عاشوراء والأمر بالمعروف
موقع البوابة الجامعة لأهل البیت(ع)
منذ 8 سنوات
عاشوراء والأمر بالمعروف
ترى ثقافة عاشوراء أن تسلّط جور يزيد يعد من أكبر المنكرات الاجتماعية،
وأن محاربته من أجل إحقاق الحقّ وإنهاء التسلّط الغاشم يعتبر معروفاً عظيماً. وكان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الأسباب الكامنة وراء انطلاق ملحمة كربلاء الداميّة. جاء في الوصية التي كتبها الإمام الحسين عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية: "إنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب"(حياة الإمام الحسين 246:2 و 288).
وهذا يبيّن بوضوح دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في انبثاق هذه الحركة الحسينية. وقد طرح هذا الموضوع في زيارة حضرته أيضاً: "أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وجاهدت في سبيل الله حتّى أتاك اليقين"(مفاتيح الجنان، زيارات الحسين عليه السلام).
تعكس هذه التعابير مدى عمق هذه الفريضة الدينية التي تبرز حتى في وسط الجهاد الدامي، وتمنح مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بُعداً يجعله يمتد من الواجبات والمحرمات الجزئية والفرعية والفردية حتى يشمل القيام من أجل إقامة القسط وإسقاط حكومة الجور وتغيير النظام الاجتماعي الفاسد.
لما امتنع الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد، ووقف ذلك الموقف الشجاع ضد الوليد ومروان ذهب إلى قبر النبي، وقضى ليلته في المناجاة عنده ، وجاء في تلك المناجاة: "اللّهمّ إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه إلاّ اخترت لي ما هو لك رضىً ولرسولك رضىً"(بحار الأنوار328:44، مقتل الخوارزمي:186)
ثقافة عاشوراء
المراد منها مجموعة القيم والمفاهيم، والأحاديث والأهداف، والدوافع وأساليب العمل، والمعنويات والخلق الرفيع الذي قيل أو فعل في ثورة كربلاء، أو الذي تجسد في أحداث تلك النهضة. وهذه القيم والمعتقدات تجلت في كلمات سيد الشهداء وأصحابه وولده، وفي سلوكهم أيضا. وينبغي أن تُستقى ثقافة عاشوراء ممن كانت لهم صلة عملية وفكرية وقلبية بعاشوراء . وقبل ان يحاول الآخرون والأجيال اللاحقة والمحللون المتأخرون عن الواقعة نشر ثقافة عاشوراء عليهم أولاً أن يتمثلوا في أقوالهم وتطلعاتهم دور صانعي ملحمة عاشوراء ، وان يعرضوا هذه الثقافة مباشرة وبلا واسطة .
هذه الثقافة يمكن استخراجها من كتب الزيارات ، والمقاتل ، والرجز ، والخطب ، ومن خلاله دراسة أحداث ووقائع عاشوراء . وإذا ما وجدت هذه الثقافة لدى أي شعب وفي أي موضع كان فهي كفيلة بخلق حادثة كحادثة كربلاء ، وتربية الناس على مقارعة الظلم والدفاع عن الحق .
ثقافة عاشوراء هي أساس البناء العقائدي والفكري الذي كان يتحلى به الإمام الحسين عليه السلام وشهداء كربلاء ، وسبايا أهل البيت عليه السلام ، واليها يعزى انبثاق تلك الملحمة وديمومة ذكراها . ويمكن تلخيص مجموع تلك القيم والمفاهيم تحت العناوين التالية :
التصدي لتحريف وقارعة ظلم الطواغيت وجور الحكومات ، وعزة الإنسان وكرامته ، وترجيح الموت الأحمر على الحياة الذليلة ، وانتصار الدم على السيف ، والشهادة على الفاجعة ، وحب الشهادة واستقبال الموت ، وإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير من السنن الإسلامية ، والرجولة والمروءة حتى في التعامل مع العدو ، ورفض المساومة مع الجور والرضوخ للظلم ، وقصد إصلاح المجتمع ، والعمل بالتكليف لنيل رضى الله ، والعمل بالتكليف سواء أدى الى النصر أم الى الشهادة ، والجهاد والفداء الشامل ، والتضحية بالنفس في سبيل إحياء الدين ، ومزج العرفان بالحماسة ، والجهاد بالبكاء ، والقيام المخلص لله ، والصلاة في أول وقتها ، والشجاعة والثبات في مقابل العدو ، والصبر والمقاومة في سبيل الهدف حتى الموت ، والإيثار ، والوفاء ، وغلبة الفئة القليلة المحقة على الفئة الكثيرة من أهل الباطل ، ومناصرة إمام الحق ، والبراءة من حكام الجور ، وصيانة كرامة الأمة الإسلامية ، وتلبية نداء استجابة المظلومين ، وتضحية الناس في سبيل القيم وما الى ذلك .
ويمكن الاتيان لكل واحد من المحاور المذكورة بوثيقة وسند من كلام الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه أو أسلوب سلوكهم ومواقفهم وجهادهم وشهادتهم لنجعل من هذا المسرد الثقافي ومسندا بشكل أدق وأوثق ، وهذه الثقافة السامية والغنية التي تجسدت في صنّاع ملحمة عاشوراء يجب أن تتواصل أيضا لدى السائرين على خط الإمام الحسين ، ولدى من يدّعون السير على خطاه . وعلى ورثة هذه الثقافة أن يناصروا الحركات المستمدة من ثورة كربلاء ، ويناهضوا السائرين على طريق أعداء سيد الشهداء عليه السلام ، لأن الراضين بتلك الجريمة ملعونون ، وقد جاء في زيارة عاشوراء : " فلعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به … " .
التعلیقات