زينب بنت خزامة أم المساكين
زهراء الكواظمة
منذ 3 سنواتلا أحد يقدر أن ينكر، ويتجاهل دور المرأة وتأثيرها في التاريخ على مر العصور، من ابتداء الخلقة وتأثير السيدة حواء سلام الله عليها على مصير البشر إلى الآن، ومدى تأثير المرأة في الحياة بكونها نصف المجتمع، فقد نشاهد التاريخ يتغير، ويتحول من حالة إلى حالة بتأثير بعض النساء سلباً أو أيجاباً؛ فلذا نجد هناك أسماء لبعض النساء خلدهنّ التاريخ، ومن تلك النساء السيدة زينب بنت خزيمة الهلالية لارتباطها برسول الله صلى الله عليه وآله.
لماذا لُقبت زينب بأم المساكين؟
لُقبت "زينب" بنت خزيمة بأم المساكين؛ لأنها كانت تُحب مساعدة الفقراء والمساكين، وكانت تعطف عليهم حتى قبل زواجها من النبي صلى الله عليه وآله، وظلت على ذلك الحال حتى انتقلت إلى مثواها الأخير، وعلى الرغم من أنها لم تبق فترة طويلة في بيت النبي صلى الله عليه وآله إلا أنها كانت مقصدًا لكل فقير ومحتاج، إذ كانت تخصص جزءًا من نفقتها لمساعدة الفقراء والمساكين.(1)
وفاتها
ماتت بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وآله بثمانية أشهر، وذلك في ربيع الثاني سنة 4 هـ، وذكر بعض المؤرخين أنها عاشت مع رسول الله صلى الله عليه وآله شهرين أو ثلاثة، وماتت.
كان عمرها حين وفاتها 30 سنة، ولم يمت أحد من أزواجه في حياته صلى الله عليه وآله غيرها وغير السيدة خديجة سلام الله عليها قبلها، وهي أول زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله تموت في المدينة، ولم يحصل منها على ولد، فصلى عليها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله صلاة الميت ودفنها في البقيع.(2)
جانب من حكمة تعدّد زوجات النّبي:
﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾.(3)
إنّ الجملة الأخيرة في الآية أعلاه إشارة في الواقع إلى فلسفة هذه الأحكام الخاصّة بنبيّنا الأكرم، حيث تقول: إنّ للنبي صلّى اللّه عليه وآله ظروفا لا يعيشها الآخرون، وهذا التفاوت في الظروف أصبح سببا للتفاوت في الأحكام.
و بتعبير أوضح، إنّ الهدف من هذه الأحكام رفع بعض المشاكل والصعوبات من كاهل النّبي صلّى اللّه عليه وآله. وهذا تعبير لطيف يبيّن أنّ زواج النّبي صلّى اللّه عليه وآله من عدّة نساء كان لحلّ سلسلة من المشاكل الاجتماعية والسياسية في حياته؛ لأنّا نعلم أنّ النّبي صلّى اللّه عليه وآله كان وحيدا حينما صدع بنداء الإسلام ورفع شعاره، ولم يؤمن به بعد مدّة طويلة سوى عدّة معدودة، فإنّه ثار ضدّ كلّ معتقدات عصره وبيئته الخرافية، وأعلن الحرب ضدّ الجميع، فمن البديهي أن تتّحد كلّ الأقوام والقبائل ضدّه.
في هذا الوضع كان لا بدّ من أن يستعين بكلّ الوسائل، ويستغلّها لكسر اتّحاد الأعداء اللامشروع، وكانت إحدى هذه الوسائل هو الزواج من القبائل المختلفة لإيجاده علاقة قرابة ونسب؛ لأنّ رابطة القرابة كانت تعدّ أقوى الروابط بين عرب الجاهلية، وكانوا يعتبرون الصهر من نفس القبيلة، والدفاع عنه واجبا، وتركه وحيدا جريمة وذنبا.
إنّ لدينا قرائن كثيرة تبيّن أنّ زواج النّبي صلّى اللّه عليه وآله المتعدّد كان له صبغة سياسيّة في كثير من الموارد على أقلّ تقدير. وأحدها- كزواجه بزينب- كان لكسر سنّة جاهلية، وقد بيّنا تفصيله في ذيل الآية (37) من هذه السورة، وبعضه لتقليل العداوة، أو لجلب محبّة أشخاص أو أقوام متعصّبين عنودين.
﴿وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ (من دون مهر) إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، أي: أنّ هذا الحكم خاص للنبي صلّى اللّه عليه وآله، ولا يشمل سائر المؤمنين ﴿قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ﴾ وبناء على هذا، فإذا كنّا قد حدّدنا بعض المسائل فيما يتعلّق بالزواج من هؤلاء النسوة، فقد كان ذلك استنادا إلى مصلحة حاكمة في حياتك وحياتهن، ولم يكن أيّ من هذه الأحكام والمقرّرات اعتباطيا وبدون حساب.
