زيارة السيدة آمنة بنت وهب سلام الله عليها
السيد حسين الهاشمي
منذ شهر« السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا اَلطَّاهِرَةُ المُطَهَّرَةُ ، السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا مَنْ خَصَّهَا اللهُ بِأَعْلى الشَّرَفِ ، َالسَّلَامُ عَلَيْكِ يَا مَنْ سَطَعَ مِنْ جَبِيْنَها نُورُ سَيِّدِ الأَنْبِياءْ فَأضَاءَتْ بِهِ الأَرْضُ و السَّمَاءُ ، السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا مَنْ نَزَلَتْ لِأَجْلِهَا المَلائِكَةْ و ضُرِبَتْ لَهَا حُجُبُ الجَنَّةِ ، السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا مَنْ نَزَلَتْ لِخِدْمَتِهَا الحُورُ العَيْـنُ و سَقَيْنَهَا مِنْ شَرَابِ الجَنَّةِ و بَشَّرْنَهَا بِوِلَادَةِ خَيْرِ الأَنْبِياءِ ، السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا أُمَّ رَسُولِ اللهِ السَّلَامُ عَلَيْكِ يَا أُمَّ حَبِيْبِ اللهِ فَهَنِيْئاً لَكِ بِما آتَاكِ اللهُ مِن فَضْلٍ و السَّلَامُ عَلَيْكِ و عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ رَحْمَةُ اللهِ و بَرَكَاتُهُ » (1).
بمناسبة حلول ذكرى مولد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، خطر ببالنا أن نكتب لكم عن زيارة والدته الكريمة السيدة آمنة بنت وهب عليها السلام، ونفسّر ونوضح بعض فقرات هذه الزيارة العظيمة، حتى يتبيّن لنا مقام السيدة آمنة بنت وهب، والدة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
توضيح فقرات الزيارة وتفسيرها
الأول: اَلطَّاهِرَةُ
لقب الطاهرة قد أعطي لنساء معدودات في الإسلام والشرايع الإلهية. منها فاطمة الزهراء سلام الله عليها. فالطاهرة في اللغة بمعنى نَقِيَّةٌ، زَكِيَّةٌ، عَفِيفَةٌ. (2) وفي الاصطلاح، فهي بمعنى الشخص الذي بَعُدَ عن الأرجاس والخبائث والقذارات. وفي هذه الزيارة العظيمة، يُقصَد بها البُعد الروحي والمعنوي والجسدي والمادي عن القذارات والمحرمات والنجاسات والخبائث.
عندما نقول لفاطمة الزهراء سلام الله عليها (الطاهرة)، نعني العصمة الكبرى التي قد أعطي لها من قبل الله تبارك وتعالى. لأن مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها قد حازت بهذه المرتبة الرفيعة بتصريح من القرآن. حيث قال الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم:
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ (3)،
فإن هذا اللقب قد ارتبط بهذه الآية الشريفة، فنتجت عنه العصمة الكبرى لفاطمة الزهراء سلام الله عليها. لكن السيدة آمنة بنت وهب قد حازت بعصمة دون العصمة الكبرى. فهي البعيدة عن الخبائث والأرجاس والمحرمات بنفسها بشهادة هذه الزيارة.
الثاني: المُطَهَّرَةُ
إن هذا اللقب اسم مفعول من مصدر الطهارة، ويعني الشخص الذي قد طُهّر وبعد عن الخبائث والأرجاس من قبل شخص آخر. فبالنسبة إلى السيدة آمنة بنت وهب، هذا اللقب يدلّ على أن الله سبحانه وتعالى قد طهّرها من المحرمات والخبائث والأرجاس. وهذا بخلاف الطاهرة، لأن لقب الطاهرة يعني الشخص الذي قد طهر عن الأرجاس والخبائث بقول مطلق ولم يدلّ هذا اللقب على أكثر من الطهر. لكن المطهرة تدل على أن السيدة آمنة بنت وهب قد طهرت من الأرجاس والخبائث بأمر من العلي الأعلى سبحانه وتعالى وإن الله سبحانه وتعالى هو الذي طهّرها عن جميع الخبائث والأرجاس والمحرمات. فهذا مقام عظيم ويدلّ على أن الله سبحانه وتعالى قد توجه إليها توجها عميقا وقد اختارها لهذا المقام العظيم قبل ولادتها.
الثالث: يَا مَنْ خَصَّهَا اللهُ بِأَعْلى الشَّرَفِ
لمعرفة تفسير هذه الفقرة، ولكي نتمكن من توضيح معناها لكم، يجب علينا أن نحدد معنى أعلى الشرف حتى نفهم معنى اختصاصها بهذا الشرف العظيم
والمعنى الواضح والصحيح لأعلى الشرف الذي يتبادر إلى الذهن وهو المعنى الحقيقي لهذه الفقرة، هو كون السيدة آمنة بنت وهب والدة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. لأن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل الخلائق ولم ولن يخلق خلق في الأرض ولافي السماء أفضل من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فقد روي عن أميرالمؤنين عليه السلام:
« قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما خلق الله عزوجل خلقا أفضل مني ، ولا أكرم عليه مني ، قال علي عليه السلام : فقلت : يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللائمة من بعدك وإن الملائكة لخدامنا ، وخدام محبينا ، يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الارض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه» (4)،
فلهذا أن المرأة التي قد حازت بمقام حمل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ووضعه وكونها والدته فهي قد حازت بأعلى الشرف. ولهذا تقول الزيارة (من خصّها الله). لأن هذا المقام العظيم ليس من المقامات العادية الدنيوية أو الأخلاقية التي يمكن لأيّ شخص الوصول إليها. بل إنها مقام يجب أن يخصّ الله الشخص بهذا المقام الرفيع وقد خصّ الله تبارك وتعالى السيدة آمنة بنت وهب بهذا المقام الرفيع والدرجة العالية.
