شروط وجوب النهي عن المنكر
السيّد سعيد كاظم العذاري
منذ 11 سنةيختلف الناس فيما بينهم من حيث الطاقات والامكانيات البدنية والعقلية والروحية ، وفي ضوء ذلك يختلفون في مراتب التكليف والمسؤولية التي تتناسب طرديا مع الطاقات والامكانيات
.ومن هنا فوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعيّن على القادرين على القيام به وادائه بالصورة التي تحقق الهدف المناط به ، ومن شروط الوجوب :
أولاً : العلم بالمعروف وبالمنكر : يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العالم بهما ، الذي يعرف مصاديقهما ومواردهما ، وقادر على التشخيص والتمييز بين الأقوال والافعال والممارسات السلوكية ، ويتناسب الوجوب مع درجة العلم والاطلاع ، فوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون آكدا على الفقيه ثم المتفقه في الدين.
سُئل الإمام جعفر الصادق عليهالسلام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الاُمّة جميعا؟ فقال : « لا ، فقيل له : ولِمَ؟ قال : إنّما هو على القوي المطاع ، العالم بالمعروف من المنكر ، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلاً إلى أي من أي يقول من الحق إلى الباطل ، والدليل على ذلك كتاب اللّه عزَّ وجلَّ قوله : « وَلتكُن مِّنكُم أُمّةٌ يَدعُونَ إلى الخَيرِ ويأمُرُونَ بالمعرُوفِ وَيَنهونَ عَنِ المُنكَرِ » ، فهذا خاص غير عام ».
كما قال اللّه عزَّ وجلَّ : « وَمِن قَومِ مُوسى أُمّةٌ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ » ، ولم يقل : على أُمّة موسى ولا على كل قومه ، وهم يومئذٍ أمم مختلفة ...
ثانيا : القدرة على التأثير : يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من له القدرة على التأثير، بان يكون قوي النفس قوي الارادة ، قويّ البيان ، له اطلاع كامل على مستويات الناس وطاقاتهم العقلية والنفسية ، ويستطيع الصمود أمام العقبات والتعقيدات التي تواجهه ، وله قوة في شخصيته يستطيع من خلالها التأثير على الآخرين ، بالقول والفعل ، وبالايحاء والتلقين.
لذا نجد ان على رأس الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم الأنبياء والأوصياء والأئمة والفقهاء ، ومن له سلطة روحية أو سياسية أو له مكانة اجتماعية مرموقة.
ومن مصاديق القدرة هي القدرة البدنية في خصوص مرتبة استخدام القوة ، فالمريض والعاجز والضعيف لا يتعيّن عليه العمل المتوقف على القوة.
وعليه فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان باللسان واليد (إذا تمكن المكلف من ذلك)
ثالثا : القطع بالتأثير أو احتماله : إذا نظرنا إلى طبيعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجده تكليفا ليس بالهيّن ولا باليسير ؛ لأنّه يصطدم بشهوات الناس ونزواتهم ، ويصطدم بمصالح البعض ومنافعهم الذاتية الضيقة ، ويصطدم بالغرور والكبرياء اللذين تحملهما النفس الانسانية.
والناس يختلفون فيما بينهم تجاه المعروف والمنكر ، فالبعض يبحث عن الاستقامة في العقيدة والسلوك ، فهو يتأثر بما يقال له وبما يؤمر به أو ينهى عنه ، والبعض مكابر لا يذعن للحجّة وإن قطع بها ، والبعض منغمس في الانحراف ، ويبغض الاستقامة ، والبعض قد آنس بالانحراف العقائدي والسلوكي حتى أصبح جزءا من كيانه ؛ يجد فيه تحقيقا لمصالحه ورغباته ويرفض من يعارضها ويخالفها.
ومن هنا يكون الوجوب مختصا بمن يقطع أو يحتمل تأثير أمره ونهيه على المقابل.
قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : « إنّما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلم ، وأمّا صاحب سوط أو سيف فلا »
فإذا وجد المكلّف مؤمنا أو جاهلاً يبحث عن الحقيقة فيجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أمّا المكابر الذي لا يروم الاستقامة في العقيدة والسلوك ، فلا يجب على المكلّف ان يأمره وينهاه ، ما دام غالقا لمنافذ الهداية في فكره وعاطفته وسلوكه.
وسُئل رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن حديث : « إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمامٍ جائر » ما معناه؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هذا على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلاّ فلا »
وقد قامت سيرة المعصومين عليهمالسلام على هذه القاعدة ، فأمير المؤمنين عليهالسلام أكثر من نصحه لعثمان بن عفان ، وكان يأمره بالمعروف وينهاه عن الممارسات التي يمارسها مع المسلمين خلافا لسُنّة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كتعيينه الولاة الجائرين والفاسقين ، وكان يحذّره من مروان وأمثاله ، ولكنّه حينما يئس من اصلاح وتغيير ممارساته قال له : « ما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك »
رابعا : الأمن من الضرر : إنّ مهمة الدعوة الإسلامية المتجسدة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة شاقة تواجه اصنافا من الناس يختلفون في الاستجابة ، فمنهم من يتفاعل معها ليغيّر مفاهيمه وقيمه وممارساته في ضوء ما يؤمر به ويُنهى عنه ، ومنهم من تصدّه شهواته ونوازعه عنها ، فيعرض عنها معاندا لا ينفتح قلبه لدلائل الهدى ، مصرا على انحرافه الفكري والعقائدي يقابل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بسخرية واستهزاء أو بالاعراض وعدم الاستماع.
ومنهم من يترقى به العناد والغرور والكبرياء إلى المواجهة العنيفة ، ويعمل على الحاق الاذى بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، وقد يصل الاذى إلى مرحلة الجرح أو التعويق أو القتل ، ففي مثل هذه الحالة فان الإنسان يسقط عنه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأنّه مشروط بالأمن من الضرر سواء على نفسه أو على غيره.
قال الامام الصادق عليهالسلام : « والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك ، ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه »
وكتب الامام علي بن موسى الرضا عليهالسلام للمأمون حينما سأله أن يكتب له محض الإسلام : « ... والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان اذا امكن ، ولم يكن خيفة على النفس ... »
والضرر المقصود يحدّد من قبل المكلّف نفسه بعد تشخيصه للمصلحة والمفسدة المترتبة على قيامه بالتكليف أو عدمه ، فيقدّم أهون الضررين.
والضرر لا يتحدد بوقت من الاوقات ، قال الشيخ الطوسي : ـ في ذكره لشروط الوجوب ـ : ( ... وعلم أنّه لا يؤدّي إلى ضررٍ عليه ولا على أحد من المؤمنين لا في الحال ولا في مستقبل الاوقات)
التعلیقات