نتناول في هذا المقال أحاديث الإمام الباقر عليه السلام في تربية الأبناء.
تأثير حليب الأم على تربية الطفل
في رواية الإمام الباقر عليه السلام أشارة إلى تأثير حليب الأم على الأطفال وقد قال لمحمد بن مروان: «اسْتَرْضِعْ لِوَلَدِكَ بِلَبَنِ الْحِسَانِ وَ إِيَّاكَ وَ الْقِبَاحَ فَإِنَّ اللَّبَنَ قَدْ يُعْدِي» (1).
يعكس هذا الحديث الاهتمام بالتغذية السليمة للرضّع والتأكيد على أن حليب الأم له تأثير لا يُقدر بثمن على نمو وتطوير الطفل، لاحتوائه على العناصر الغذائية الضرورية ولتأثيره الإيجابي على الجوانب الجمالية والصحية للطفل فيعتبر الإمام الباقر عليه السلام أن حليب الأم له تأثير لا يقتصر فقط على التغذية الجسدية، بل يمتد إلى نقل الجمال والقبح من الأم إلى الطفل.
ولهذا نهى الإسلام أن يسترضع الفرد ولده بمرضعة حمقاء أو مجنونة أو بغيّة وحتى نهى أن ترضعه الكتابية إلّا أن يمنعها من شرب الخمر فيجوز بعد ذلك كل هذا لأن اللَّبن قَد يُعدي.
وكراهية استرضاع تلك الأصناف ناجمة من تأثير اللبن على الطفل ، ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ... فإنّ اللبن يعدي ، وإنّ الغلام ينزع إلى اللبن » (2).
ومن أجل تحسين حليب الطفل ، يستحبُّ اطعام النساء في نفاسهنَّ التمر ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ليكن أول ما تأكل النفساء الرطب » (3).
ويفضّل اطعام نوع خاص من التمر وهو البرني ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « أطعموا البرني نساءكم في نفاسهنَّ ، تحلم أولادكم » (4).
تأثير الأب الصالح على الأبناء
تعتبر الأسرة من المؤسسات الأساسية في تشكيل شخصية الأفراد، ودور الأب يلعب دورًا حيويًا في بناء أساس قوي للأسرة. يمثل الأب الصالح نموذجاً هاماً لأولاده، وتأثيره يمتد إلى مختلف جوانب حياتهم . حيث يؤثر في تشكيل شخصيتهم وتوجيههم في حياتهم. الأب الذي يتحلى بالقيم والأخلاق الصالحة يسهم في خلق جيل قوي ومتميز يساهم في بناء مجتمع صحي ومستقر وحتى بعد موته يكرم المرء في ولده. ويقول الإمام الباقر في هذا الباب : « يحفظ الاطفال بصلاح آبائهم » (5).
تأثير التسمية على تربية الطفل
في هذا السياق، قدم الإمام الباقر عليه السلام إرشادات حول اختيار أسماء جميلة للأطفال، حيث قال: « أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ مَا سُمِّيَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَ أَفْضَلُهَا أَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ » (6).
يعكس اسم كل فرد معتقداته وأصله وثقافته ورغباته الشخصية وأسرته. يلعب الاسم الذي يُختار للطفل دورًا في تكريم أو إهانة شخصيته. الأطفال الذين يحملون أسماء جميلة ومحبوبة غالبًا ما يتلقون إعجابًا واهتمامًا من الآخرين، ويستمتعون بسماع الثناء والتقدير الذي يتجلى من خلال أسمائهم. على العكس، يمكن للأشخاص الذين اختاروا أسماءًا غير لائقة وغريبة دون اهتمام بالمعنى والمحتوى، أن يشعروا في المستقبل بالاستهزاء، وأحيانًا يكونون موضوعًا للانتقاد والتوبيخ. تم التأكيد بشكل خاص على هذه النقطة في سيرة الإمام الباقر عليه السلام.
