مقام السيدة فضة
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 6 سنواتلم يحظ كثير من الشخصيات شرف التواجد في بيت الوحي والرسالة؛ لكي تستفيد، وتتأثر من تلك الأنوار القدسية، وتأخذ من علومهم الإلهية، وتتأدب بأخلاقهم الحسنة، ولكن هناك شخصيات حجزت لنفسها مكان في سجل التاريخ كانت وما زالت تحسد
عليه، ومن تلك الشخصيات السيدة فِضَّة أَمَة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام.
إن هذه المرأة العظيمة لم تكن مجرد خادمة للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فحسب، بل أنها تأثرت بشخصية السيدة الزهراء عليها السلام في مختلف الجهات حتى تكونت شخصيتها العلمية والإيمانية، وبلغت شأناً عظيماً، ودرجة عالية من الإيمان والتقوى، والزهد والورع.
وكانت مَحبَّتُها لأهل البيت عليهم السلام معروفة ومشهورة، وأمّا بلاغتها وحسن منطقها، فهو مشهور جاءت في كتب التاريخ بأنها لمدة من الزمن لم تتكلم إلّا بالقرآن الكريم.(3)
يُنسب إلى السيدة فضّة سلام الله عليها مقامان (مزاران)، أحدهما قبر والآخر لا يبدو كذلك: مقام يقع في العراق في محلّة باب النجف وهي إحدى محلاّت مدينة كربلاء المقدسة داخل زقاق متفرّع من بين الحرمين الشريفين، ويسمّى زقاق (شير فضة) نسبة إلى المقام المذكور. والمقام هو عبارة عن غرفة صغيرة في أحد أركانها يقع شباك يُمثّل مقام وقوف السيدة فضة سلام الله عليها، وهذا الركن تعلوه قبة صغيرة ومفتوح على الخارج بشباك معدني بينما تزين الجدار الخارجي لوحة مرسومة على الجدار تمثل الحادثة، وأضافت البناية المجاورة للمقام لمحة جميلة للمقام؛ إذ وضع صاحبها تمثالاً مجسما للأسد بمستوى قبة المقام .
و (شير) كلمة فارسية تعني الأسد، وسبب اختيار هذا الموقع وتسميته بهذا الاسم هو أن أسدا كان رابضا في هذا المكان، فأتته السيدة فضّة، وكلمته في شأن جثّة سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام، فهناك رواية عن الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ وأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَوْدِيِّ، قَالَ :(لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام، أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يُوطِئُوهُ الْخَيْلَ، فَقَالَتْ فِضَّةُ لِزَيْنَبَ: يَا سَيِّدَتِي، إِنَّ سَفِينَةَ(1) كُسِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، فَخَرَجَ إِلى جَزِيرَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، أَنَا مَوْلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَهَمْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتّى وقَفَهُ عَلَى الطَّرِيقِ، والْأَسَدُ رَابِضٌ فِي نَاحِيَةٍ، فَدَعِينِي أَمْضِ إِلَيْهِ وأُعْلِمْهُ مَا هُمْ صَانِعُونَ غَداً، قَالَ: فَمَضَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا غَداً بِأَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام؟ يُرِيدُونَ أَنْ يُوطِئُوا الْخَيْلَ ظَهْرَهُ،
قَالَ: فَمَشى حَتّى وضَعَ يَدَيْهِ عَلى جَسَدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام، فَأَقْبَلَتِ الْخَيْلُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ،
قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللهُ: فِتْنَةٌ لَاتُثِيرُوهَا، انْصَرِفُوا؛ فَانْصَرَفُوا).(2)
والمقام الثاني وهو مرقد فضّة، ويقع في بلاد الشام في مقبرة الباب الصغير في دمشق، حيث قيل بأنّها رجعت إلى الشام مع زينب بنت علي، وبقيت هناك حتى توفيت.
ـــ
1ـ «سفينة»، مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، اسمه: مهران، أو غير ذلك، وكنيته: أبو عبد الرحمان أو أبو ريحانة. سمّيسفينة لأنّه حمل متاعاً كثيراً لرفقائه في الغزو فقال له الرسول صلى الله عليه وآله: «أنت سفينة ». راجع : شرح المازندراني ، ج ٧، ص ٢٢٩؛ الوافي ، ج ٣ ، ص ٧٦٠ ؛ مرآة العقول، ج ٥، ص ٣٦٨.
2ـ الكافي: ج 2، ص 511، رقم الحديث ١٢٦٧ / ٨.
3ـ بحار الانوار: ج43، ص 86.
التعلیقات