الجهاد الأكبر . . جهاد النفس
موقع شبكة كربلاء المقدسة
منذ 8 سنواتإن أكبر وأصعب إمتحان كتبه الله تعالى على الإنسان في هذه الحياة هو إبتلاء
الإنسان بنفسه، على أساس نجاح الإنسان وتفوقه في هذا الإمتحان يكون موقعه عند الله، ومستقبله الدنيوي والأخروي . . من هنا كانت المعركة مع النفس أشق وأخطر معركة يخوضها الإنسان في حياته .
أ ـ فهي معركة حتمية لا خيار لأحد فيها ولا يستثنى أحد منها حتى الأنبياء والأوصياء والأولياء . . وإذا كان الإنسان لا يستطيع إجتناب المعارك والصراعات مع الآخرين بطريقة أو اخرى فإنه لا فرار له من معركته مع نفسه .
ب ـ وهي معركة دائمة مساحتها طوال عمر الإنسان منذ أن يدركه الوعي والى أن تفارقه الحياة، ويحصل أن يكسب إنسان المعركة ضد نفسه طيلة حياته ثم يخسرها في اللحظات الأخيرة من عمره ! !
ج ـ كذلك فإنها معركة شاملة تستوعب كل جوانب حياة الإنسان، ومختلف شؤونه، وتمتد الى جميع الزوايا والتفاصيل، فكراً وإحساساً، عملاً وقولاً، وإشارة وصمتاً . . حيث أن خطر الأهواء والشهوات النفسية يهدد سلامة الإنسان وأفكاره، وصحة مشاعره وأحاسيسه، وصدق أقواله ومواقفه، وإستقامة تعامله وعلاقاته . .
د ـ والأدهى من كل ذلك قوة الإرتباط وشدة العلاقة ووثاقتها بين الإنسان ونفسه، فالنفس أقرب شيء للإنسان ـ وهي متداخله معه وملتصقة به. وكم هو صعب على الإنسان أن يعايش عدوه ويتداخل معه، ويكون قريباًَ منه ووثيق الصلة به ؟؟
لكل ذلك تصبح المعركة مع النفس أخطر معركة، ويصدق تماماً ماقاله رسول الله (ص) من أن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر وهذا ما تؤكده النصوص التالية :
1 ــ يقول الله تعالى : « وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى » (1) .
فالمنتصر في معركته الحتمية الدائمة الشاملة معها يستحق الجائزة الكبرى وهي الجنة، والوصول الى الجنة يستحق من الإنسان كل ذلك التعب والمشقة والعناء . .
2 ــ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال : أن رسول الله (ص) بعث سرية ــ قوة عسكرية ــ فلما رجعوا قال : ( مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر ) .
قيل يا رسول اله وما الجهاد الأكبر ؟
قال : ( جهاد النفس ) ثم قال : ( أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه ) (2) .
ولعل الفقرة الأخيرة إشارة الى أحد جوانب خطورة المعركة مع النفس، وهو التداخل والإلتصاق الذي تحدثنا عنه، فهي عدو داخل الإنسان وبين جنبيه ! !
3 ــ وبقول الإمام علي (ع) : ( أشجع الناي من غلب هواه ) .
4 ــ وعن الامام علي (ع) : ( املكوا انفسكم بدوام جهادها ) (3) .
5 ــ وعنه ايضاً (ع) : ( صلاح النفس مجاهدة الهوى ) (4) .
6 ــ ويتحدث الإمام علي (ع) عن بعض التكتيكات في المعركة مع النفس قائلاً: ( إذا صعبت عليك نفسك فأصعب لها تذل لك، وخادع نفسك عن نفسك تنقذ لك ) (5) .
فعلى الإنسان أن لا ينهزم بسرعة امام صعوبة المعركة، ولا ان يستجيب لخداع العدو، وبصموده تنهزم أهواء النفس وتنهار ذليلة خانعة، وبوعيه يفوت الفرصة على الإغراءات ويخدعها . .
