فلسفة الحجاب في الإسلام (٢)
موقع المعارف
منذ 10 سنوات2 - إحكام الرابطة الأسريّة:لا شكّ في أنّ كلَّ أمر يؤدّي إلى إحكام العلاقة الأُسريّة، ويُفضي إلى
خلق روح المودّة الصميمة بين الزوجين هو أمر نافع للأُسرة، يجب بذل أكبر ما يُمكن من جهد لتحقيقه. وعلى العكس كلُّ أمر يؤدّي إلى إضعاف العلاقة بين الزوجين، وإخماد جذوة الحبّ بينهما، أمر مضرّ بالحياة الأُسريّة، ويجب محاربته.
إنّ انحصار المتع والّلذّات الجنسيّة في محيط الأُسرة وتحت ظلِّ الزواج المشروع يُعمِّق العلاقة بين الزوجين، ويؤدّي إلى تلاحمهما بشكلٍ أكبر.
إنّ حكمة الستر ومنع المتع الجنسيّة مع غير الزوجة الشرعيّة - على المستوى الأُسريّ - هي: أنّ الزوجة الشرعيّة تُصبح من زاوية نفسيّة عامل إسعاد للرجل. في حين تكون الزوجة الشرعيّة من زاوية نفسيّة - في ظل الإباحة الجنسيّة - مراقباً مُزعِجاً وبالتّالي يقوم بناء الأُسرة على أساس العداء والتنافر.
وهذا الوضع هو علّة ما نراه لدى شباب اليوم، حيث يتهرّبون من الزواج، وكلّما اقتُرح عليهم الزواج يُجيبون بأنّ الوقت لم يحلّ ولا نزال أطفالاً، أو يطرحون معاذير أخرى... في حين كان الزواج قديماً أحلى أماني الشباب. وقد كان الشباب - قبل أنْ تتحوّل المرأة، بفضل العالم الغربيّ، إلى سلعة رخيصة ومتوافرة - لا يفضّلون حياة الملوك على ليلة الزفاف.
كان الزواج قديماً يتحقّق بعد مرحلة من الانتظار والتمنّي، وفي ضوء ذلك يُصبح كلٌّ من الزوجين عاملاً في سعادة الآخر. أمّا اليوم فلا مبرّر لذاك الشوق وتلك الرغبة، بعد أنْ أصبحت المتعة الجنسيّة خارج إطار الزواج متوافرة في حدِّها الأعلى.
إنّ العلاقات الحرّة، دون قيد أو شرط، بين الفتيات والشباب حوّلت الزواج إلى تكليف وتقييد، لا بُدّ من تحميله للشباب عن طريق الوصايا والمواعظ الأخلاقيّة، وأحياناً - كما تقترح بعض الصحف عن طريق القوّة.
يختلف المجتمع الذي يحصر العلاقات الجنسيّة بمحيط العائلة وتحت ظلِّ الزواج الشرعيّ عن المجتمع الّذي يُبيح الاختلاط الجنسيّ الحرّ، في أنّ الزواج في المجتمع الأوّل نهاية الحرمان والانتظار، بينما يكون الزواج في المجتمع الثاني بداية التقييد والحرمان. ففي ظلِّ النظام الحرّ يضع عقد الزواج نهاية لمرحلة حريّة الفتاة والشاب، ويُلزمهما بالوفاء أحدهما للآخر. وفي ظلِّ النظام الإسلاميّ يضع الزواج نهاية للحرمان والانتظار.
يؤدي النظام الحرُّ إلى أوّلاً: امتناع الشباب عن الزواج وبناء الأُسرة ما أمكنهم، ويُقدمون على الزواج في حالة مشارفة نشاطهم وحيويّتهم الشابّة على الضعف والانحلال. وتكون المرأة عندئذٍ وسيلة إنجاب فقط، أو يطلبونها لأداء الخدمات.
ثانياً: يؤدّي إلى تفكيك عُرى العلاقات الزوجيّة، وبدلاً من بناء العائلة على أساس الحبّ العميق والعشق الخاصّ، وبدلاً من أنْ يجد كلٌّ من الزوجين في الآخر عامل إسعاد، تُبنى الأُسرة على أساس الرقابة، ويجد كلٌّ من الزوجين الآخر عاملاً في سلب حريّته وتقييده.
فحينما يريد الفتى أو الفتاة أنْ يقول: تزوّجت، يقول: اتّخذت حارساً لحبسي. لِمَ ذلك؟ لأنّهما كانا قبل الزواج حرَّيْن، يذهبان حيث يرغبان، ويرقصان مع من يُريدان، دون حدٍّ، وبلا رقيب.