ثمّ تضيف الآية ﴿لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾، وبالتالي ستكون قادرا على أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقك في القيام بهذا الواجب ﴿وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾.
و في مورد القسم الأخير- أي النساء اللّاتي لا مهر لهنّ- ينبغي الالتفات إلى النقاط أدناه:
1- لا شكّ أنّ جواز اتّخاذ زوجة من دون مهر كان من مختصّات النّبي صلّى اللّه عليه وآله والآية صريحة في هذه المسألة؛ ولذلك فهي من مسلّمات الفقه الإسلامي، وبناء على هذا، فلا يحقّ لأيّ امرئ أن يتزوّج امرأة بدون مهر، قلّ أم كثر، وحتّى إذا لم يرد ذكر المهر أثناء إجراء صيغة العقد، ولم تكن هناك قرينة تعيّنه، فيجب أن يدفع مهر المثل، والمراد من مهر المثل: المهر الذي تجعله النساء اللاتي تشابهها في الأوصاف والخصوصيات لأنفسهنّ عادة.
2- هناك بحث بين المفسّرين في أنّه هل لهذا الحكم الكلّي مصداق في مورد زوجات النّبي صلّى اللّه عليه وآله أم لا؟
يعتقد البعض- كابن عبّاس وبعض آخر من المفسّرين- أنّ النّبي صلّى اللّه عليه وآله لم يتزوّج بأيّه امرأة على هذه الحال، وبناء على هذا، فإنّ الحكم أعلاه كان إذنا عاما للنّبي صلّى اللّه عليه وآله إلّا أنّه لم يطبّق عمليا مطلقا.
في حين أنّ آخرين ذكروا أسماء ثلاث أو أربع نسوة من زوجات النّبي صلّى اللّه عليه وآله اللّاتي تزوجهنّ بدون مهر، وهنّ: «ميمونة» بنت الحارث، و«زينب» بنت خزيمة، وكانتا من الأنصار، وامرأة من بني أسد، واسمها «أمّ شريك» بنت جابر، و«خولة» بنت حكيم.
و من جملة ما ورد في الروايات أنّ «خولة» عند ما وهبت نفسها للنبي صلّى اللّه عليه وآله اعترضت عائشة، فقالت: ما بال النساء يبذلن أنفسهنّ بلا مهر؟! فنزلت الآية أعلاه، غير أنّ عائشة التفتت إلى النّبي صلّى اللّه عليه وآله وقالت: أرى اللّه يسارع في هواك- وكان هذا نوع من التعريض بالنّبي صلّى اللّه عليه وآله- فقال لها النّبي صلّى اللّه عليه وآله: «وإنّك إن أطعت اللّه سارع في هواك».(4)
لُقبت "زينب" بنت خزيمة بأم المساكين؛ لأنها كانت تُحب مساعدة الفقراء والمساكين، وكانت تعطف عليهم حتى قبل زواجها من النبي صلى الله عليه وآله، وظلت على ذلك الحال حتى انتقلت إلى مثواها الأخير، وعلى الرغم من أنها لم تبق فترة طويلة في بيت النبي صلى الله عليه وآله إلا أنها كانت مقصدًا لكل فقير ومحتاج، إذ كانت تخصص جزءًا من نفقتها لمساعدة الفقراء والمساكين.(1)
وفاتها
ماتت بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وآله بثمانية أشهر، وذلك في ربيع الثاني سنة 4 هـ، وذكر بعض المؤرخين أنها عاشت مع رسول الله صلى الله عليه وآله شهرين أو ثلاثة، وماتت.
كان عمرها حين وفاتها 30 سنة، ولم يمت أحد من أزواجه في حياته صلى الله عليه وآله غيرها وغير السيدة خديجة سلام الله عليها قبلها، وهي أول زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله تموت في المدينة، ولم يحصل منها على ولد، فصلى عليها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله صلاة الميت ودفنها في البقيع.(2)
جانب من حكمة تعدّد زوجات النّبي:
﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾.(3)
إنّ الجملة الأخيرة في الآية أعلاه إشارة في الواقع إلى فلسفة هذه الأحكام الخاصّة بنبيّنا الأكرم، حيث تقول: إنّ للنبي صلّى اللّه عليه وآله ظروفا لا يعيشها الآخرون، وهذا التفاوت في الظروف أصبح سببا للتفاوت في الأحكام.
و بتعبير أوضح، إنّ الهدف من هذه الأحكام رفع بعض المشاكل والصعوبات من كاهل النّبي صلّى اللّه عليه وآله. وهذا تعبير لطيف يبيّن أنّ زواج النّبي صلّى اللّه عليه وآله من عدّة نساء كان لحلّ سلسلة من المشاكل الاجتماعية والسياسية في حياته؛ لأنّا نعلم أنّ النّبي صلّى اللّه عليه وآله كان وحيدا حينما صدع بنداء الإسلام ورفع شعاره، ولم يؤمن به بعد مدّة طويلة سوى عدّة معدودة، فإنّه ثار ضدّ كلّ معتقدات عصره وبيئته الخرافية، وأعلن الحرب ضدّ الجميع، فمن البديهي أن تتّحد كلّ الأقوام والقبائل ضدّه.
