حبيب بن مظاهر باب الحسين عليه السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتإنّ الأطفال كثيرا ما يتأثرون برواية القصص، ويستطيع كل من الأبوين أن يستفاد من هذا الأمر والفرصة؛ لتربية الأولاد؛ لأن الأطفال لهم شغف لاستماع القصص، ويتأثرون إلى حد كبير بها، ويتفاعلون معها، وللقصص تأثير أكبر من النصيحة المباشرة؛ لأن القصة تمنحه الفرصة بأن يفكر ويستلهم منها، ومن هذا المنطلق سوف نروي لكم قصة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام؛
لكي نستلهم من حياتهم الدروس، ونتعلم منهم كيف وصلوا إلى هذا المقام الرفيع.
فكان من جملة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله حبيب بن مظاهر الأسدي وكان مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يلازمه أيضا، وشهد جميع حروبه، ثم صار بعد ذلك من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، وهو من جملة الأفراد الذين كتبوا إلى الإمام الحسين عليه السلام أن أقدم إلينا فليس لنا إمام غيرك. (1)
فهو باب الحسين عليه السلام، حيث كان معهوداً من قديم الزمان أن من يريد زيارة ضريح سيد الشهداء صلوات الله عليه يذهب أولا لضريح حبيب بن مظاهر الأسدي، ومن ثم يذهب نحو الضريح المقدس، وهناك عادة حسنة عند كثير من أهالي كربلاء المقدسة حتى يومنا هذا، إذا طلب منهم أحد أن يدعون له كي يوفق لزيارة الحسين (ع) ويأتي إلى كربلاء، فهم يذهبون ويكتبون اسمه على ضريح حبيب بن مظاهر رحمه الله، ومن بعد ذلك يوفقه الله عزّ وجل للزيارة.
وروي إن حبيب بن مظاهر كان ذات يوم واقفاً في سوق الكوفة عند العطّار يشتري خضابا (أي: صبغ لتلوين شعره)، فمرّ عليه مسلم بن عوسجة، فالتفت إليه حبيب، وقال له: يا مُسلم، إنّي أرى أهل الكوفة يجمعون الخيل والرجال والأسلحة! فبكى مسلم، وقال: عزموا على قتال ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
فبكى حبيب، ورمى الخضاب من يده، وقال: والله لا تصبغ هذه إلا من دم منحري. (2)
كان حبيب ينتظر الأمر وبينما هو جالس في بيته وإذا بالباب يُطرق، وكانت زوجتُه قد تفاءلت بورودِ كتابٍ كريمٍ من رَجُلٍ كريم، وذلك عِندما غصّت بلُقمتها، طُرق الباب، أقبل حبيب فتح الباب وإذا برجُلٍ يحمل الرّسالة. استلم حبيب منه الرسالة، ثُمَّ قال: ادخُل على الرّحب والسّعة، فشكره الرّسول، وقال: الأمرُ أسرع من ذلك.
دخل حبيب فتح الرسالة قرأها تهاملت دُموعه، وتحنّت ضلُوعه، كان قد كتب له الإمام الحسين بن علي عليهما السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم
من الحُسين بن علي إلى الرجُل الفقيه حبيبِ بن مظاهر.
أما بعد؛
فقد نزلنا كربلاء والسّلام. (3).
فهذه الرسالة كانت إشارة فحسب لتلبية نداء الحسين (ع)، فهو فور ما قرأها عرف المطلب أن الموعد قد حان حينه، فهو كان على موعدٍ ثابتٍ من أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه أخبره سَيُوفّق إلى الشهادة بين يدي ابنه الإمام الحسين عليه السلام، وبعد مقتل مُسلم بن عقيل وتَوجّه الإمام الحُسين عليه السلام إلى العراق، كان ينتظر هذا الأمر؛ إذ أنه كان يتمتع بعلوم المنايا والبلايا.
وأمّا زوجتُه أخذت تبكي كَبُكاء الثّكلى، ثمَّ أخذت تحثُّه على الإسراع بالذهاب إلى الإمام الحسين عليه السلام، وضمنت له رعاية أطفالِه ومُداراتهم، وهو يمتحنُ صبرَها وولائَها، فأخذ يُظهر التباطُأ والتكاسُل، فالتفتت إليه بآهات وحسراتٍ وأنين وحنين.
