كم كان عدد أنصار الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء؟
موقع مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
منذ 7 سنواتمن المؤكد أنه لا سبيل لنا إلى معرفة العدد الحقيقي لأصحاب الحسين عليه السلام، من استشهد منهم ومن لم يرزق الشهادة، وذلك لان المستندات المباشرة لهذه المسألة،
وهي روايات شهود العيان، مختلفة في التقدير. وهي، بطبيعة الحال، غير مبنية على الاحصاء، بل مبنية على الرؤية البصرية والتخمين كما تقضي بذلك طبيعة الموقف، ومن هنا فإن أيا منها لا تعبر عن عدد نهائي، وإنما تعبر عن عدد تقريبي، لا بد أن يفترض فيه أنه يزيد على العدد الحقيقي قليلا أو ينقص عنه قليلا.
فيما يلي نعرض الروايات الرئيسية في الموضوع، ونحللها، ونناقشها. لدينا، بالنسبة إلى من شارك في المعركة من الهاشميين وغيرهم، أربع روايات.
الرواية الأولى: رواية المسعودي
وهي: (فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي… فعدل إلى كربلاء، وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه، ونحو مائة راجل) (مروج الذهب: 3 / 70).
إن المسعودي لم يذكر مستنده في هذه الرواية، فلا يمكن أن نقبل العدد الوارد في هذه الرواية على أنه العدد الذي وصل مع الحسين إلى كربلاء، ويمكن أن تكون هذه الرواية صادقة إلى حد بعيد إذا أخرجناها من إطارها الجغرافي، وتأخرنا بها في الزمان قليلا عن لقاء الحسين للحر، واعتبرنا أنها تعبر عن العدد الذي كان قبل أن يعلن الحسين عن مقتل مسلم بن عقيل وعبد الله بن بقطر وهاني بن عروة، وأما بعد ذلك فمن المؤكد أن عدد الأصحاب ليس بالمقدار الذي ورد في رواية المسعودي.
الرواية الثانية: رواية عمار الدهني عن الامام الباقر عليه السلام
وقد جاء فيها: (حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد التميمي… فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء… وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل) (الطبري: 5/ 389).
إن عمار الدهني قد تلقى الرواية من أوثق المصادر وهو الإمام الباقر عليه السلام، والمفروض أنه قد تلقي صورة حية ودقيقة لما حدث، فقد طلب الحديث بقوله: (حدثني عن مقتل الحسين كأني حضرته) ولذا فإن مما يبعث على الدهشة أن نجد في الرواية تحريفا منكرا لوقائع التاريخ، فهي تخالف، من عدة وجوه، بعض الحقائق الهامة المتصلة بمعركة كربلاء، ونرجح أن ذلك ناشئ من تلاعب الرواة بها كما ذكرنا آنفا، إلا أن هذا لا يمنع من قبول العدد الوارد في هذه الرواية بصورة مبدئية.
الرواية الثالثة: رواية الحصين بن عبد الرحمان
عن سعد بن عبيدة، قال: (إن أشياخا من أهل الكوفة لوقوف على التل يبكون ويقولون: اللهم أنزل نصرك، قال: قلت : يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه… وإني لأنظر إليهم، وإنهم لقريب من مائة رجل، فيهم لصلب علي بن أبي طالب عليه السلام خمسة، ومن بني هاشم ستة عشر، ورجل من بني سليم حليف لهم، ورجل من بني كنانة حليف لهم، وابن عمر بن زياد) (الطبري: 5/ 389).
الرواية الرابعة: رواية أبي مخنف
عن الضحاك بن عبد الله المشرقي، قال : (… فلما صلى عمر ابن سعد الغداة… وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء، خرج فيمن معه من الناس… وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا).
إن أبا مخنف يتمتع بسمعة جيدة من حيث دقته وصدقه في أخباره التاريخية. وقد نقل أبو مخنف هذه الرواية بواسطة واحدة عن أحد أصحاب الحسين الذين قاتلوا معه إلى أن بقي من أصحابه رجلان وهو الضحاك بن عبد الله المشرقي، وهو، فيما يبدو، رجل صارم وعملي ودقيق جدا، فحين طلب الحسين منه النصرة أجابه إلى ذلك مشترطا أن يكون في حل من الانصراف عنه حين لا يعود قتاله مفيدا في الدفع عن الحسين، وقد أجابه الحسين إلى شرطه فاشترك الضحاك في المعركة بصدق. إن هذه الملاحظة تبعث على الوثوق بدقته.