في هذا الوضع كان لا بدّ من أن يستعين بكلّ الوسائل، ويستغلّها لكسر اتّحاد الأعداء اللامشروع، وكانت إحدى هذه الوسائل هو الزواج من القبائل المختلفة لإيجاده علاقة قرابة ونسب؛ لأنّ رابطة القرابة كانت تعدّ أقوى الروابط بين عرب الجاهلية، وكانوا يعتبرون الصهر من نفس القبيلة، والدفاع عنه واجبا، وتركه وحيدا جريمة وذنبا.
إنّ لدينا قرائن كثيرة تبيّن أنّ زواج النّبي صلّى اللّه عليه وآله المتعدّد كان له صبغة سياسيّة في كثير من الموارد على أقلّ تقدير. وأحدها- كزواجه بزينب- كان لكسر سنّة جاهلية، وقد بيّنا تفصيله في ذيل الآية (37) من هذه السورة، وبعضه لتقليل العداوة، أو لجلب محبّة أشخاص أو أقوام متعصّبين عنودين.
﴿وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ (من دون مهر) إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، أي: أنّ هذا الحكم خاص للنبي صلّى اللّه عليه وآله، ولا يشمل سائر المؤمنين ﴿قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ﴾ وبناء على هذا، فإذا كنّا قد حدّدنا بعض المسائل فيما يتعلّق بالزواج من هؤلاء النسوة، فقد كان ذلك استنادا إلى مصلحة حاكمة في حياتك وحياتهن، ولم يكن أيّ من هذه الأحكام والمقرّرات اعتباطيا وبدون حساب.
ثمّ تضيف الآية ﴿لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾، وبالتالي ستكون قادرا على أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقك في القيام بهذا الواجب ﴿وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾.
و في مورد القسم الأخير- أي النساء اللّاتي لا مهر لهنّ- ينبغي الالتفات إلى النقاط أدناه:
1- لا شكّ أنّ جواز اتّخاذ زوجة من دون مهر كان من مختصّات النّبي صلّى اللّه عليه وآله والآية صريحة في هذه المسألة؛ ولذلك فهي من مسلّمات الفقه الإسلامي، وبناء على هذا، فلا يحقّ لأيّ امرئ أن يتزوّج امرأة بدون مهر، قلّ أم كثر، وحتّى إذا لم يرد ذكر المهر أثناء إجراء صيغة العقد، ولم تكن هناك قرينة تعيّنه، فيجب أن يدفع مهر المثل، والمراد من مهر المثل: المهر الذي تجعله النساء اللاتي تشابهها في الأوصاف والخصوصيات لأنفسهنّ عادة.
2- هناك بحث بين المفسّرين في أنّه هل لهذا الحكم الكلّي مصداق في مورد زوجات النّبي صلّى اللّه عليه وآله أم لا؟
يعتقد البعض- كابن عبّاس وبعض آخر من المفسّرين- أنّ النّبي صلّى اللّه عليه وآله لم يتزوّج بأيّه امرأة على هذه الحال، وبناء على هذا، فإنّ الحكم أعلاه كان إذنا عاما للنّبي صلّى اللّه عليه وآله إلّا أنّه لم يطبّق عمليا مطلقا.
في حين أنّ آخرين ذكروا أسماء ثلاث أو أربع نسوة من زوجات النّبي صلّى اللّه عليه وآله اللّاتي تزوجهنّ بدون مهر، وهنّ: «ميمونة» بنت الحارث، و«زينب» بنت خزيمة، وكانتا من الأنصار، وامرأة من بني أسد، واسمها «أمّ شريك» بنت جابر، و«خولة» بنت حكيم.
و من جملة ما ورد في الروايات أنّ «خولة» عند ما وهبت نفسها للنبي صلّى اللّه عليه وآله اعترضت عائشة، فقالت: ما بال النساء يبذلن أنفسهنّ بلا مهر؟! فنزلت الآية أعلاه، غير أنّ عائشة التفتت إلى النّبي صلّى اللّه عليه وآله وقالت: أرى اللّه يسارع في هواك- وكان هذا نوع من التعريض بالنّبي صلّى اللّه عليه وآله- فقال لها النّبي صلّى اللّه عليه وآله: «وإنّك إن أطعت اللّه سارع في هواك».(4)
1ـ راجع كتاب سبل الهدى والرشاد: ج 11، ص 206.
2ـ تاريخ الطبري، ج 11، 596؛ الطبقات الكبرى، ج 8، ص 91.
3ـ سورة الأحزاب: الآية 50.
4ـ تفسير الأمثل: ج 13، ص 310ـ 311.
التعلیقات