يوم الأسرة للعالم الإسلامي
مهدي المجاهد
منذ 7 سنواتكرس المجتمع الدولي عام 1994 سُنّة دولية للأسرة، ودعا جميع دول العالم إلى الاحتفال سنويا بالأسرة، تعبيرا عن الاهتمام بها، وتأكيدا لمكانتها والتمسك بها وبدورها في مواجهة التطورات والتحديات التي باتت تؤثر سلبا وبشدة وفي كثير من الأحيان تهدد الأسرة والمجتمع.
وخصص للاحتفال يوم 15 مايو من كل عام، ولما كان لهذا التاريخ من ذكرى سيئة للعرب كونه تاريخ النكبة وإنشاء إسرائيل أجمعت الدول العربية ممثلة في مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بقرارهم رقم 248/د/15 ديسمبر 1995 على أن يكون الاحتفال بالأسرة العربية في 7 ديسمبر من كل عام (ذكرى الانتفاضة الأولى)، ومنذ ذلك الحين تحرص جامعة الدول العربية ومنظمة الأسرة العربية على أن يتم الاحتفال في موعده وبحضور معظم الدول العربية حكومات ومنظمات أهلية (غير حكومية)، وفي كل عام يرافق الاحتفال ندوة علمية تناقش موضوعا أو قضية مختارة تتعلق بالأسرة وواقع التحديات التي تواجهها.
لماذا جلعوا هذه الأيام هي التي تكون مظهر للأسرة والعائلة، ولم يختاروا يوم يرتبط بتاريخ الإسلام، ويجعله القدوة، ويكون هو اليوم الذي يختص بالأسرة؟! مع إنّ الأسرة في الإسلام هي حاضنة للمعاني الأخلاقيّة والقيم النّبيلة؛ فالغرب حينما يريد أن يتعرّف على الإسلام ينظر إلى الأسرة الإسلاميّة، فينبهر من شدّة الرّوابط بين أفرادها، كما يتعرّف على معاني الرّحمة والألفة والمودة والتّناصح التي تسود بين أفرادها، فيتعجّب من السّبب الذي أدّى إلى ذلك، فالغرب يُعاني من أُسَرة المتفكّكة التي تشبه بيت العنكبوت في هشاشتها وضعف العلاقات بين أفرادها، كما يعاني من غياب القيم والأخلاقيّات فيها، وهذا يُسبّب ضياع الأسرة وانتشار الفساد الأخلاقي في المجتمع، فمن الأحرى أن ينتزع هذا اليوم من هذه الأسرة التي تتحلى بجميع مبادئ الأخلاقية وتكون المثل الأعلى في المجتمع.
إنّ الأسرة في الإسلام هي مدرسة تخريج الأجيال الملتزمة بقيمٍ عُليا والقادرة على الدّفاع عنها في الملّمات والشّدائد، ذلك بأنّ الوالدين في الأسرة يزرعان في أبنائهم باستمرار معاني البطولة والتّضحية والفداء مبيّنان لهم واجبات المسلم اتجاه أمته ودينه، وما ينبغي عليه فعله وما لا ينبغي، وبالتّالي تكون أهميّة الأسرة كونها المرشد الحقيقي والمرجع الأصيل للأجيال القادمة.
فمن هذا المنطلق نجعل أفضل بيت في الإسلام هو القدوة لنا والأسوة حتى نستطيع من الاقتداء به للوصول إلى الغاية القصوى وهي الوصول إلى الكمال الذي إراده المولى تعالى لنا.
قال ابن عباس: إن الحسن والحسين مرضا، فعادهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، (بناء على بعض الروايات أن الحسن والحسين أيضا قالا نحن كذلك ننذر أن نصوم) فشفيا، وما كان معهم شئ، فاستقرض علي عليه السلام ثلاث أصواع من شعير، فطحنت فاطمة الزهراء عليها السلام صاعا، واختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم؛ ليفطروا، فوقف عليهم سائل، وقال: السلام عليكم أهلَ بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه، وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياما.
فلما أمسوا، ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم، فآثروه، وباتوا مرة أخرى لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياما. ووقف عليهم أسير في الثالثة عند الغروب، ففعلوا مثل ذلك.
فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين عليهم السلام، وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: " ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم " فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل عليه السلام، وقال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة (أي سورة الإنسان).
ما أوردنا هو نص الحديث الذي جاء في كتاب " الغدير " بشئ من الاختصار كقدر مشترك وهذا الحديث من بين أحاديث كثيرة نقلت في هذا الباب، وذكر في الغدير أن الرواية المذكورة قد نقلت عن طريق (34) عالما من علماء أهل السنة المشهورين (مع ذكر اسم الكتاب والصفحة).
واتفق علماء الشيعة على أن السورة أو ثمان عشرة آية من السورة قد نزلت في حق علي وفاطمة (عليهما السلام).(1)
وهذا اليوم هو 25 من شهر ذي الحجة، فهذا اليوم هو أولى من غيره في جعله يوم الأسرة العالمي لما فيه من قيم ومبادئ إسلامية عريقة، التي يبحث عنها العالم بأسره.
كان بيت عليّ وفاطمة عليهما السلام أروع نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة، وقد تعاونا فيه بوئام وحنان على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله، فكان من الأحرى أن يكون هو النموذج ليوم الأسرة العالمي؛ لأنه الأفضل من جميع النواحي التي يريدها الإنسان لكي يجعله نموذجاً وأسوةً لكي يقتدي به.
1ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٩ - الصفحة ٢٥٢
التعلیقات