الَشبَاب ومُشكـِلـة الثَقافَة وَالإِنتمَاء الَفِكِري
موقع شبكة كربلاء المقدسة
منذ 8 سنوات
أن مما يميز إنسانية الإنسان أنه كائن عاقل مفكر يُنمي فكره ومعارفه عن طريق التفكير
والتجارب والتعلم من الآخرين . وإن من الغرائز الأساسية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان هي غريزة التجمع , أو ما يسميها علماء النفس غريزة القطيع . فالحيوانات والطيور والأسماك تتجمع في شكل جماعات ومجموعات في المراعي وأثناء السير والإستراحة والهجرة والبحث عن الطعام والشراب .
وقد عبر المثل العربي عن ذلك بقوله : ( إن الطيور على أشكالها تقع ) .
فتتجمع هذه الحيوانات المتماثلة مع بعضها البعض . كما يتجمع الناس في المجالس والنوادي ومواقع الإجتماعات المتعددة .
ومن الواضح أن الطفل ينشأ في بيئة محددة الثقافة والحضارة والأنتماء الفكري والثقافي . فتساهم تلك البيئة في تكوين شخصيته وتحدد نمط حياته , فمنها يكتسب وبها يتأثر .
ولكن القرآن الكريم يرفض طريقة التبعية غير الواعية , ويهاجمها بشدة , ويطالب بالوعي والتأمل .
وتوظيف العقل في إختيار الطريق الأسلم , وتحديد الإنتماء الفكري على وعي وبصيرة . قال تعالى : (( قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة أنا من أتبعني )) (1) . ولقد أستنكر القرآن الكريم طريقة الإنتماء البيئي غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب في العديد من آياته المباركة منها قوله : (( وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل و الى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولايهتدون )) (2) .
وينقل لنا القرآن معناة الأنبياء والرسل من التحجر الفكري لدى أممهم والوقوف على الموروث الثقافي المتردي لدى شعوبهم فقال : (( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون )) (3) .
وحذر الرسول (ص) من تبعية الإمعة الذي لا يحدد موقفه وإنتماءه عن وعي وقناعة علمية , ويعيش مقلداً تابعأً للآخرين فقال (ص) : ( لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا , وأن ظلموا ظلمنا , ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا , وأن أساؤوا فلا تطلموا ) (4) .
إن من القضايا المتأصلة في أعماق الأنسان هي طبيعته البشرية , وإنتماؤه الشعوري واللاشعوري الى الجماعة , كالإنتماء الى الأسرة والعشيرة والى المدينة والإقليم والنادي والفريق الرياضي وغيرها من أُطر الإنتماء أو التجمع .
ومن الطبيعي أن الجيل الجديد يشهد تحولات إجتماعية وطروحات فكرية وسياسية جديدة . فالحياة حركة وتحول وتواصل . ويختلف حجم تلك التحولات حسب ظروف المجتمع وأوضاعه , فجيل الشباب الذي عاصر بداية الدعوة ومرحلة النبوة مثلاً كان قد واجه تحولاً فكرياً وحضارياً عظيماً في السعة والعمق والشمول . فكان هو جيل الرسالة , وكان أنصار الأسلام هم من جيل الشباب والناشئين في الأعم الإغلب .
وهكذا تشهد الإحصاءات أن جيل الشباب في عصرنا الحاضر هم حملة الإسلام لاسيما في الجامعات والمعاهد والمدارس , ذكوراً وإناثاً .
وجيل الشباب المسلم , كما هو مهيأ لتقبل الفكر الإسلامي والإنتماء إليه بقوة وحيوية وإخلاص فإنه عرضة الى تيارات الفكرية والسياسية المنحرفة , أذ كانت ولازالت بعض الأجهزة الإعلامية والكتب الهدامة وقصص الأفلام والمسرحيات والشعر وغيرها من وسائل النشر هي الوسائل والأدوات لأحتواء جيل الشباب . في حين لم يعرف بعض الشباب ما أنطوى عليه الموقف من خطط سرية وأهداف عدوانية للقضاء على الدين في نفوس المسلمين , والإبقاء على تخلفهم وغوزهم فكرياً وحضارياً .
وربما حرك أعداء الأسلام بعض الحركات والتيارات الهدامة والجماعات التكفيرية لضرب كل بادرة خير في مهدها , وقبل أن يقوى عودها ويستفحل أمرها , ليتسنى لأعداء الدين الوصول الى غاياتهم وأهدافهم المريضة الشريرة .
وهنا لابد أن يكون الشباب ذكوراً وإناثاً على وعي تام مما يجري خلف الستار وما يحاك للأمة من مؤامرات خبيثة , وأن يصححوا مفهوم الأنتماء الى الدين, وأن يثقفوا أنفسهم من مصادر الثقافة الأصيلة الحقة .
ولابد للشباب أن تكون لديهم شخصية ثقافية وهوية حضارية واضحة المعالم . وهوية الشاب المسلم الثقافية هي الهوية الإسلامية . ولا يعني ذلك أن كل حصيلته الثقافية هي مجوعة من المعلومات الدينية . وإن كان الإهتمام بها مطلوباً , إنما نعني بالثقافة الإسلامية وعي الحياة والمعرفة والسلوك والطبيعة من خلال المنهج الإسلامي .
فالمثقف المسلم يتعامل مع مفهوم الحرية السياسية والدولة والجنس , والعلاقة مع الله والثروة والذات والفكر من خلال الفهم والمنهج الإسلامي .
فالشاب المسلم إذن بحاجة الى فهم العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية السيرة النبوية الصحيحة , والإلمام بالسنة المطهرة ومفاهيم القرآن , و أن يبداً بتكوين ثقافته من خلال الكتاب المخلصين والمفكرين المؤمنين , ليكون قادراً على التمييز بينما هو إسلامي وبينما هو غير ذلك .
والذي نخشاه أن يكون الشاب ضحية الأزمات والصراعات الفكرية التي يعج بها مجتمعنا اليوم وهو يعيش ثورة جبارة في نقل المعلومات بواسطة الإنترنت والقنوات الفضائية والصحافة والحاسوب الآلي وغيره .
فلا يوجد الآن بيننا وبين ثقافات العالم أي جاجز لذا ينبغي أن نمييز بين الأستفادة من ثقافات الأمم وفق ما تمليه عليه شريعتنا الغراء , وبين الذوبان وفقدان الهوية الثقافية .
وفي كل الأحوال فإن تكوين الثقافة الإسلامية وتحديد المسار الصحيح هو واجب الإنسان المسلم نفسه .
وتتحمل المؤسسات الإسلامية مسؤولية توزيع المطبوعات النافعة , وإصدار النشرات والدوريات , وبث الوعي الديني في حملة الكلمة الطيبة وهم المبلغون والخطباء , ليصل من خلالهم الى الشباب في مناطق عملهم .
و ان نشّد على أيدي أخواننا المرابطين في ثغور التشييع ومن حولهم أعزاؤنا الشباب المؤمنون أينما كانوا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هود : 108 .
(2) النساء : 61 .
(3) سبأ : 34 .
(4) ميزان الحكمة : 3 / 2620 .
التعلیقات