ونسمع بوجود شرائع تعتبر العلاقة الجنسيّة شرّاً في الأصل، أو أنها تصوّر العلاقة الزوجيّة بين زوجين شرعيّين على أنها سبب للضياع والسقوط.
1 ـ العلاقة الزوجيّة قديماً
والأعجب من كل هذا ما ذكره وأكّد عليه الفيلسوف الاجتماعي برتراند/ راسل، وهو وجود مذاهب في العصور القديمة خالفت مسألة العلاقة الجنسيّة بين الزوجين، حيث اعتبرت أنّ الخبث والضياع ملازمان لكل علاقة زوجيّة. وفي هذا الاطار أيضاً ظهرت مذاهب دينية مسيحية كانت تدعو إلى التبتّل والعزوبة، ووُجدَت مذاهب أخرى أكدّت على الزهد والتنسّك. وانتشرت من إيران نحو الشرّق عقيدة تعتبر المادة أساسَ الضياع، وأنّ العلاقة الجنسيّة غير طاهرة.
وإذا كانت هذه الحالات موجودة في القديم، فما هو المنشأ في ظهور هذه الأفكار والعقائد؟ وما الذي يدفع البشر إلى سوء الظنّ بشيء تحبّه الطبيعة البشريّة وتميل إليه، بل وتدين بجزء من وجودها إليه؟
2 ـ منشأ فكرة خبث العلاقة
يُذكَر أنّ فكرة خبث العلاقة الجنسيّة قد بدأت بعد الصورة التي قدّمتها الكنيسة للحياة التي عاشها النبي عيسى المسيح عليه السلام. فاعتبروا أنه عاش عازباً بسبب الخبث الذاتي الموجود في العلاقة الزوجيّة. ومن هنا أصرّوا على انتخاب البابا من بين رجال لم يخالطوا النساء مطلقاً.
من جهة أخرى تعتقد هذه المجموعات أنّ التقوى التي يريد البشر الوصول إليها لا تجتمع مع الزواج الذي يحمل طبيعة دنيئة. والأعجب من هذا أنّهم كانوايبيحون الزواج لأجل الانجاب أو لأنّه أهون الشرَّّيْن للحيلولة دون العلاقات المتحللة بين الرجال والنساء.
ويمكن توضيح وفهم جميع الأفكار المتقدمة في خضم العقيدة التي راجت عند البعض الذي كان ينظر باحتقار إلى المرأة، واعتبرها إنساناً ناقصاً، وأنّها مخلوق بين الإنسان والحيوان، أو أنّها لا تمتلك نفساً إنسانيّة ناطقة، ويحرّم عليها دخول الجنة.
3 ـ المنطق الإسلامي والعلاقة الزوجيّة
إنّ هذه الأفكار توضح مدى الغرور المسيطر على هؤلاء واحتقارهم للمرأة. وبالنظر إلى ما تقدم، فإنّ المنطق الإسلامي لم تبدر منه أقلّ إشارة إلى خبث الرباط الجنسي المشروع أو الآثار الناجمة عنه، وبالعكس فقد سعى الإسلام لأجل تنظيم هذه العلاقة.
فالإسلام يرى أنّ مصلحة المجتمع المعاصر أو الأجيال القادمة هي وحدها التي تحدّد مسألة العلاقات الجنسيّة. وفي هذا المجال عمل على وضع أسس لن تؤدّي إلى الشعور بالحرمان أو الاحباط أو كبت الغريزة الجنسيّة.
ومن المؤسف أنْ يتجاهل بعض المفكرين الغربيين أمثال "راسل" رأي الإسلام عند توجيههم النقد لأصحاب الديانات في خصوص العلاقات الجنسيّة.
وعلى كلّ حال فالإسلام لا يرى أيّ تناقض بين العلاقة الشرّيفة والمبادئ المعنويّّة والروحيّّة، بل يرى هذه العلاقة جزءً من طبائع الأنبياء وأخلاقهم.
يُروى أنّ أحد أصحاب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم واسمه "عثمان بن مظعون" قد وصلت به العبادة إلى درجة أنّه كان يصوم كل يوم، ويمضي الليل كلّه بالصلاة، فنقلت زوجته حالته هذه إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي خاطبه قائلاً: "يا عثمان، لم يرسلني الله بالرهبانيّة، ولكن بعثني بالحنيفيّة السَمْحة أصوم وأصلي وألمس أهلي، فمَن أَحبَّ فطرتي فليستسنّ بسنّتي، ومن سنّتي النكاح..."2.
4- العلاقة الزوجيّة في الغرب المعاصر
وتجدر الإشارة إلى أنّ المسائل التي ذُكرتْ حول خبث العلاقة الجنسيّة والآثار الناجمة عنها تتعلّق بماضي الغرب، حيث نشهد في زماننا تحولاً كبيراً ومختلفاً على مستوى الأخلاق والضوابط الجنسيّة، فاليوم يتحدّث الجميع عن قدسيّة العلاقة الزوجيّة، ويرون ضرورة اطلاق الحريّة للميول والرغبات ورفع القيود كافة في هذا المجال.
ولم يكن المسلمون بمأمن من هذه الأفكار الغربيّة، سواء الماضية أو الحاضرة، فقد نفذت بيننا بصورة أو بأخرى، ودخلت أفكارهم الجديدة إلى حياتنا كانسياب السيل.
وإذا كان الإسلام أكدّ على وجود ضوابط تحكم العلاقة العاطفيّة بين الرجل والمرأة، فقد أْعتُبرت جزءاً أساسيّاً من الأخلاق بالمعنى العام. وتشتمل هذه الضوابط على العادات والاستعدادات والوسائل الإنسانيّة التي ترتبط بالغريزة العاطفيّة.
وبعبارة أخرى، فإن الحالة الأخلاقيّة هذه يُعَبَّر عنها من خلال الحياء لدى الرجل والمرأة، وغيرة الرجل على عرضه، والعفّة والاخلاص عند المرأة بالنسبة لزوجها، وهكذا أيضاً ستر العورة وستر جسد المرأة عن غير المحارم، ومنع الزنا، وتحريم النظر الشهوانيّ إلى غير الزوجة، ومنع التزاوج بين المحارم... ومسائل أخرى عالجها الإسلام في إطار الأخلاق التي عمل على إشاعتها بين الأفراد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الروم:21.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة ج1 باب 48 من أبواب مقدمات النكاح، ج20ص107.
التعلیقات