أمّا بعد الزواج فتُحدّ هذه الحريّة. فإذا تأخّر ليلاً تُحاسبه زوجته وتسأله: أين كنتَ؟ وإذا رقص مع فتاة في حفل صاخب، تعترض عليه زوجته، ومن الواضح إلى أيِّ حدٍّ تتحلّل العلاقة الأُسريّة في ظلِّ هذا النظام، وإلى أيِّ حدٍّ تُصبح موضع شكٍّ وريبة.
ظنَّ بعضهم أمثال "راسل" أنّ الحيلولة دون العلاقات الحرّة إنّما تكون لتطمين الرجل على سلامة نسله وعدم اختلاط نسبه. فاقترحوا لحلِّ هذا الإشكال موانع الحمل، في حين أنّ المسألة لا تنحصر في سلامة النسل. فالأهمّ من ذلك هو خَلْق أنبل وأشدّ العواطف الإنسانيّة بين الزوجين، وتحقيق الوحدة والانسجام في محيط الأُسرة. ويُمكن تحقيق هذا الهدف حينما ينصرف الأزواج والزوجات عن ألوان المتعة الجنسيّة مع غير زوجاتهم وأزواجهنّ الشرعيّين. فلا يكون للرجل عين طمع بغير زوجته، ولا تخرج المرأة مُثيرة مهيّجة لغير زوجها، ورعاية قاعدة المنع عن ألوان المتعة الجنسيّة خارج محيط الأُسرة، قبل الزواج أيضاً.
مُضافاً إلى أنّ المرأة المتطوِّرة، التي تُقلِّد أمثال "راسل" وتلتزم بمدرسة "الأخلاق الجنسيّة الحديثة"، تلتمس الحبَّ والعشق - مع كونها ذات زوج ثانوي - في مجال آخر، وتُمارس الجنس مع معشوقها. وما هو الضمان لأنْ لا تستخدم المرأة وسائل منع الحمل مع زوجها الشرعيّ الّذي لا تربطها معه علاقة حبّ أكيدة، وتفسح المجال أمام معشوقها لأنْ تحمل منه، وتُلحق الولد بالزوج الشرعيّ؟! من المقطوع به أنّ مثل هذه المرأة ترغب بأنْ تحمل من الرجل الذي تعشقه، لا من زوجها الشرعيّ، الّذي تربطها معه علاقة شرعيّة فقط، والّذي لا يجوز
أنْ تحمل من غيره بحكم الشرع. كما أنّ الرجل بالطبع يُريد أنْ يُنجب من المرأة التي يُحبّها، لا من المرأة التي تربطه معها رابطة شرعيّة فقط. وقد أثبت العالَم الأوروبي أنّ إحصائيات الأبناء غير الشرعيّين مُذهِلة، رغم توافر وسائل منع الحمل.
3 - التماسك الاجتماعيّ:إنّ جرَّ الممارسات الجنسيّة من محيط الأُسرة إلى المحيط الاجتماعيّ العام، يؤدّي إلى إضعاف النشاط الإنتاجيّ والفعّاليّة الاجتماعيّة. خلافاً لتمحّلات معارضي الحجاب، حيث يقولون: "إنّ الحجاب يؤدّي إلى تعطيل نصف الطاقات الاجتماعيّة".
فالسفور وترويج العلاقات الجنسيّة الحرّة يؤدّي إلى إضعاف الطاقة الإنتاجية للمجتمع.
إنّ الذي يؤدّي إلى تعطيل قوى المرأة وحبس استعداداتها هو الحجاب؛ إذا جاء على صورة سجن المرأة وحرمانها من الفعاليّات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. وليس هناك في الإسلام شيء من هذا القبيل. فالإسلام لا يقول: على المرأة أنْ لا تخرج من دارها. ولا يقول: ليس للمرأة حقّ في التعلُّم وتحصيل العلم. بل على العكس فالإسلام يرى أنّ طلب العلم فريضة مُشترَكة يتحمّلها كلٌّ من الرجل والمرأة. كما أنّه لم يُحرِّم نشاطاً اقتصاديّاً خاصّاً على المرأة. الإسلام لا يُريد إطلاقاً أنْ تكون المرأة عضواً عاطلاً وكلّاً. فستر البدن باستثناء الوجه والكفّين لا يحول دون أيِّ نشاط ثقافيّ أو اجتماعيّ أو اقتصاديّ. إنّ الذي يؤدّي إلى تعطيل الطاقة العمليّة للمجتمع هو تلويث محيط العمل بالممارسات الشهوانيّة.