ونلاحظ مما سبق أن عدد الأصحاب لم يكن ثابتا في جميع المراحل، منذ الخروج من مكة إلى ما بعد ظهر اليوم العاشر من المحرم في كربلاء، وإنما كان العدد متقلبا، بدأ عند الخروج من مكة بالعدد الذي ذكره الخوارزمي (اثنين وثمانين رجلا) ثم ازداد العدد كثيرا في الطريق، ثم تقلص حتى عاد إلى العدد الأول، وربما يكون قد نقص عنه قليلا، ثم ازداد بنسبة صغيرة قبيل المعركة نتيجة لقدوم بعض الأنصار، وتحول بعض جنود الجيش الأموي إلى معسكر الحسين. وتقديرنا الخاص نتيجة لما انتهى بنا إليه البحث هو أن أصحاب الحسين الذين نقدر أنهم استشهدوا معه في كربلاء من العرب والموالي يقاربون مئة رجل أو يبلغونها وربما زادوا قليلا على المئة.
محاولة حبيب بن مظاهر جلب مزيد من الانصار
لقد كان من الممكن أن يزيد عدد أصحاب الحسين عليه السلام زيادة كبيرة، لم تكن لتؤثر وحدها على نتيجة المعركة بنفسها، ولكنها كانت تجعلها أطول وأشد مرارة بالنسبة إلى الجيش الأموي، مما كان من الممكن أن يمكن قوات أخرى أن تتدخل إلى جانب الثورة، وعوامل مساعدة ذات طبيعة سياسية أن تحدث فتؤثر على نتيجة المعركة.
كان من الممكن أن يحدث هذا لولا حدوث بعض المعوقات، فقد استأذن حبيب بن مظاهر الأسدي الإمام الحسين قبل المعركة بأيام في أن يأتي قومه من بني أسد الذين كانوا قريبين من موقع المعركة فيدعوهم إلى نصرة الحسين، فأذن له. وقد استجاب لدعوة حبيب بن مظاهر من هذا الحي من بني أسد تسعون مقاتلا جاءوا معه يريدون معسكر الحسين، ولكن عمر بن سعد علم بذلك فوجه إليهم قوة من أربعمئة فارس، ( فبينما أولئك القوم من بني أسد قد أقبلوا في جوف الليل مع حبيب يريدون عسكر الحسين، إذا استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات، وكان بينهم وبين معسكر الحسين اليسير، فتناوش الفريقان واقتتلوا، فصاح حبيب بالأزرق بن الحرث : مالك ولنا، انصرف عنا، يا ويلك دعنا واشق بغيرنا، فأبى الأزرق، وعلمت بنو أسد ألا طاقة لهم بخيل ابن سعد، فانهزموا راجعين إلى حيهم، ثم تحملوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد أن يكبسهم، ورجع حبيب إلى الحسين فأخبره ).
ويبدو أن السلطة كانت تخشى أن يتسامع الناس بما يحدث في كربلاء فيؤدي ذلك إلى تدفق الأنصار على الحسين، ولذا استعجلت إنهاء المعركة والقضاء على الحسين وآله وصحبه، فرفضت المضي في المفاوضات، ووجهت تأنيبا إلى عمر بن سعد لأنه يحاور الحسين، واستخدمت سلاح العطش لا لمجرد التعذيب الجسدي، وإنما لغاية أخرى أيضا هي خفض القدرة القتالية لدى الحسين وقوته الصغيرة، وإضعاف خيلهم، وخلق مشكلة موجعة تنشأ من عطش النساء والأطفال. ويبدو أن محاولة حبيب بن مظاهر قد نبهت قيادة الجيش الأموي إلى إمكانية تسرب قوات موالية للحسين من جانب الفرات، فعززت، إثر هذه المحاولة، حصار العطش لحماية الضفة من تسرب أي إنسان موال للحسين من خلالها.
التعلیقات