شذرات من كلام الإمام الحسن عليه السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتعندما يكون الكلام حول سيرة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام يتصور البعض أنه (ع) رجل الصلح والمهادنة، ويُلخّص حياة الإمام في صلحه مع معاوية، ولا ينظر إلى الجوانب العديدة التي أسس الإمام عليه السلام لها.
نعم، لقد أعدّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام الجيوش والمقاتلين لقتال ابن هند عندما سمحت له الظروف بذلك، ولكن عامل المفاجأة عرقل حركة الإمام ودفعه نحو الصلح، فكانت تلك المفاجأة هي الخيانة التي برزت في صفوف الجيش، فكانت السبب في ترك الإمام (ع) للقتال وقبوله للصلح، فجيب (ع) على أحد من أصحابه حين عاتبه لماذا رضيت بالصلح فقال عليه السلام: «والله لو وجدت أنصاراً لقاتلت معاوية ليلي ونهاري». (1)
ومع كلّ هذا وبعد وقوع الصلح مع معاوية، استمرّ الإمام الحسن عليه السلام في مسيرته الجهادية ضده، وكان يمهد الأرضية لواقعة الطف، ولم يسكت عن الحق، بل التزم بما جاء في الكتاب الذي صالح عليه معاوية مع علمه بغدر معاوية وعدم التزامه به، ثم قتله مسموماً خير دليل على أن الإمام ما كان ساكتا وصامتا، وإلاّ لماذا قُتل الإمام الحسن عليه السلام لو كان رجل مسالمة وصُلح مع العدوّ؟! فأيّ تأثير له على نظام معاوية ما دام كذلك؟!
وكان الإمام عليه السلام يقوم بنشر معالم الدين ويحارب الانحرافات التي ظهرت من قبل أعداء الدين، وكان له اهتمام بالغ لجانب الأخلاق وترغيب الناس الى الحياة الكريمة، وتقديم دروس أخلاقية تربوية ترشدهم إلى جادة الصواب، وهذا ما نشاهده في بعض كلماته التي وردت عنه عليه السلام قال: «يا ابنَ آدمَ! عِفَّ عَن مَحارِمِ اللّهِ تعالى تَكُن عابِداً، وأرضَ بِما قَسَمَ اللّهُ سُبحانَهُ لَكَ تَكُن غَنِيّاً، وأحسِن جِوارَ مَن جاوَرَكَ تَكُن مُسلِماً، وصاحِبِ الناسَ بِمِثلِ الّذي تُحِبّ أن يُصاحِبوك بِمِثلِهِ تَكُن عَدلاً». (2)
نعم، في هذا الحديث يعطي الإمام عليه السلام دستوراً وشذرات ثمينة لكل الناس في جميع الأزمنة؛ لكي يعيشوا في أجواء إيمانية وروحانية تجعل ضميرهم في راحة بال وصفا.
ففي المقام الأول: عندما يريد الإنسان أن يكون عابداً فعليه أن يترك جميع المحرمات التي نهت عنها الشريعة المقدسة، ويلتزم الواجبات.
المقام الثاني: يبرز الإمام مقام الرضا فالإنسان إذا وصل إلى هذا المقام يستغني عن كل شيء، ويكون غنياً بما في يده ولو كان شيئاً بسيطاً.
المقام الثالث: حُسن الجوار، وقد أكدت الروايات على هذا الجانب فالإنسان إذا أحسن الجوار يستطيع أن يكون مبلّغاً للإسلام، وذلك بسلوكه وأخلاقه مع جيرانه، والفرد المسلم يجب أن يكون نموذجاً في حسن تصرفه مع الجيران.
المقام الرابع: فإذا كان الإنسان عَدلاً بتصرفه مع الآخرين، فالنتيجة تكون كذلك فما يحبه لنفسه يحبه للآخرين أيضا، والإنسان بفطرته السليمة يحب الاحترام والخلق الحسن والكرم وجميع صفات الحميدة، فعندما يصاحب الناس بهذه الصفات الكريمة؛ فسوف يتعاملون معه بالمثل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الاحتجاج: للطبرسي، ص151.
2ـ نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: ص 79، ح33؛ بحار الأنوار: ج 78، ص 112.
التعلیقات