ضرب السيّدة الزهراء (عليها السلام) بين الحقيقة والتحريف
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتفي مساء يوم الثلاثاء، كنت قد ذهبت إلى تشيع أخت صادق الذي كان مِن أعزّ أصدقائي، وكانت العلاقة بيننا جيدة جداً. ذهبت، ورأيت صادق وأخوانه وأبوه وأمه يبكيان بكاءاً شديداً، فأخذتني العبرة؛ لأنّ أبو صادق كاد أن يخرج الروح من جسده، وكنت
أرى أيضا أن أمّ صادق وهي تشقّ جيبها صادق وأخوان، وفي ذلك الحال رأيت زهير - والذي كان يريد أن يخطب زهراء - يبكي بكاءاً شديداً؛ فاستفسرت من زهير عن كيفية وقوع هذه الحادثة، بعد عدّة دقائق عندما مسح الدموع من عينيه بدءا بشرح الموضوع.
قال زهير بأنّ زهراء (التي كنت أريد أن أخطبها) بنت ذات 18 عاماً، وهي عفيفة وأديبة، ويعرفون الجميع عائلتها. قبل أسبوع عندما ذهبت لشراء حاجات للبيت في الرجوع هجموا عليها مجموعة من الأوباش، وضربوها، وطعنوها بالسكاكين، ثم سرقوا ما لديها، وهربوا، وبعد بقائها لمدة أسبوع في المستشفى في قسم العناية المركزة، توفيت إثر ذلك الضرب والطعون، وها هنا اجتمعنا؛ لكي نُشيعها، وندفنها في مأواها الأخير.
عندما سمعت هذا الكلام انتقل ذهني إلى ما جرى على السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فوقع تساؤولات عديدة في ذهني، منها: مَن الذي تجرء بالهجوم على سيّدة النساء (عليها السلام) وهي بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) ومعروفة عند جميع الناس، وإن تجاوز عليها شخصٌ من الواضح أن يمنعها الآخرون؟ لماذا فعلوا بها هذا؟ لماذا لم يهربوا الذين ضربوها، بل وقفوا أمامها حيث أرسلوا عبيدهم لكي يضربها مرة أخرى؟ لماذا دُفنت ليلاً وسرّاً؟
لهذا عزمت أن أبحث عن هذا الموضوع بنفسي؛ لكي أجد الأجوبة الصحيحة والمُقنعة حتى أحلّ هذه التساؤولات. بعد بحثٍ قليل وصلت إلى هذا المقطع: "فَوَجهُوا اِلی مَنْزلِهِ فَهَجَمُوا عَلَیْهِ وَاَحْرَقُوا بابَهُ... وَضَغَطُوا سَیدَةَ النساءِ بِالْبابِ حَتی أسْقَطَتْ مُحْسِنا"!!! ( ) وكان هذا المقطع متوجهاً إلى عمر وأبي بكر والجماعة الذين كانوا قد ذهبوا إلى بيت الإمام علي (عليه السلام)؛ لكي يأخذوا منه البيعة لأبي بكر قهراً!!!
يا الله... هل هؤلاء من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! أما سمعوا بما أوصى الرسول (صلى الله عليه وآله) بإبنته "ما رَضِيْتُ حَتّى رَضِيَتْ فاطِمَة"؟! ( )
ثم وجدت هذا الحديث: "اِن عُمَرَ ضَرَبَ بَطْنَ فاطِمَةَ یَوْمَ الْبَیْعَةِ حَتی اَلْقَتْ اَلْمُحْسِنَ مِنْ بَطْنِها"( ) لم أصدّق هذا؛ لأنّه ما كنت أعلمه سابقا أنّ قنفذاً هو الذي ضرب فاطمة (عليها سلام).
كان لابد أن أدقق أكثر؛ لأنّ ما وجدته كان مثيراً للشبهة، فما قرأته اليوم كان يُخالف ما سمعته ماضياً بعدم ضرب عمرُ فاطمةَ (عليها السلام).
ففي يوم ما ذهبت إلى أحد المكاتب الإسلامية، وبحثت في الكتب؛ لكي أجد حقيقة الأمر. لم أحتاج إلى الوقت إلّا القليل؛ لأنّ القضية كانت بوضوح الشمس فوجود ما أريده من الأدلة مِن الكتب المعتبرة كانت بسيطة جداً.
نعم، ما كنت أريده وجدته، وهو:
"بعد هجوم القوم على بيت فاطمة(عليها السلام) قالت لعمر: ويحك يا عمر! ما هذه الجرأة على الله ورسوله؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتنفيه (تفنيه)، وتطفئ نور الله؟ والله متم نوره، وانتهاره لها.
قال عمر: كفّي يا فاطمة فليس محمد حاضراً، ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله، وما علي إلّا كأحد المسلمين فاختاري -إن شئت- خروجه لبيعة أبي بكر، أو أحرقكم جميعاً.
فقالت، وهي باكية: اللهم إليك أشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك، وارتداد أمّته علينا، ومنعهم إيّانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل.
فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة، وأخذت النار في خشب الباب. وإدخال (وأدخل) قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حامل بالمحسن لستة أشهر، وإسقاطها إياه.
وهجوم عمر، وقنفذ، وخالد بن الوليد، وصفقها عمر على خدها حتى بدا (أبرى) قرطاها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء، وتقول: وا أبتاه، وا رسول الله، ابنتك فاطمة تكذب، وتضرب، ويقتل جنين في بطنها."( )
نعم، على الظاهر أنّ ما سمعته ماضياً من أنّ لما تجاوز عمر على السيّدة زهراء (عليها السلام)، لم يكن هو الواقع، بل كان تجاهل هذا الأمر وعدم ذكر إسم عمر وأنّه ضرب السيّدة زهراء (عليها السلام)، وأسقط جنينها لم يكن بأمرٍ منه، بل كان هو المباشر لهذا الأمر، وفعل هذه الأمور بنفسه، لكن لم أعلم لأي الأسباب يُكتم هذا القول، والحال أنّ كبار علماء السنّة اعترفوا بهذه الحقيقة!!! وهل أنّ كتمان هذه الحقيقة لأيّ سبب كان صحيح ومُقنع!!!.
ولسان حال الشاعر في مأساة الزهراء (عليها السلام):
هما أسّسا ظلم الهداة، وقد بنى****** غواتهم بغياً على ذلك الأصل
ولولاهم ما كان شورى ونعثل****** ولا جمل والقاسطون ذوو الدخل
ولا سيئت الزهرا، ولا ابتزّ حقّها****** ولا دفنت سرّاً بمحلولك الطفل( )
التعلیقات