وبعد أيام هيأ نفسه، وأعطى جواده إلى غلامه، وأمره أن ينتظره في مكانٍ عيّنه له بحجة أنه يريد أن يتفقد بساتينه؛ لأنّه كان يملك أراضي واسعة، كل ذلك خوفاً من عيون عبيد الله بن زياد، فلمّا جاء حبيب، وقد تأخّر قليلاً رأى الغلام يكلّم الفرس، والفرس يبكي، ولمّا وصل قريباً منه سمعه يقول: أيها الفرس! إذا لم يأت صاحبك فسأمتطيك، وأذهب لنصرة سيدي الحسين عليه السلام، ولمّا سمع حبيب منه ذلك أخذ يبكي، ويقول: يا أبا عبد الله العبيد يتمنّون نصرتك، فكيف بالأحرار؟!
فركب مع غلامه متوجّهين إلى معسكر الحسين عليه السلام، يسيرون في الليل، ويختفون في النهار، وكان الحسين عليه السلام قد قسّم الرايات على أصحابه، وكانت اثنتي عشرة راية أبقى راية واحدة، فقال له بعض أصحابه مُنَّ عليّنا بحملها، فقال: يأتي إليها صاحبها. بينما الحسين عليه السلام وأصحابه في الكلام وإذا بغبرةٍ ثائرةٍ، فالتفتَ الإمام عليه السلام، وقال: إنَّ صاحب هذه الراية قد أقبل، فلمّا صار حبيب قريباً من الإمام المظلومِ تَرجَّل عن جواده، وجعل يُقبِّل الأرض بين يديه، وهو يبكي، فسلّم على الإمام وأصحابه، فردوا عليه السلام، وسلّمه الإمام الراية، وانتشر خبر وصول حبيب إلى خيام النساء الطاهرات، فسألت زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام: من هذا الذي جاء، والتحق بنا؟ قالوا: سيدتنا إنّه حبيب بن مظاهر، فقالت: أقرأوه عنّي السلام.
فلما بلّغوه سلامها، لطم حبيب على وجهه، وحثا التُرابَ على رأسه، فقال: ومَن أكون حتى تُسلّم عليّ بنتُ أمير المؤمنين؟ (4)
ففي يوم عاشوراء وعند وقت الزوال ذكر أبو ثمامة الصائدي الصلاة، فرفع الإمام الحسين عليه السلام رأسه، ثم قال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم هذا أول وقتها.
ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي، فقال لهم الحصين بن تميم: إنّها لا تقبل منك. فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله، وتُقبل منك يا حمار.
فحمل عليهم حصين بن تميم، وخرج اليه حبيب بن مظاهر، فضرب وجه فرسه بالسيف، فنشب، ووقع عنه، وحمله أصحابه واستنقذوه، وأخذ حبيب يقول:
أنا حبيب وأبي مُظهر فارس هيجاء وليث قسور
أنتم أعدُّ عُدةً وأكثر ونحن أوفى منكُمُ وأصبر
ونحن أعلى حُجّةً وأظهر حقّاً وأتقى منكُمُ وأعذر(5)
ولم يزل يقاتل حتّى قتلَ من القوم مقتلةً عظيمةً، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني فضربه بسيفه، وحمل عليه آخر من تميم، فطعنه برُمحِه، فوقع إلى الأرض، فأراد أن يقوم، فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف، فسقط إلى الأرض من شدة الجراحات وكثرة ما به من طعنات الرمح وضرب السيوف، فنادى: أدركني يا ابن رسول الله.
فلما سمع الإمام الحسين عليه السلام نداءه ركب فرسه، وأسرع حتى وقف عليه، فأدركه وبه رمق، ففتح حبيب عينه، ورمق الحسين بطرفه، وقال: يا ابن رسول الله، أتريد أن أبلّغ جدك وأباك عنك شيئاً، فإنّي صائر إليهم، ثم قال: الحمد لله الذي منّ عليّ حتى خضّبت لحيتي من دمي في محبتك.
فبكى الإمام الحسين عليه السلام وقال: يا حبيب أبشر بالجنة، ونحن على الأثر، فاستبشر حبيب بهذه البشارة، وعزم على السفر إلى دار السرور.
وفي مقتل أبي مخنف: لما قتل حبيب بانَ الانكِسارُ في وجهِ الحُسينِ عليه السلام ثم قال: «لله دَرُّك يا حَبيبُ، لَقَد كُنتَ فاضِلاً تَختِمُ القُرآنَ في لَيلَةٍ واحِدَةٍ». (6)
ـــــــــــــــ
1ـ الإرشاد: ج 2 ، 37.
2ـ معين الخطباء نقلاً ج1 ص170 عن ثمرات الأعواد ج 1 ص 210.
3ـ فرسان الهيجاء: ص 124.
4ـ فرسان الهيجاء: ص 126.
5ـ إبصار العين في أنصار الإمام الحسين عليه السلام: ص 105.
6ـ مقتل أبي مخنف: ص 66.
التعلیقات