خديجة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
الشيخ جعفر السبحاني
2024 Sep 19لقد اكتسَبَت « خديجةٌ » بفضل إيمانها العميق بالرسالة المحمدية ، وتفانيها في سبيل الإسلام وبسبب حرصها العجيب على حياة صاحب الرسالة وسلامته ، وعملها المخلص على انجاح مهمته ، ومشاركتها الفعّالة ، في دفع عجلة الدعوة إلى الامام ، ومشاطرتها للنبي في اكثر ما تحمله من محن واذى بصبر واستقامة وحب ورغبة.
لقد اكتسبت خديجة بفضل كل هذا وغيره مكانة سامية في الإسلام ، حتّى ان النبيّ ذكرها في أحاديث كثيرة وأشاد بفضلها ، ومكانتها وشرفها على غيرها من النساء المسلمات المؤمنات ، وذلك ولا شك ينطوي على اكثر من هدف.
فمن جملة الأهداف التي ربما توخاها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من الاشادة بخديجة ( عليها السلام ) الفات نظر المرأة المسلمة إلى القدوة الّتي ينبغي أن تقتدي بها في حياتها وسلوكها في جميع المجالات والأبعاد ، والظروف ، والحالات.
هذا مضافاً إلى ما يمكن أن تقدمه المرأة وهي نصف المجتمع ( إن لم تكن اكثره أحياناً ) من دعم جدّي للرسالة ، مادياً كان أو معنوياً.
وفيما يلي نأتي ببعض الأحاديث الشريفة الّتي تعكس مكانة خديجة ، ومقامها ، ومدى إسهامها في نصرة الإسلام ودعم دعوته ، وإرساء قواعده.
١ ـ عن أبي زرعة عن ابي هريرة يقول قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : أتاني جبرئيل ( عليه السلام ) فقال يا رسول اللّه هذه خديجة قد أتتك ومعها آنية فيها ادام أو طعام أو شراب ، فاذا هي أتتك فاقرأ ( عليها السلام ) من ربّها ومنّي ، وبَشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخَبَ فيه ولا نصَبِ » (١).
٢ ـ عن عائشة قالت : ما غِرتُ على امرأة ما غِرتُ على خديجة ، ولقد هَلَكتْ قبل أن يتزوجني بثلاث سنين ، لما كنتُ اسمعه يذكرها ، ولقد أمره ربُه عزّ وجلّ ان يبشرها ببيت من قصب في الجنة ، وإن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها ( اي خليلاتها وصديقاتها ) (٢).
٣ ـ وعن عائشة أيضاً قالت ما غِرت على نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلا على خديجة ، واني لم أدركها ، ( قالت ) : وكان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذبح الشاة فيقول : أرسلوا بها إلى اصدقاء خديجة قالت : « أي عائشة » فاغضبتُه يوماً فقلت : خديجة !! فقال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : « اني قد رزقت حبّها » (٣).
٤ ـ ومن هذا القبيل ما كان يقوم به رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم مع صاحبات خديجة من الاحترام لهن والاحتفاء بهنّ :
فقد وقف صلى الله عليه وآله وسلم على عجوز فجعل يسألها ، ويتحفاها ، وقال :
« ان حسن العهد من الايمان ، انها كانت تأتينا ايام خديجة » (٤).
٥ ـ وروي عن انس قال كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا اُتي بهدية قال : « إذهبوا بها إلى بيت فلانة فانها كانت صديقة لخديجة إنها كانت تحب خديجة » (٥).
٦ ـ روى مجاهد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتّى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الايام فادركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلا عجوزاً فقد أبدلك اللّه خيراً منها ، فغضب حتّى أهتز مقدَمُ شعره من الغضب ، ثم قال : « لا واللّه ما أبْدلَني اللّه خيراً منها ، آمنَتْ بي إذْ كَفَر الناسُ ، وصدَّقتني وكذَّبني الناسُ وواستني في مالها إذ حرمني الناسُ ورزقني اللّه منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء » قالت عائشة فقلت في نفسي : لا أذكرها بسيئة ابداً (٦).
٧ ـ عن يعلى بن المغيرة عن ابن ابي رواد قال : دخل رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم على خديجة في مرضها الّذي ماتت فيه ، فقال لها :
« يا خديجة أتكرهين ما أرى منك ، وقد يجعل اللّه في الكُره خيراً كثيراً ، أما علمت أن اللّه تعالى زوَّجني معك في الجنة مريم بنتَ عمران ، وكلثمَ اُخت موسى وآسية امرأة فرعون ... » (٧).
٨ ـ عن عكرمة عن ابن عباس قال خطَّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أربع خطط في الأَرض وقال : أتدرون ما هذا ؟ قلنا : اللّه ورسولُه أعلم ، فقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : « أفضل نساء الجنة أربع : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمَّد ، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون » (٨).
٩ ـ عن أنس جاء جبرئيل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعنده خديجة فقال : إن اللّه يقرئ خديجة السلام فقالت : إن اللّه هو السلام ، وعليك السلام ، ورحمة اللّه وبركاته (٩).
١٠ ـ عن أبي الحسن الأول ( الكاظم ) ( عليه السلام ) قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ اللّه اختار من النساء اربعاً : مريم و آسية وخديجة وفاطمة » (١٠).
١ ـ صحيح مسلم : ج ٧ ، ص ١٣٣ ، مستدرك الحاكم : ج ٣ ، ص ١٨٤ و ١٨٥ بطرق متعددة صحيحة على شرط الشيخين.
٢ و ٣ ـ صحيح مسلم : ج ٧ ، ص ١٣٤ ، ومثلها في صحيح البخاري : ج ٥ ، ص ٣٨ و ٣٩.
٤ ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد : ج ١٨ ، ص ١٠٨.
٥ ـ سفينة البحار : ج ١ ، ص ٣٨٠ ( خدج ).
٦ ـ اسد الغابة : ج ٥ ، ص ٤٣٨ ، ورواها مسلم أيضاً : ج ٧ ، ص ١٣٤ ، وكذا البخاري : ج ٥ ، ص ٣٩ وقد حذفا آخرها من : فغضب حتّى ... إلى آخر الرواية.
٧ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٣٤٧ ، وأُسد الغابة : ج ٥ ، ص ٤٣٩.
٨ ـ الخصال للصدوق : ج ١ ، ص ٩٦ ، كما في بحار الأنوار : ج ١٦ ، ص ٢.
٩ ـ المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ، ص ١٨١٦.
١٠ ـ الخصال : ج ١ ، ص ٩٦ ، كما في البحار : ج ١٦ ، ص ٢.
التعلیقات