إنّها توفّيت قبل مدة
شيخ مهدي المجاهد
منذ 7 سنواترأيت صبياً وهو يمشي، فيصل إلى مكان معين، ثم يعود إلى مكانه الأول مرة أخرى، ثم يستمر في المشى بهذه الصورة، أي: أنه يقطع مسافات معينة بين ذاهب وراجع.
تحيّرت من هذا الموقف، فيا ترى ما ذا يفعله هذا الصبي؟! ما يريد بهذا الفعل، فكلما أمعنت النظر زاد التسائل عندي، وصرت أشتاق لأن أسأله عن فعله هذا، وبقيت متحيراً لماذا ولماذا ولماذا؟؟؟؟
وبعد أن قطعت مسافة من الطريق وصلت إلى أحد المواكب، فجلست هناك ءأخذ قسطاً من الراحة وأتهيأ للصلاة؛ لأن وقت الصلاة كان يقترب، فإذا بالصبي نزل بنفس الموكب، وقام ليتهيأ للصلاة، فجلس بالقرب مني، بعد أداء الصلاة والأدعية المأثورة وزيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه، بدأ أهل الموكب باستضافة الزوّار، وكانوا يقدمون كل ما بوسعهم لكي يخدموا زوّار سيد الشهداء صلوات الله عليه، فكانوا أهل الكرم وطيب النفس بعد ما تناولنا الطعام، رأيت الصبي يتهيأ ليقوم، ويستمر بالمشي، ولكن في هذا الوقت عادة المشاة يأخذون قسطاً من الراحة، فهنا بدأت نفسي تحدثني أن أسأله حتى أقف على نواياه من هذا العمل.
فذهبت إليه وسلمت عليه، فرد السلام بكل احترام ووقار.
قلت له أريد أن أسئلك سؤالاً يخصك، إذا لم يزعجك أحب أن أعرف الجواب.
فقال بكل رحابة الصدر تفضل.
قلت له: أنا على طول المسيرة أشاهدك وأتباعك، رأيتك تمشي مسافاة ثم تقف وترجع إلى نفس المكان الأول وتعيد المشي مرة أخرى، لماذا تفعل هكذا؟
فهنا رأيته يطأطأ رأسه، وقد اغرورقت عيناه بالدموع، ولم يجب على سؤالي، فاعتذرت منه، وقلت له لم أقصد إزعاجك، لكن أحببت أن أعرف لماذا تفعل هذا.
فقال: لا بأس لم أنزعج من سؤالك، ولكن تذكرت والدتي.
قلت: الله يحفظها من كل سوء.
فزاد بكاءه، وقال: إنّها توفّيت قبل مدة قليلة.
قلت: يرحمها الله، ويحشرها مع سيد الشهداء صلوات الله عليه إن شاء الله تكون شريكة لك في هذا العمل.
قال: منذ ما بَدَأت المشّاية إلى كربلاء المقدسة بعد سقوط النظام السابق، كنت أنا ووالدتي نذهب مع المشاة إلى كربلاء لأداء الزيارة، فهذه السنة إنها رحلت عن هذه الدنيا، فأنا أمشي نيابة عنها مرة وأمشي عن نفسي مرة أخرى.
وكل الطريق أتذكر المواقف التي كنت معها في السنين الماضية.
فقلت له: مأجور، إن شاء الله تصل إلى كربلاء المقدسة، وتؤدي الزيارة عنك وعن والدتك، وأجرك عند الله.
فودّعته فذهب إلى ما كان يفعله.
هذا هو نموذج للولد البار بوالديه، وهذه هي التربية الحسينية، وهذا هو ما نتعلّمه من هذا الطريق، طريق الحب والتضحية والفداء.
فالأمهات اللواتي يصطحبنَ أولادهنَّ بهذه المسيرة العظيمة يشاهدنَ مدى تأثير الإيجابي على الأولاد، ويتعلّمون كل الأمور التي تقربهم إلى الله تعالى.
التعلیقات