حماية البيئة مسؤولية عالمية وأمر إلهي
السيد حسين الهاشمي
منذ يوماليوم الخامس من حزيران هو يوم العالمي للبيئة. البيئة هي الإطار الذي نعيش فيه، وتشمل كل ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء وتربة وكائنات حية. البيئة السليمة ضرورية لبقاء الإنسان والكائنات الأخرى على قيد الحياة، ولذلك فإن حماية البيئة ليست خيارًا بل مسؤولية جماعية وفردية لضمان حياة أفضل للأجيال الحالية والمستقبلية.
البيئة ذو أهمية فائقة. لأنها مجموعة من العوامل الحيوية وغير الحيوية التي تحيط بالكائن الحي وتؤثر في نموه وتطوره. وتشمل هذه العوامل الهواء والماء والتربة والمناخ والنباتات والحيوانات والموارد الطبيعي. ومن هنا يمكننا ان نفهم أهمية البيئة وكيفية كونها ضرورية للحياة. لأنها مصدر للطعام والهواء والماء. فلايمكن لأيّ موجود حيّ أن يعيش بلا طعام أو هواء أو ماء. وكذلك البيئة هي المصدر والمورد للمواد التي تستخدم في الصناعات. فهي وسيلة لتنوع الحياة البيولوجية وسبب ضمان لاستدامة جميع أنواع العيش والحياة.
اليوم العالمي للبيئة
يوم البيئة العالمي هو مناسبة سنوية تُقام في الخامس من يونيو (حزيران) من كل عام، أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1972 خلال مؤتمر ستوكهولم حول البيئة البشرية. هذا اليوم الخاص يتبع ثلالثة أهداف رئيسية. الأول رفع الوعي العالمي بقضايا البيئة. لأنه طالما لايعلم الناس ما مدى أهمية البيئة وكيفية الحفاظ عليها، لايمكننا أن نسيطر على كيفية استخدام البيئة من قبل الآخرين وهذا يسبب في دمار البيئة في جميع أنحاء العالم. الثاني تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات البيئية. لأنه مهما كان الناس مهتمين بأمر البيئة والسلامة، لكن لايمكن الحصول على النتيجة المفضلة إلا بتعاون الدول المختلفة في حصول هذه النتيجة. لأنه طالما لم يكن هناك تعاون دولي قوي حول أمر البيئة، لايمكن لأي مجتمع ضمان سلامة البيئة المحيطة بها. الثالث تشجيع الأفراد والمجتمعات والحكومات على اتخاذ إجراءات إيجابية لحماية البيئة.
لهذه المناسبة السنوية شعارها الخاص. يتم اختيار شعار مختلف كل عام يركز على قضية بيئية محددة، مثل التلوث البلاستيكي، التغير المناخي، أو التنوع البيولوجي، ويتم استضافة الفعالية العالمية في دولة معينة كل سنة. فمن هنا نفهم أن اليوم العالمي للبيئة يوم ذو أهمية للغاية. لأنه يسلط الضوء على القضايا البيئية الملحة ويُعد منصة للمنظمات والمجتمعات لعرض جهودها البيئية ويعزز ثقافة الحفاظ على الطبيعة ويشجع مشاركة الأفراد.
الأرض في حالة الخط الأحمر والإنسان في حالة الغفلة
يعيش كوكب الأرض في وقتنا الحالي وضعًا بيئيًا حرجًا، حيث تشير التقارير العلمية والبيئية إلى أن الأرض أصبحت في وضعية الخطر الأحمر. لقد أصبحت الموارد الطبيعية تُستنزف بوتيرة متسارعة، وأصبح التوازن البيئي مهددًا بشكل غير مسبوق. يعود السبب في ذلك إلى إهمال الإنسان وتدخله الجائر في الطبيعة، الأمر الذي يضع البشرية أمام خطر داهم يهدد بقاءها.
