تقدّست أُمٌّ ولدته
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتناهز الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام السابعة والأربعين، وكانت الأيام تمضي يوماً بعد يوم حتى صارت سنة 195 من الهجرة النبوية، ولم يولد حتى ذلك الحين الإمام التاسع من أئمة أهل البيت عليهم السلام.
وهذه القضية كانت داعية للقلق لدى مختلف أصحاب الامام الرضا عليه السلام وشيعته حيث أن الخلف الذي يرث الإمام إلى الآن لم يولد وما هو مصيرهم، ووصل هذا القلق الى أعلى مراتبه خصوصا عندما ظهرت الفرقة الواقفية، التي قالت بغيبة الإمام موسى الكاظم عليه السلام وذلك بدواعي مادية لأجل الاستحواذ على سهم الإمام دون الرجوع إلى الإمام الرضا عليه السلام، حيث كانوا يستدلون لإثبات إدعائهم التافهة بعدم وجود خلف للإمام الرضا عليه السلام.
وبلغت الجسارة أقصاها حينما كتب أحدهم إلى الإمام الرضا عليه السلام ويبعث له رسالة وردت فيها:
كيف تكون إماماً، وليس لك ولد؟
فأجابه أبو الحسن الرضا عليه السلام: >وما علمك أنه لا يكون لي ولد؟ واللّه، لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني اللّه ذكراً يفرق بين الحق والباطل<. (1)
وعن كلثم بن عمران قال: قلت للرضا عليه السلام: ادع الله أن يرزقك ولداً. فقال: «إنّما أُرزق ولداً واحداً وهو يرثني». فلما ولد أبو جعفر عليه السلام قال الرضا عليه السلام لأصحابه : «قد ولد لي شبيه موسى بن عمران، فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، تقدّست أُمٌّ ولدته، قد خُلقت طاهرة مطهّرة». (2)
فانظر إلى ما قاله الإمام الرضا عليه السلام في وصف زوجته السيدة سبيكة النوبية حيث يصفها بهذه الصفات ما يدل على أن لها مكانة خاصة عند أهل البيت عليهم السلام وكانت أم ولد يقال لها سبيكة، ويقال درة، ثم سماها الإمام الرضا عليه السلام خيزران، وكانت نوبية،(3) وقد نالت أشرف المراتب لولادتها بأبرك مولود عند الشيعة، كما وصفه والده بهذه الصفة، فعن يحيى الصنعاني قال: دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام وهو بمكة وهو يقشر موزاً، ويطعمه أبا جعفر عليه السلام، فقلت له: جعلت فداك هذا المولود المبارك قال: >نعم، يا يحيى، هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه<. (4)
وكانت السيدة سبيكة عليها السلام من أفضل نساء زمانها، وقد أشار إليها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بقوله: «بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيّبة». (5)
المعصوم عليه السلام يبلغها السلام
وفي خبر يزيد بن سليط، وملاقاته للإمام موسى بن جعفر عليه السلام في طريق مكة المكرمة، وهم يريدون العمرة، قال الإمام أبو إبراهيم موسى الكاظم عليه السلام: >إني اُؤخذ في هذه السنة، والأمر إلى ابني علي، سميّ علي وعلي.
فأمّا علي الأول فعلي بن أبي طالب عليه السلام
وأمّا علي الآخر فعلي بن الحسين عليه السلام
اُعطي فهم الأول وحكمته وبصره وودّه ودينه ومحنته، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره، وليس لـه أن يتكلّم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين.
ثم قال: «يا يزيد، فإذا مررت بهذا الموضع، ولقيته، وستلقاه، فبشّره أنه سيولد لـه غلام أمين مأمون مبارك وسيعلمك أنّك لقيتني، فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية أهل بيت مارية القبطية(6) جارية رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن قدرت أن تبلغها منّي السلام فافعل ذلك». (7)
كيفية الولادة المباركة
عن حكيمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قالت: لمّا حضرت ولادة الخيزران اُمّ أبي جعفر عليه السلام، دعاني الرضا عليه السلام، فقال لي: «يا حكيمة، احضري ولادتها وأخلني وإيّاها والقابلة بيتاً» ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا.
فلمّا أخذها الطلق(8) طفي المصباح وبين يديها طست، فاغتمّت بطفي المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست، وإذ عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه. فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء.
فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه في المهد وقال لي: «يا حكيمة، ألزمي مهده<.
قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء، ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله<.
فقمت ذعرة(9) فزعة، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام)، فقلت: سمعت من هذا الصبي عجباً.
فقال: «وما ذاك»؟
فأخبرته الخبر.
فقال: «يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر». (10)
ــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الكافي: ج1، ص320.
2ـ عيون المعجزات : 121 . وعنه الاَنوار البهية | المحدّث الشيخ عباس القمي : 209 .
3ـ بحار الانوار: ج 50، ص 13.
4ـ الكافي: ج 6، ص 361.
5ـ كشف الغمّة: ج2 ص351.
6ـ القبط: أهل مصر ونسبت إليهم قبطية، كتاب (العين) مادّة قبط.
7ـ إعلام الورى: ص319 الفصل2.
8ـ الطلق: وجع الولادة، (لسان العرب) مادّة طلق.
9ـ الذعر: الخوف والفزع، (لسان العرب) مادّة ذعر.
10ـ مناقب آل أبي طالب: ج4 ص395.
التعلیقات