الرابع: يَا مَنْ سَطَعَ مِنْ جَبِيْنَها نُورُ سَيِّدِ الأَنْبِياءْ فَأضَاءَتْ بِهِ الأَرْضُ و السَّمَاءُ
المراد من نور سيد الأنبياء هو نور النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عندما ولد. وهذه الفقرة إشارة جميلة إلى إحدى المعاجز التي وقعت حين ولادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فقد روي عن أبان أنه قال:
« قالت آمنة رضي الله عنها لما قربت ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت جناح طائر ابيض قد مسح على فؤادي فذهب الرعب عني واتيت بشربة بيضاء وكنت عطشى فشربتها فأصابني نور عال ، ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا تحدثني وسمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميين حتى رأيت كالديباج الأبيض قد ملا بين السماء والأرض وقائل يقول : خذوه من أعز الناس ، ورأيت رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ورأيت مشارق الأرض ومغاربها ورأيته علما من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله رافعا إصبعه إلى السماء ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته ، فسمعت نداء : طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها والبحار لتعرفوه باسمه ونعته وصورته ، ثم انجلت عنه الغامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب وقائل يقول : قبض محمد على مفاتيح النصرة والريح والنبوة ، ثم أقبلت سحابة أخرى فغيبته عن وجهي أطول من المرة الأولى وسمعت نداء : طوفوا بمحمد الشرق والغرب واعرضوه على روحاني الجن والإنس والطير والسباع وأعطوه صفاء آدم ورقة نوح وخله إبراهيم ولسان إسماعيل وكمال يوسف وبشرى يعقوب وصوت داود وزهد يحيى وكرم عيسى ، ثم انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيا شديدا وقد قبض عليها وقائل يقول : قد قبض محمد على الدنيا كلها فلم يبق شئ إلا حل في قبضته» (5)، ولعل هذه الفقرة من الزيارة إشارة إلى هذه الفقرة من الرواية: « فأصابني نور عال» أو هذه الفقرة إشارة إلى هذه الرواية:« وخرج مني نور أضاء ما بين السمآء والارض» (6).
الخامس: يَا مَنْ نَزَلَتْ لِخِدْمَتِهَا الحُورُ العَيْـنُ و سَقَيْنَهَا مِنْ شَرَابِ الجَنَّةِ و بَشَّرْنَهَا بِوِلَادَةِ خَيْرِ الأَنْبِياءِ
هذه الفقرة من الزيارة أيضا إشارة إلى الرواية المذكورة في المورد السابق. حيث ورد في هذه الرواية:
« رأيت جناح طائر ابيض قد مسح على فؤادي فذهب الرعب عني واتيت بشربة بيضاء وكنت عطشى فشربتها فأصابني نور عال ، ثم رأيت نسوة كالنخل طوالا تحدثني وسمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميين» (7).
السادس: يَا مَنْ نَزَلَتْ لِأَجْلِهَا المَلائِكَةْ و ضُرِبَتْ لَهَا حُجُبُ الجَنَّةِ
هذه الفقرة من الزيارة أيضا إشارة إلى أحدى المعاجز التي وقعت حين ولادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فقد ورد في رواية:
« وكان بمكة يهودي ، يقال له : يوسف ، فلما رأى النجوم يقذف بها وتتحرك قال : هذا نبي قد ولد في هذه الليلة ، وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد وهو آخر الانبياء رجمت الشياطين ، وحجبوا عن السمآء ، فلما أصبح جاء إلى نادي قريش وقال : يا معشر قريش هل ولد فيكه الليلة مولود؟ قالوا : لا ، قال : أخطأكم والتوراة ، ولد إذا بفلسطين ، وهو آخر الانبياء وأفضلهم ، فتفرق القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كل رجل أهله بما قال اليهودي ، فقالوا : لقد ولد لعبد الله بن عبدالمطلب ابن في هذه الليلة ، فأخبروا بذلك يوسف اليهودي ، فقال : قبل أن أسألكم أو بعده ، فقالوا : قبل ذلك ، قال : فأعرضوه علي ، فمشوا إلى باب آمنة فقالوا : اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي ، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه ، وكشف عن كتفيه ، فرأى شامة سودآء بين كتفيه ، عليها شعرات ، فلما نظر إليه وقع إلى الارض مغشيا عليه ، فتعجبت منه قريش و ضحكوا ، فقال : أتضحكون يا معشر قريش ، هذا نبي السيف ليبيرنكم ، وقد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الابد ، وتفرق الناس يتحدثون بما أخبر اليهودي» (8).
هذه كانت زيارة السيدة آمنة بنت وهب عليها السلام وتوضيح بعض فقراتها العظيمة. نرجوا من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من العارفين بحقها والتابعين لولدها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
1) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 20 / الصفحة: 298 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 2.
2) معجم الغني (لعبدالغني الدقر) / المجلد: 1 / الصفحة: 211 / الناشر: مطبعة محمد هاشم الكتبي – دمشق / الطبعة: 1.
3) سورة الأحزاب / الآية: 33.
4) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 18 / الصفحة: 345 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 2.
5) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهرآشوب) / المجلد: 1 / الصفحة: 28 / الناشر: المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
6) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 15 / الصفحة: 269 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 2.
7) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهرآشوب) / المجلد: 1 / الصفحة: 27 / الناشر: المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
8) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 15 / الصفحة: 270 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 2.
التعلیقات