تتسلط الضوء على أهمية اختيار أسماء ذات معانٍ إيجابية للأطفال، حيث يمكن أن يكون ذلك جزءًا من تربيتهم وتوجيههم نحو قيم إيجابية وثقافتهم الدينية.
اسماء اولاد الامام الباقر (عليه السلام)
ولقد اختار الإمام الباقر عليه السلام أسماء ابناءه من أفضل الإسماء حيث كانت أسمائهم كما يروى في الكتب:
جعفر عليه السلام ، عبيد الله ، إبراهيم ، علي ، زينب ، ام سلمة (7).
أثر حسن التسمیة في تربية الطفل
الإمام الباقر عليه السلام كان يُولي أهمية كبيرة لعملية التربية ، إلى درجة أنه قد أصدر توجيهات تنص على ضرورة عدم التهجم أو الاستخفاف بأدنى طبقات المجتمع. في الواقع، طلب من أتباعه عدم اللجوء إلى لغة أو عبارات تحتوي على اسماء مهينة لهم. بدلاً من ذلك، حثهم على استخدام أفضل الألقاب والأسماء عند الإشارة إليهم. بتوجيهه « سموهم بأحسن أسمائهم » (8)، كان يدعو إلى نبذ التحقير والاعتناء بالطبقات الاجتماعية الأدنى. هذا النهج يظهر الاحترام الذي يجب أن يُظهر لجميع أفراد المجتمع، حتى في اللغة والتعامل معهم.
أثر الكلمة الطيبة في تربية الأبناء
الإمام الباقر عليه السلام كان يستفيد من هذا الأسلوب التربوي في تربية أبنائه في العديد من الأوقات. على سبيل المثال، يقول محمد بن مسلم: « كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر إذ دخل جعفر ابنه و على رأسه ذؤابة و في يده عصا يلعب بها فأخذه الباقر و ضمه إليه ضما ثم قال بأبي أنت و أمي لا تلهو و لا تلعب ثم قال لي يا محمد هذا إمامك بعدي فاقتد به و اقتبس من علمه و الله إنه لهو الصادق » (9).
مراحل التربية الروحية للطفل
في إحدى النقاشات الحكيمة، شرح الإمام الباقر عليه السلام مراحل التربية الروحية للأبناء، وفسّر كيفية توجيه وتربية الأبناء في مراحل عمرية مختلفة لقد ورد عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:
« إذا بلغ الغلام ثلاث سنين فقل له سبع مرات : قل : « لا إله إلا الله » ثم يترك حتى يبلغ ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرين يوما ، ثم يقال له : قل : « محمد رسول الله » سبع مرات ويترك حتى يتم له أربع سنين ، ثم يقال له : سبع مرات قل : صلى الله على محمد وآل محمد ويترك حتى يتم له خمس سنين ، ثم يقال له : أيهما يمينك وأيهما شمالك ، فإذا عرف ذلك حول وجهه إلى القبلة ويقال له : اسجد ، ثم يترك حتى يتم له ست سنين ، فإذ تم له ست سنين قيل له : صل وعلم الركوع والسجود حتى يتم له سبع سنين ، فإذا تم له سبع سنين قيل له : اغسل وجهك وكفيك فإذا غسلهما قيل له : صل ، ثم يترك » (10).
1ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 6 / الصفحة : 44 / ط الاسلامية.
2ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 6 / الصفحة : 43 / ط الاسلامية.
3ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 6 / الصفحة : 22 / ط الاسلامية.
4ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 6 / الصفحة : 22 / ط الاسلامية.
5ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 71 / الصفحة : 236 / ط مؤسسة الوفاء.
6ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 6 / الصفحة : 18 / ط الاسلامية.
7ـ إعلام الورى بأعلام الهدى / الشيخ الطبرسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 511 / ط- الحديثة.
8ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 46 / الصفحة : 291 / ط مؤسسة الوفاء.
9ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر / علي بن محمد الخزاز / المجلّد : 1 / الصفحة : 253.
10ـ مكارم الاخلاق / رضي الدين الطبرسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 222.
التعلیقات