الموارد الطبيعية هي أساس الحياة على الأرض، وتُقسم إلى موارد متجددة مثل المياه، الشمس، الهواء وموارد غير متجددة مثل النفط والمعادن. نتيجةً للإفراط في الاستهلاك وغياب الإدارة البيئية الرشيدة، أصبحت هذه الموارد مهددة بالنفاد. فعلى هذا السياق نحن نعيش في حالة حرجة لكن لاندري ما مدى سوء الحال. لأنّ المياه الجوفية على وشك النضوب وذلك بسبب الزراعة والصناعة غير الأصولية. وأيضا الغابات تقطع في جميع أنحاء العالم بمعدلات تفوق قدرة الأرض على التجدد. وأيضا يوجد تحديات قوية في الصحاري والبحار. فإن التصحر الناتج عن تغيّر المناخ والرعي الجائر والاستنزاف الجائر للثروات البحرية مثل الصيد الجائر والشبكات الصناعية ليسا بأمرين متعارفين.
مع جميع هذه الحالات الحرجة للبيئة، أغلية الناس يعيشون في غفلة عما يصير من حولهم. وهذه الغفلة في كثير من المواقع، مدروسة من قبل بعض المجموعات. فإن الطمع الاقتصادي والسعي وراء الربح السريع دون اعتبار للعواقب البيئية هي أحد أهم الأسباب لغفلة الناس عن البيئة المحيطة بهم.
الأرض والبيئة في مرآة الأديان الإلهية
لقد شكّلت العلاقة بين الإنسان والبيئة موضوعًا محوريًا في مختلف الأديان السماوية، حيث أولت الأديان الإلهية اهتمامًا كبيرًا بالطبيعة، واعتبرتها تجليًا لإرادة الخالق وأمانة في عنق الإنسان. إن البيئة من منظور ديني ليست فقط وسيلة للعيش، بل هي كيان مقدس يستحق الاحترام والرعاية. ففي هذا السياق لا بأس بتوضيح جملة من المعتقدات حول البيئة في الأديان الإلهية الثلاثة.
البيئة في الفكر اليهودي
تعتقد اليهودية أن الطبيعة من خلق الله، وأن الإنسان خُلق ليكون راعياً ومسؤولاً عنها، لا سيدًا مستبدًا. ووفقًا للفكر الديني اليهودي، فإن الخلق الإلهي مقدّس، وأي اعتداء على الأرض أو الكائنات يُعد مخالفة لإرادة الله.
هناك مبادئ كثيرة لليهودية حول أهمية البيئة. أكثر هذه المبادئ أهمية هي أربعة. الأول، الخلق الإلهي والتوازن الطبيعي. جاء في سفر التكوين: « أن الله خلق الكون في ستة أيام، وأن كل ما خلقه كان حسنًا جدًا. هذا يدل على أن كل مخلوق له غاية وقيمة بحد ذاته » (1).
الثاني، الوصية بعدم الإفساد. أحد أبرز المبادئ البيئية في اليهودية هو تحريم الإفساد أو التدمير العبثي. هذا المفهوم يعود إلى سفر التثنية (20:19-20)، الذي ينهى عن قطع الأشجار حتى في زمن الحرب. (2).
الثالث، الراحة للأرض. وفقًا للتوراة، يجب أن تترك الأرض لتستريح كل سبع سنوات. يُمنع الزراعة والحصاد خلال هذه السنة، ما يُعد نموذجًا مبكرًا لفكرة الاستدامة البيئية. فقد جاء في سفر الخروج: « ست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها، وأما السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك. » (3).
الرابع، العدالة البيئية والاجتماعية. تُربط العدالة البيئية بالعدالة الاجتماعية في اليهودية، حيث تُلزم التوراة بحماية الفقراء والغرباء والحيوانات، وتوفير الغذاء والماء لهم. (4).
البيئة في الفكر المسيحي
يرتكز الفهم المسيحي للعلاقة بين الإنسان والطبيعة على ما ورد في سفر التكوين، حيث جاء أن الله خلق العالم في ستة أيام، وخلق الإنسان في اليوم السادس ليكون راعيًا للخليقة. فقد جاء في سفر التكوين: « وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها » (5).