أيُّهما أفضل لاقتدار الطلّاب على التحصيل العلميّ والإصغاء لمحاضرة الأستاذ: أنْ يعكف الفتى والفتاة على تحصيل العلم في صفوف مستقلّة، أو يحصّلان العلم معاً في صفٍّ دراسيٍّ مُشترَك مع ستر الفتيات لأجسادهن، دون أيِّ تجميل أو زينة، أم أنْ يجلس الفتى إلى جانب الفتاة المتزيّنة المرتدية ثياباً سافرة عن ساقيها؟ وهل أنّ الرجل العامل في الأزقّة والأسواق والمعامل والمؤسّسات الإداريّة، الذي يواجه الفتيات المثيرات، أقدر على العمل، أم الرجل الذي لا يواجه الإثارة؟. إذا لم تُصدِّق فسل العاملين في هذه الميادين. أجل، فكلُّ مؤسسة أو شركة تُريد أنْ تسير أعمالها بجدّية، تحول دون مثل هذا الاختلاط. وإذا لم تُصدّق إذهب وحقّق!.
الحقيقة هي: أنّ الوضع القائم بيننا من السفور والتحلُّل، والّذي نتقدّم به على أوروبا وأمريكا، هو من مختصّات المجتمعات الرأسماليّة الغربيّة المنحطّة، وهو إحدى النتائج السيّئة للممارسات الغربيّة، بل إحدى الوسائل الّتي يستخدمونها لتخدير المجتمعات الإنسانيّة وتحويلها عنوةً إلى مستهلِك لبضائعهم.
نشرت صحيفة اطّلاعات تقريراً (قبل عشر سنوات من انتصار الثورة) نقلته عن الإدارة العامّة للإشراف على الموادّ الاستهلاكيّة، جاء فيه بصدد ميزان استهلاك الموادّ التجميليّة ما يلي: " استوردت البلاد في بحر سنةٍ واحدة (210,000) كيلوغرام من الموادّ التجميليّة، وقد بلغت المساحيق الدهنيّة (181,000) كيلوغرام...".
أجل، لأجل أنّ تكون المرأة الإيرانيّة مستهلِكاً جيّداً لبضائع المعامل الأوروبيّة، عليها باسم "التجدُّد" و"التقدُّم" و"التطوُّر الزمنيّ" أنْ تعرض نفسها كلَّ يوم وكلَّ ساعة متجمِّلة بالمساحيق الّتي يصنعها عالم الرأسماليّة. وإذا أرادت المرأة الإيرانيّة أنْ تكون لزوجها فقط، أو تتجمّل للحضور في المجالس النسائيّة الخاصّة فسوف لا تكون مستهلِكاً جيّداً للرأسماليّة الغربيّة، وسوف لا تقوم بدورٍ آخر وهو عبارة عن الحطّ من خُلُق الشباب وإضعاف إرادتهم، وتجنيد الفعاليّات الاجتماعيّة، لمصلحة الاستعمار الغربيّ.
قليلاً ما تسمع في المجتمعات غير الرأسماليّة ذات الحسّ الدينيّ، المآسي والكوارث الّتي تقع في عالَم الغرب باسم حريّة المرأة.
4 - رفعة المرأة واحترامها:قُلنا سابقاً إنّ الرجل بشكلٍ عام متفوِّق جسميّاً على المرأة. ومن زاوية فكريّة وعقليّة يبقى تفوُّق الرجل - على الأقلّ - محلّ بحث وشكّ. فعلى هذين المستويين لا تستطيع المرأة مجابهة الرجل، ولكنّ المرأة أثبتت على الدوام أنّها قادرة على السيطرة على الرجل عاطفيّاً وقلبيّاً.
إنّ وضع حاجز وحدٍّ بين المرأة نفسها والرجل من جملة الوسائل الغامضة الّتي تستفيد منها المرأة لحفظ مقامها أمام الرجل.
لقد حضّ الإسلام المرأة على الاستفادة من هذه الوسيلة، خصوصاً تأكيده على أنّه كلّما تحرّكت المرأة بشكل أكثر وقاراً وعفّةً، وامتنعت عن عرض نفسها أمام الرجل، كلّما ازداد احترامها لدى الرجل.
وسنرى لاحقاً في تفسير آيات سورة الأحزاب أنّه بعد توصية النساء بالستر يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْن﴾، فيكون الحجاب علامة على عفاف المرأة وعزّتها على الرجال، وبالتالي لا تقع مورداً لأذى الطائشين.
1- ص : 32.
2- النور: 30- 31.
التعلیقات