7 ــ ويقول الإمام علي (ع) : ( أقبل على نفسك بالإدبار عنها ) (6) ذلك ان الأقبال على النفس بالإستجابة لرغبتها مهلك للإنسان ونفسه، بينما التعامل مع النفس بالإستجابة لرغباتها مهلك للإنسان ونفسه، بينما التعامل مع النفس بالتنكر لأهوائها هو لمصلحة النفس . .
8 ــ وعنه أيضاً (ع) : ( دواء النفس الصوم عن الهوى والحمية عن لذات الدنيا ) (7) .
9 ــ وفي إحدى خطبه يقول الإمام علي (ع) :
( وأعلموا أنه ما من طاعة الله شيء الا يأتي في كره، وما من معصية الله شيء الا يأتي في شهوة، فرحم الله أمرأً نزع عن شهوته، وقمع هوى نفسه، فإن هذه النفس ابعد شيء منزعاً، وإنها لا تزال الى معصية في هوى .
وأعلموا ــ عباد الله ــ أن المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلا ونفسه ظنون عنده، فلا يزال زارياً عليها، مستزيداً لها ) (8) .
10 ــ وفي وصية قدمها الى شريح بن هاني يقول الإمام علي (ع) : ( أتق الله في كل صباح ومساء، وخف على نفسك الدنيا الغرور، ولا تأمنها على حال، واعلم انك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب، مخافة مكروه، سمت بك الأهواء الى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعاً رادعاً، ولنزوتك عند الحفيظة واقماً قامعاً ) (9) .
11 ــ ويقول الإمام علي (ع) : ( أفضل الأعمال ما اكرهت نفسك عليه ) (10) لان خليفة العمل هي الإنتصار على النفس ومخالفتها اهم من ذات العمل .
12 ــ ويؤكد الإمام علي (ع) الدور الحاسم لذات الإنسان في مقاومة نفسه فيقول: ( إعلموا انه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر، لم يكن من غيرها لا زاجر ولا واعظ ) (11) .
13 ــ ويقول الإمام علي (ع): ( وإنما هي نفسي اروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الاكبر ) (12) .
كما سبق وأن اشرنا فالمعركة مع النفس لا يستثنى منها احد فهذا علي مع عظمته ومكانته إلا انه ممتحن بنفسه كسائر البشر، ولعل من اسرار عظمته نجاحه المميز في الإنتصار على نفسه .
24 ــ ويقول أيضاً (ع) : ( خدمة الجسد إعطاؤوه ما يستدعيه من الملاذ والشهوات والمقتنيات وفي ذلك هلاك الفنس ) (13) .
15 ــ وتسليطاً للضوء على طبيعة المعركة مع النفس وتحديد أطرافها ومواقعهم يقول الإمام علي (ع) : ( العقل صاحب جيش الرحمان، والهوى قائد جيش الشيطان، والنفس متجاذبة بينهما فأيهما غلب كانت في حيزه ) (14) .
16 ــ وفي حديث آخر بنفس المضمون يقول (ع) : ( العقل والشهوة ضدان، مؤبد العقل العلم، ومزين الشهوة الهوى، والنفس متنازعة بينهما فأيهما قهر كانت في جانبه ) (15) .
فالعقل هو رائد معركة الإنسان ضد نفسه، والعلم والمعرفة سلاح رئيسي في هذه المعركة، ولكل من طرفي المعركة وهما العقل والهوى جنود وأسلحة فهما جيشان: جيش الرحمان وجيش الشيطان يتصارعان على ارض نفس الإنسان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النازعات : 40 .
(2) المجلسي : بحار الأنوار / ج 70 ص 64 .
(3) (4) (5) الري شهري : ميزان الحكمة : ج 10 ص 143 .
(6) (7) المصدر السابق : ص 144 .
(8) نهج البلاغة خطبة : 176 .
(9) نهج البلاغة وصية رقم : 56 .
(10) المصدر السابق : قصار الحكم : 249 .
(11) المصدر السابق : خطبة : 90 .
(12) المصدر السابق : كتاب : 45 .
(13) الري شهري : ميزان الحكمة : ج 10 ص 147 .
(14) (15) المصدر السابق : ج 6 ص 405 .
التعلیقات