ترى المسيحية أن الخطيئة الأصلية التي ارتكبها الإنسان في الجنة أدت إلى خلل في العلاقة بين الإنسان والطبيعة. هذا الانفصال الروحي أدّى إلى الاستغلال والتدمير والفساد البيئي. وبالتالي، فإن إصلاح هذه العلاقة يتطلب توبة روحية وسلوكًا بيئيًا مسؤولاً.
البيئة في الفكر الإسلامي
إنّ الدين الإسلامي بوصفه أكمل الأديان الإلهية وأتمّها، قد أعطى اهتمامًا عجيبًا بمسألة البيئة، وأهميّتها، ووجوب الحفاظ عليها. فحينما نراجع القرآن الكريم، نلاحظ أنّ الله سبحانه وتعالى يتحدث عن الأشجار والجبال والحيوانات الكبيرة والصغيرة، ويعدّها من نعم الله التي لا يجوز الإسراف فيها. فقد قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (6). ويقول في آية أخرى: ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ (7). وأيضا يأمر الناس بعدم الإفساد في الأرض حينما يقول: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ (8). وبعدها مباشرة يعدّ بعض النعم البيئية التي أنعمها الله على الناس حينما يقول: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ (9).
ففي هذه الآيات جميعها حثٌّ وترغيبٌ على الاستفادة من النعم الإلهية، وتحذيرٌ من الإفساد في الأرض، ومنعٌ له منعًا باتًّا.
وأيضا حينما نراجع الروايات المروية عن المعصومين عليهم السلام نرى أنهم يحثّون على الحفاظ على البيئة ويهتمّون بالبيئة بشكل جميل. فقد روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: « إِنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا بَعَثَ أَمِيراً لَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ... وَلَا تُحْرِقُوا النَّخْلَ وَلَا تُغْرِقُوهُ بِالْمَاءِ وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً وَلَا تُحْرِقُوا زَرْعاً لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَلَا تَعْقِرُوا مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِلَّا مَا لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ أَكْلِهِ » (10). ويقول أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر عندما يأمّره على المصر: « ولْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ » (11). وأيضا روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « لا تطيب السكنى إلا بثلاث: الهواء الطيب والماء الغزير العذب والارض الخوّارة » (12). فرسول الله وأمير المؤمنين والإمام الصادق عليهم السلام يرشدون إلى حقيقة حيوية للبشر وهي أنه لايمكن العيش والعمارة إلا بالبيئة السالمة الصحيحة.
فعلى هذا السياق يجب علينا أن نحافظ قدر المستطاع على البيئة حولنا.
وفي الختام هل تعرفون طرقا عملية للحفاظ على البيئة الطبيعية؟ إذا كنتم تعلمون سبلا، شاركوا معنا.
1) مقالة دين اليهود والمسائل البيئية (للأنصاري واللاجوردي) / المجلد: 1 / الصفحة: 9 / الناشر: جامعة الأديان الإلهية – طهران / الطبعة: 1.
2) الكتاب المقدس (لليهودية) / المجلد: 1 / الصفحة: 109 / الناشر: جامعة باكينغهام – لندن / الطبعة: 3.
3) الكتاب المقدس (لليهودية) / المجلد: 1 / الصفحة: 159 / الناشر: جامعة باكينغهام – لندن / الطبعة: 3.
4) مقالة دين اليهود والمسائل البيئية (للأنصاري واللاجوردي) / المجلد: 1 / الصفحة: 12 / الناشر: جامعة الأديان الإلهية – طهران / الطبعة: 1.
5) الإنجيل (لأتباع المسيح) / المجلد: 1 / الصفحة: 351 / الناشر: جامعة رم الكاتوليكية – رم / الطبعة: 2.
6) سورة البقرة / الآية: 22.
7) سورة البقرة / الآية: 60.
8) سورة الأعراف / الآية: 56.
9) سورة الأعراف / الآية: 57.
10) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة: 29 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
11) نهج البلاغة (للسيد الشريف الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 436 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
12) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 320 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – طهران / الطبعة: 2.
التعلیقات